30 يونيو … وهل يجدي البكاء؟!

الأيام الأولى بعد الانقلاب كشفت عن خطاب عاطفي جميل ولكن ومع مرور الوقت تبين للحضور أن حفلة 30 يونيو لم يكن المقصود منها أبدا إسعاد الشعب ولا تحريره.

 

في عالم التسويق هناك ما يعرف بالحملة التشويقية ( التسويقية بالشين وليست بالسين ) Teasing Campaigns  وهذا النوع من الحملات وظيفته الرئيسية هي جذب الأنظار ولفت الانتباه دون الخوض في التفاصيل ، وعلى سبيل المثال يظهر إعلان ضخم في الشوارع والميادين الكبرى مكتوب فيه ( انتظرونا ) دون أي تفاصيل … أو أن يظهر إعلان تلفزيوني تسمع فيه صوت المعلق التلفزيوني الأجش  وهو يقول ( انتظروا المفاجأة ) أو ( مفاجأة ستغير معنى حياتك … انتظرنا ) وهكذا يبقيك هذا الإعلان في حالة ترقب وانتظار وشوق ورغبة لمعرفة ما هو الشئ الذي سوف يغير معنى حياتك؟

بالنسبة لي كانت 30 يونيو 2013 هي الحملة التشويقية في انتظار انقلاب الثالث من يوليو، مع فارق بسيط أن المفاجأة التي حدثت بعد الإعلان التشويقي الذي استمر لساعات ثم انفض لم تكن سارة أبدا!

صحيح أن الأيام الأولى بعد الانقلاب كشفت عن خطاب عاطفي جميل؛ ولكن ومع مرور الوقت تبين للحضور أن حفلة 30 يونيو لم يكن المقصود منها أبدا إسعاد الشعب ولا تحريره كما زعموا بل هي حفلة تنكرية سيتم بعدها وفي غفلة من المعازيم تسليم مصر لحفنة من الجنرالات المتعطشين للسلطة والرافضين لاستمرار الحكم المدني الذي جاء بإرادة الشعب في أعقاب ثورة قدم الشعب فيها تضحيات كبيرة.

30 يونيو برغم احترامي وتقديري لكل من شارك فيها بحسن نية، وأعتقد أنهم قلة قليلة، ما هي إلا (شرك خداعي) كهذا الذي كانت تلقي به قوات الاحتلال الصهيوني من طائراتها على المناطق السكنية في خط القنال في حرب الاستنزاف والذي عادة ما يكون عبارة عن ساعة أو قلم أو شئ لافت للنظر ولكن وبمجرد لمسه ينفجر في وجه من أمسك به.

الرغبة

يعلم القاصي والداني أن حكم العسكر لن يكون أبدا حكما آدميا ناهيك أن يكون مدنيا ولكن الرغبة في التخلص من خصم سياسي جاء عبر الصناديق أعمت عيونهم حتى أنهم ومن فرط غبائهم السياسي رفضوا الانخراط في عملية سياسية مع الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي على أمل أن يتم إزاحته بالآلة العسكرية ثم يقوم جنرالات الجيش بتسليم الحكم إليهم هكذا ببساطة!

وبالمناسبة فأنا اعتبر أن 30 يونيو بدأت في 21 نوفمبر 2012 وهو تاريخ تدشين جبهة الإنقاذ، ولما فشلت الجبهة في وقف مشروع الدستور الجديد، إذ راهنت على إسقاطه ديمقراطيا ، أدار العسكر ظهره للجبهة واعتبرهم مجموعة من الفشلة وفكر في طريقة أخرى تصنع على يديه وبدعم من الاستخبارات الأجنبية على غرار ما جرى في بعض بلدان أوربا الشرقية في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي عن طريق تحريك مجموعات وهمية لا يُعرف منها إلا القليل والباقي تفاصيل يديرها جهاز الاستخبارات ..
وهو ما حصل عند تشكيل تمرد والذي عرف العالم فيما بعد أنها تشكيل استخباراتي أشرف عليه عبد الفتاح السيسي شخصيا، ودفع بعض حوارييه إلى تمويله مثل رجل الأعمال المعروف نجيب ساويرس ليبدو وكأنه تحرك شعبي، والحقيقة التي كشف عنها ديفيد كيركباتريك مدير مكتب النيويورك تايمز السابق في القاهرة في مقالاته وفي كتابه ( بين أيدي الجنود) ، كما كشفت التسريبات الصوتية التي أذاعتها قناة مكملين عن إدارة المخابرات ووزارة الدفاع بقيادة السيسي حسابات بنكية تخص حركة تمرد التي تبين تمويلها من كل من السعودية والإمارات التي التقى وزير خارجيتها عبد الله بن زايد رموز حركة تمرد.

تمرد كانت جزءا من الحفلة التنكرية أو الشرك الخداعية التي ألقيت في وجه من خرجوا في 30 يونيو والذين ربما أفرطوا في التفاؤل وإحسان الظن بالجنرال الخائن، وحين فشلت جبهة الإنقاذ تم تشغيل البديل وهو تمرد والتي تبين للجميع أنها مثلها مثل جبهة الإنقاذ لا تستخدم إلا مرة واحدة يعني مثلها مثل السرنجات أو الجوانتي الطبي الذي يستخدم لمرة واحدة وقد حدث.

المخدعون

المشكلة الرئيسية بالنسبة لي ليست في انقلاب العسكر على من مهدوا له الطريق فهذا أمر مفروغ منه، بل المفاجأة في بلاهة أو سذاجة هؤلاء المخدوعين وانتظارهم أن يقوم العسكر بتحسين سلوكهم، بل لا يزال البعض مستمرا في وهمه معتقدا أن ما حدث هو خطأ في التطبيق وليس في النظرية، وأن 30 يونيو هي ثورة (حقيقية) قاموا بها وأنه ستأتي لحظة تاريخية سيتنازل العسكر عن الحكم لصالح الثورة المزعومة أو على أقل تقدير سوف يقوم الجنرالات يوما ما باستدعائهم لكي يكونوا شركاءهم في السلطة.

أدرك البعض أن السيسي استخدمهم للتخلص ليس من الإخوان بل من التجربة الديمقراطية، ومن ثورة يناير 2011، ومع ذلك فلا يزال البعض وعوضا عن مواجهة السيسي يوجه سهامه المسمومة إلى الإخوان باعتبارهم السبب الرئيس فيما جرى ويجري في محاولة لكسب تعاطف الجنرال السيسي أو كما نقول بالبلدي (يحنن قلبه) معتقدين أن للجنرال قلب، أو أنه سيستجيب لهم حتى ولو سجدوا بين يديه فهو لا يرى ذك ميزة بل واجب وفرض.

حالة هذا البعض المستمر في إنكاره لحقيقة ما جرى تعرف طبيا بحالة الإنكار وهي حالة نفسية تصيب من لا يريد الاعتراف بأنه مريض وأن عليه التحرك سريعا من أجل وقف تطور المرض وتدهور الحالة الصحية بدلا من الاستمرار في إنكار وجود المرض الذي ينتشر ويتوغل في جسده المنهك، وهذا هو تشخيصي للحالة التي يعانيها من شاركوا في 30 يونيو 2013 أو معظمهم.

المطبخ العسكري

ما زلت أؤمن أن من حق الناس أن تعترض وأن ترفض حكم أي رئيس أو سلطة في إطار سلمي وشرعي، فهذا حق دستوري لكل مواطن وقد عبرت عن ذلك عبر العديد من المقابلات التلفزيونية التي أجريتها في 30 يونيو؛ ولكنني كنت واضحا آنذاك ومحذرا وبقوة من أن تلك المظاهرات التي تبدو مدنية تخفي حقيقة المطبخ العسكري الذي يعد العدة للانقضاض على السلطة المدنية سلطة ومعارضة وللأسف قد حدث ما يبكي عليه الجميع دما الآن، فهل يجدي البكاء؟!

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه