هل يُعرضّ ترمب وساطته للفشل السريع؟

كتبت هذا المقال ثلاث مرات، ما أصعب أن تكتب عن أزمة طبيعتها المفاجآت في بدئها، ثم فيما يبدو من خواتيمها.

كتبته في المرة الأولى عقب انتهاء المؤتمر الصحفي للرئيس الأمريكي ترمب وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد في البيت الأبيض الخميس 7 سبتمبر الجاري، وكان يغلب على المقال التفاؤل الذي انتقل إلىّ من تفاؤل الوسيط الكويتي الشيخ صباح بأن حل الأزمة الخليجية بات قريبا جدا إن شاء الله.

وفي صباح اليوم التالي الجمعة صدر بيان عن دول المقاطعة الأربع بدا من مضمونه وصياغته أنه يبدد التفاؤل الذي لم يصمد سوى ساعات قليلة بعد حديث الشيخ صباح، ثم صار التفاؤل إحباطا بعد تغريدات من مسؤول إماراتي اعتاد إطلاق المواقف عبر تويتر.

  وكتبت المقال للمرة الثانية مساء الجمعة وكان عنوانه دالا على الحيرة: “هل حل الأزمة يقترب أم يبتعد؟”، وقبل منتصف هذه الليلة وجدت تقريرا بثته وكالة الأنباء الفرنسية تذكر فيه من قراءة تطورات أحداث يوم الجمعة أنه لا تقدم في حل الأزمة، حدث اتفاق غير مرتب بين رؤيتينا.

وفي الواحدة من صباح السبت 9 سبتمبر تبث قناة الجزيرة خبرا عاجلا في سياق المفاجآت نقلا عن وكالة الأنباء القطرية عن اتصال جرى بين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وبين ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، ويتضمن إجراءات تصب عمليا في اتجاه حل الأزمة، وبسبب هذا الاتصال تجدد التفاؤل الذي سبق وبشر به أمير الكويت قبل أربع وعشرين ساعة فقط من هذا الاتصال، ومناخ التفاؤل يأبى أن ينقلب إلى إحباط مجددا رغم مسارعة الرياض بإصدار بيان يغلب عليه التوتر ينتقد طبيعة الخبر الذي بثته وكالة الأنباء القطرية حول الاتصال الهاتفي، وبدا التوتر أكثر وضوحا بإعلانها تعطيل الحوار أو أي تواصل مع الدوحة حتى تصدر بيانا يوضح حقيقة موقفها.

على الرياض أن تنظر بعين سياسية أكثر عمقا، فالأصل هو التوجه نحو إزالة الخلافات بشكل جذري وبشفافية، وبدء عهد جديد من التعامل السياسي والدبلوماسي الصريح، وهذا كله سيتحقق على الطاولة مع الخبراء ثم الوزراء ثم القادة في سياق مراحل الحل والتقارب وصولا إلى التصالح.

مبدأ الحوار

وعلى العموم، فقد أكدت الصحف الأمريكية الكبرى ما ورد في خبر الوكالة القطرية من أن الرئيس الأمريكي ترمب هو من رتب ونسق الاتصال، وهذا الأمر كان معروفا، وكان منطقيا، إذ لم يكن معقولا أن يجري الاتصال الأول من نوعه منذ بدء الأزمة 5 يونيو الماضي دون أن يكون هناك وسيط كبير له تقدير عند الطرفين وبقية أطراف الأزمة.

وبغض النظر عن هذا التوقف السريع جدا لتحرك كان في بدايته نحو الحل أتصور أن مبدأ الحوار والنقاش والتفاهم واستماع كل طرف للآخر والاتفاق على خطوة عملية لحلحلة الأزمة والتي تمثلت في الاتفاق على مقترح تكليف مبعوثين لبحث الخلافات قد فرض نفسه كآلية وحيدة للخروج من الآزمة.

كتبت في بدايات الأزمة اقترح عقد اجتماع لوزراء الخارجية يعقبه اجتماعات لخبراء ومتخصصين يبحثون جميع المطالب، ويناقشون كل الهواجس، ويفتحون مختلف الملفات، ويطرحون كل الأسئلة الشائكة بصراحة وشفافية ومصداقية لحل الأزمة من جذورها، وفتح صفحة جديدة بيضاء يكون ما هو مكتوب فيها هو نفسه الموجود في العقول والقلوب، وحوار الخبراء المقترح هو بداية لدراسة كل أوجه الخلاف، ثم بعدها تكون الاجتماعات الرسمية لتتويج الحلول، وهذا سيحدث عاجلا أم آجلا، واتصور أن ترمب لا يريد لوساطته أن تفشل قبل أن تبدأ.

كنت طرحت السؤال التالي: متى تنتهي الأزمة وتضع أوزارها؟

وللإجابة على السؤال التقط العبارة التالية التي وردت على لسان ترمب من مؤتمره الصحفي مع أمير الكويت:” كل هذا بدأ بسبب أنه كان هناك تمويلهائل للإرهاب من دول معينة، وأريد أن يتوقف تمويل الإرهاب، وسنعمل على إيقافه، وإذا لم يتوقف فأنا لا أريدهم أن يجتمعوا معا، لكني اعتقد أنهم سيعملون على ذلك”.

العقدة

كلام واضح، العقدة والحل في أيدي ترمب، هو الذي يمنح الضوء الأخضر بالاجتماع، أو العكس، ويتأكد فعلا أن الموضوع كله في قبضته، فهو الذي نسق الاتصال القطري السعودي، رغم أن هذا الأمر لا يخدم دول المقاطعة سياسيا وشعبيا، سيُترجم بأنهم ليسوا أصحاب القرار الأخير في الأزمة، إنما ينتظرون تعليمات من البيت الأبيض، كما يُظهر أن منشأ الأزمة ليس عائدا كله إليهم، بل هناك دور خارجي، وإلا لماذا تفجرت مع بدء عهد ترمب، ولم تكن مع أوباما؟، رغم أن البيانات والتصريحات تذكر أن مسوغات الأزمة قديمة، ليست وليدة أداء ترمب القسم الرئاسي في 20 يناير الماضي.

مالم يتم استثمار بادرة الحل التي لاحت في الأفق حاليا فإن الأزمة التي دخلت شهرها الرابع ستصبح واقعا ويجري الاعتياد عليها، التعايش مع الأزمة يعمقها ويجعل الحل الممكن اليوم صعبا غدا، ويجعل المرونة في التجاوب قد تنقلب إلى تشدد، والعرب لا تنقصهم أزمات، وكانت دعوة أمير الكويت لتناسي الخلافات مهمة، فهناك أزمات عربية خطيرة في سوريا والعراق وليبيا، ونضيف على كلامه الأزمات في اليمن ولبنان والصومال والقضية الفلسطينية المنشغل عنها الجميع لينفرد بها نتنياهو.

منطقة الخليج بالكيان التنظيمي الذي يجمعها وهو “مجلس التعاون” – الذي ظل فاعلا ومضرب المثل بينما ماتت كيانات جماعية عربية أخرى – كانت حتى يونيو الماضي نموذجا للاستقرار والتفاهم والهدوء في محيط عربي يموج بالصراعات والأزمات والحروب، هذه المنطقة بحاجة لاستعادة وحدتها وسلامها الداخلي، والذي لن يعود بالطبع كما كان قبل الأزمة، لكن الزمن كفيل بترميم ما تصدع، وتصفية ما ساهم في تعكير النفوس.

على الطاولة

عنوان الحل عند الوسيط الكويتي هو الحوار، والرئيس الأمريكي بدأ يميل أخيرا إلى ضرورة الحوار الدبلوماسي والجلوس على الطاولة لضمان وحدة واستقرار دول الخليج، كما يطرح نفسه وسيطا للمساعدة في الحل، وهذا تطور لافت بدأت تظهر مفاعليه من خلال اتصال أمير قطر وولي عهد السعودية، كان ترمب قبل ذلك لا يخرج في تصريحاته وتغريداته عن المطالبة بإيقاف دعم وتمويل الإرهاب، ولا يأتي على ذكر الحل عبر الحوار، وهو لم يعد يذكر اسم قطر في حديثه عن تمويل الإرهاب، بات يقول دولا تدعم الإرهاب، وهذه مؤشرات جيدة، لكنها تظل مرهونة بمدى استعداده للسير نحو الحل السريع، وإيقاف أي عرقلة للتفاوض المتوقع.

أحد أسباب التغير الملموس في توجه ولهجة ترمب هو موقف وزارتي الخارجية والدفاع في بلاده المتوازن تجاه الأزمة، فهو يقترب منهما لتتحدث الإدارة لغة واحدة مشتركة وليس لغتين، وبذلك يزول التضارب والتناقض، وأحد عوامل هذا التغير أن قطر بتوقيعها على اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب مع أمريكا خلال زيارة وزير خارجيتها تيلرسون للدوحة تجيب بشكل عملي على كل الأسئلة، وتبدد كل الهواجس، وهو أمر يُحسب لها، وهو التزام بمخرجات قمة الرياض التي طلب ترمب من جميع الدول الالتزام بها أيضا.

نقطة أخيرة أثارت جدلا في حديث أمير الكويت تتعلق بأن وساطته منعت تدخلا عسكريا في قطر، وقد خرجت دول المقاطعة لتؤكد سريعا أنه لم ولن يكون هناك تدخل عسكري في قطر، وعلى أي حال فهذا جيد ومطمئن، وجود أزمة دبلوماسية ومهما كانت تعقيداتها فإنها تبقى أخف في أضرارها بمراحل عن مغامرة العمل العسكري، فهذه نكبة كبرى، وغزو العراق للكويت عام 1990 جريمة لا تُنسى، وتداعياتها كارثية.

لا شيء غير قابل للنقاش، أعتى الأزمات وأكثرها استعصاء في التاريخ الإنساني تم حلها عبر الحوار البناء الذي يدخله الأطراف بنوايا صادقة للتوصل لنتائج مرضية.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه