واشنطن في سوريا من أجل مكاسب تافهة!

 

أصل المشكلة في سوريا هي أن الذين بأيديهم فعلاً تقرير مصيرها عبر مواقعهم؛ لا أحد منهم يعي أن هناك أناسًا وبشرًا موجودون. وهؤلاء عبر مواقعهم كلّ منهم يقرّر مصير سوريا حسب الصدفة، وباستثناء تركيا تراهم يهرعون لإنقاذ بضاعتهم من سفينة غارقة، وهم عبر ذلك يتسببون بتأخير حل المشكلة وتفاقمها، ومن جانب آخر يجسّدون أحط المواقف وأدناها باسم الإنسانية.

إنهم يأتون لإنقاذ سوريا من التهديد الإرهابي فيقتلون مئات المدنيين مقابل القضاء على كل إرهابيّ. لذلك حتى الكفاح ضد الإرهاب لا يصب في منفعة الشعب السوري. لأنه في ظلّ أولئك “الإرهابيين” لا يرى هذا القتل والدمار، بقدر ما يرى من الفتك والظلم من الذين جاؤوا لإنقاذه بزعم دحر الإرهاب. وهنا تبرز حكمة مأثورة طالما تتكرّر: لم يتضرّر من أحد بقدر ما تضرّر ممّن جاء لإنقاذه.

حقيقة الدور الأمريكي والروسي والإيراني:

في الحقيقة إن الشعب السوري الذي كان ينتظر مخلّصا من ظلم نظام الأسد، رأى الظلم نفسه على أيدي إرهابيّين زعموا أيضًا إنقاذ الشعب، وإن الظلم الأكبر المطلق تجسد على يد أولئك الذين زعموا أيضًا إنقاذ الشعب من الإرهاب، وهم روسيا وإيران والولايات المتحدة.

لقد حاولنا إظهار لماذا ينشغل أولئك الذين جاؤوا لسوريا على أنهم منقذون. في المحصلة يبدو هناك صورة لمجموعة من النسور فوق جثث متآكلة أو مجروحة. كان أحد الأمثلة التي جسدت هذه الصورة هي الولايات المتحدة، فعلى الرغم من أنه لم يبق شيء في سوريا يستدعى الإنقاذ منه (داعش)، نراها الآن اخترعت ذريعة جديدة؛ ألا وهي إنقاذ النفط. مِمن ؟ هل من داعش؟ ألم تخبرونا أنه لم يبق خطر من داعش؟

حسنًا، هل سيتم إنقاذ النفط لأجل الشعب السوري إذن، أم برسم مصادرته من قبل الولايات المتحدة؟ لو كان الأمر كذلك؛ إذن هذه عملية نهب. من أي جانب نظرنا للقضية، ما هذا الطمع بقليل من النفط الذي لا يكفي الشعب السوري، الذي يعاني أصلًا من الجوع والبؤس. هل يستدعي الأمر هذه الفورة لسرقة نفط سوريا المحروقة أصلًا، التي يعاني شعبها من الجوع والبؤس وسوء الحال؟ ألا يهتم الشعب الأمريكي أصلًا بهذا الوضع المنحط الذي وصلت له الولايات المتحدة؟

في الحقيقة، سيكون مجانبًا للصواب لو قلنا إن الشعب الأمريكي لا يعبأ بما يحصل. في الواقع، بمجرّد إعلان ترمب عن ذلك (إنقاذ النفط) تعرّض لنقد طائل. لقد حذّر جيمس ج. ستيوارت، أستاذ القانون المساعد في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا البريطانية، والكاتب لدراسة في واشنطن بوست جاءت تحت اسم “جرائم الحرب المؤسسية: التحقيق في نهب الموارد الطبيعية”؛ حذّر من أن تصريح اعتراف وهو بمثابة اعتراف صريح بارتكاب جرائم حرب في سوريا.

يؤكد ستيوارت على القاعدة المعروفة في القانون الدولي المتمثلة في أنّ نهب موارد أي بلد، وكذا الحرب التي تهدف إلى انهيار موارده هي جريمة حرب مباشرة، وبالتالي فإنّ اعتراف ترمب بتصريحه حول “الحفاظ على النفط السوري” بمثابة دليل على الجريمة، في ظل ديمومة الحشد العسكري بسوريا.

الطمع في أشياء تافهة:

على الرغم من أن تصريحات ترمب يتم ارجاعها إلى شخصية ترمب إلا أنه في الواقع شخصية تمكنت من نسف النوايا الحقيقية للولايات المتحدة بشكل مباشر. في نهاية المطاف، يمكن التساؤل عمّا حققته الولايات من الفائدة سواء بأسلوب ترمب ذاته، أم بأسباب أتقنتها تبدو أكثر مشروعية.

بسيط للغاية، أن ينبثق “إنقاذ النفط” كهدف وراء العلميات التي بدأت بسوريا تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، لم يعد من المفاجئ أن يتم الكشف عمّا هو واضح.

لكن مع ذلك يبقى الإنسان حائرًا، أمام دولة تمتلك قوة عملاقة كالولايات المتحدة، تطمع في أشياء تافهة عبر عمليات ضخمة. كأن تقوم شركة باستهلاك إمكانيات بلد بأكمله من أجل الحصول على مكاسب تافهة. ألم يكن هناك من سبيل لإرضاء تلك الشركات دون الخوض في علميات كبيرة كهذه، حتى لا تضطر البلدان لخوض هكذا مغامرات غير واضحة النتائج. تمامًا كما تقوم دولة عظمى كالولايات المتحدة اليوم بممارسة سياساتها في الشرق الأوسط من أجل خدمة إسرائيل فحسب.

هناك مشكلة قائمة في الولايات المتحدة سواء مع ترمب أو غيره، تكمن في أنّ السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط مرهونة بالسلام والنفط واللوبيات الصهيونية هناك، وإن هذه الأشياء مجتمعة تقوض هيمنة الولايات المتحدة في المنطقة، وحتى على مستوى العالم كله.

انقاذ سوريا من منقذيها:

إن اقتصاديات للبلدان الناشئة التي لم تبلغ قرنًا من الزمن بعد، باتت تتفوق على اقتصاد الولايات المتحدة بشكل متسارع لتجعله خلف ظهرها. إن انشغال الولايات المتحدة بحسابات صغيرة مثل هذه، بينما ترى منافسيها يمرون من أمامها بسرعة فائقة، يحمل مؤشرات خطيرة على مستقبل الولايات المتحدة كدولة.

إن لم تسلك الولايات المتحدة سياسات أكثر عقلانية خلال هذه المرحلة، وتتبنّى سياسة مغايرة؛ فإنها في المستقبل القريب ستكون محكومة بالتخلف عن الركب السياسي كي تكون في الخلف ضمن هذا السباق، كما هي الآن متخلفة عن الركب الاقتصادي.

وخلال ذلك، دعونا نفكر في طرق يمكن من خلالها تخليص سوريا من منقذيها.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه