وقائع اجتماع مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة!

في برلمان 2012، بعد ثورة يناير، قام نواب حزب الحرية والعدالة، ذراع جماعة الإخوان المسلمين، بالعمل على إسقاط الحكومة، ربما حسب اتفاق سابق مع المجلس العسكري الذي لم يجد حاجة في الوفاء به، وحدثت الأزمة المشهورة بين رئيس المجلس د. سعد الكتاتني وبين رئيس الحكومة د. كمال الجنزوري الذي قال (إن قرار حل البرلمان جاهز في الدرج) ثم عاد وأنكر كلامه، ما جعل د. الكتاتني يذكر القصة في الإعلام واستشهد على صدق روايته بالفريق سامي عنان رئيس الأركان الذي شهد الحوار، لكنه التزم الصمت ولم يشهد مع ولا ضد، وأصبح البرلمان في ورطة سياسية ومعضلة برلمانية.

إذ كيف يستمر عمله مع حكومة سحب الثقة منها؟ والمجلس العسكري حاكم البلاد متمسك بها! فتمت دعوة رؤساء الكتل البرلمانية لبحث الأزمة وإيجاد مخرج لها، وغاب عن الاجتماع النائب سيد مصطفى رئيس كتلة حزب “النور” وحضر نيابة عنه د. يونس مخيون ولم يكن رئيسا للحزب وقتها، ودار النقاش حتى جاء دور د. مخيون فقدم الترياق المضاد للدغة العسكر مقترحا أن يتصل الكتاتني بالمشير طنطاوي لعمل اجتماع مشترك لحل الأزمة، وكان الرأي مفاجأة للجميع ولاقى استحسان الكافة ولم تكن العلاقة بين حزب النور والدولة العميقة قد ظهرت للنور؛ وتم الاتفاق على وفد يمثل أكبر الكتل البرلمانية وهي “الحرية والعدالة” و”النور” و”الوفد” و”الوسط” و”المصريون الأحرار” و”البناء والتنمية”.

وانعقد الاجتماع في مقر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالعباسية وكان الاستقبال عسكريا بامتياز حيث يقف ضابط برتبة عقيد عند النزول من السيارة ثم يصعد درجات قليلة، ويؤدي التحية للعميد الذي يفتح باب المدخل، ويسلمنا للواء مشى بنا برهة في طرقة إلى مكتب الفريق سامي عنان، الذي كان ودودا ولم تظهر عليه التشنجات العسكرية التي بدت على مرؤوسيه ومن جملتهم اللواء عبد الفتاح السيسي وقتئذ!  

حدث مع عصام سلطان 

وانتظرنا معه حتى يأتي المشير طنطاوي الذي دخل بعد فترة قصيرة، وأثناء السلام حدث اشتباك عنيف وحوار عاصف بين المشير والنائب عصام سلطان، حيث كان عصام من القلة الذين لم يأمنوا للعسكر وكان يطالب بخروجهم من العملية السياسية، وكانت الزيارة بعد أحداث عاصفة رأى طنطاوي أنها تنال منه شخصيا، وظهر على غير الصورة المألوفة له في الإعلام يرغي ويزبد بصوت مجلجل وينادي أعضاء المجلس بأسمائهم المجردة، بمن فيهم سامي عنان الذي تدخل لفض الاشتباك وانتحى بعصام ناحية بعدما رد بثبات وقوة أذهلت المدنيين والعسكريين!

ثم دعانا طنطاوي للانتقال إلى غرفة الاجتماعات وحاول هناك استرضاء عصام سلطان الذي بدا أكثر صلابة وثباتا؛ وكان من الملفت خلال الاجتماع أن النائب أحمد سعيد ممثل المصريين الأحرار هو أكثر المتماهين مع خطاب العسكر على خلاف ما كان يظهر تحت القبة وفي وسائل الإعلام!

وكانت أقوى الكلمات كلمة النائب محمد عبد العليم داود وكيل البرلمان وممثل حزب الوفد، وهو من الشخصيات الوطنية الراقية التي تعرفت عليها في مجلس الشعب، وكان جل مواقفه ينم عن فهم دقيق وحرص على المصلحة العامة،

وكان د. الكتاتني قد عرض المشكلة وطالب بالمساعدة في الخروج من هذا المأزق وكان الجواب حاضرا من خلال اللواء ممدوح شاهين رجل القانون في المجلس العسكري، بأن يتم تغيير وزاري محدود في بعض الوزارات غير المؤثرة فيكون بمثابة الامتثال لرغبة البرلمان ولا يؤثر على حكومة الجنزوري وقد كان.

عنان وعمر عبد الرحمن

لكني كنت أحمل ملفا من نوع خاص ورأيت في هذه الزيارة الفرصة المواتية لعرضه وتحريكه وهو ملف د. عمر عبد الرحمن رحمه الله وكان مسجونا في أمريكا منذ ما يقارب عشرين سنة في حبس انفرادي، وكنت أثرت قضيته في الإعلام والبرلمان وأخذنا بعض الخطوات مع وزير الخارجية الذي أرسل موفدا من السفارة لزيارة الشيخ في محبسه.. فتكلمت مع الفريق سامي عنان بعد الاجتماع لما رأيته من حفاوته بالوفد عامة وبشخصي بصفة خاصة، ووعدني بمتابعة الموضوع

وخرجت من هذا اللقاء بانطباع جيد عن الضبط والربط والالتزام العسكري وتبجيل القيادة ومراعاة فرق الرتب العسكرية، وما كنت أحسب أن يأتي اليوم الذي أرى فيه اللواء عبد الفتاح السيسي وقد اعتقل رئيسه المباشر قائد أركان القوات المسلحة، بل ويلمح أنه خطر على مصلحة الجيش والشعب وينسبه إلى الفساد، وكأنه لم يكن يوما من خير أجناد الأرض! أم أنهم ينزعون الخيرية مع البزة العسكرية؟ هل فوجئ مدير المخابرات الحربية السابق بفساد قائده؟ ولم سكت عن فساده طوال فترة حكمه في السنوات الماضية؟ ولماذا خرجت الاتهامات على السطح مع إعلان ترشحه للرئاسة؟ ولكن تلك شنشنة نعرفها من أخزم، بل وتكاد تكون عادة متأصلة في عساكر مصر حيث، بدأها عبد الناصر مع الرئيس محمد نجيب، ثم حكم السادات بالسجن على الفريق سعد الشاذلي قائد معركة النصر، ونفذ الحكم فيه حسني مبارك أثناء ولايته وكان مرؤوسا له كما في حالة السيسي وعنان.

من كان يظن أننا بعد أربع سنوات من حكم السيسي نصل إلى مرحلة:

الحرية لسامي عنان.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه