هل يمكن إسقاط السيسي بالانتخابات؟!

وحتما ستصطدم هذه القوى مجددا بالحقيقة المرة، وهي أنها أمام سلطة انقلاب غاشم لا يؤمن بالديمقراطية، أو التداول السلمي للسلطة.

الحراك السياسي دليل صحة وتعافٍ لأي مجتمع، وقد شهدت مصر أعلى مظاهر الحراك السياسي عقب اندلاع ثورة 25 يناير 2011 وحتى تاريخ الانقلاب عليها في 3 يوليو/تموز 2013، تحول المجتمع المصري كله إلى مجتمع سياسي، كان الكل يتنفس سياسة، بلغ الإعلام أعلى أسقف النقد السياسي، انتعشت الحياة الحزبية، وشهدت ولادة عشرات الأحزاب الجديدة، بل انتخب الشعب رئيسا مدنيا لأول مرة منذ ستين عاما، لم يكن هناك أي مانع من إنشاء حزب أو جمعية أو نقابة، أو إصدار صحيفة، أو تأسيس قناة. أتذكر أنني حين كنت مسئولا في المجلس الأعلى للصحافة مزقت أوراقا قدمها لي رئيس الشئون القانونية للمجلس خاصة باستصدار رخصة صحيفة جديدة وضمن المستندات خطاب رسمي موجه للأمن الوطني، قلت له -وهو لواء رأس محكمة عسكرية سابقا- “نحن الآن في عهد جديد بعد ثورة عظيمة، كان مثل هذا الإجراء من أسباب قيامها، ومن يومها لم تصبح هذه الورقة ضمن استحقاقات ترخيص الصحف حتى وقوع الانقلاب.

ابتلاع الألسنة

قضى انقلاب الثالث من يوليو على أي حراك سياسي، بل اعتبره تآمرا على الوطن وأمنه القومي، وعاقب فاعله بالحبس وحتى بالقتل، ولم يستثن من ذلك حتى أولئك الذين ناصروه، وبرروا له جريمته الكبرى بالانقلاب وجرائمه التالية، لمجرد أنهم توهموا أن هذا القمع كان يستهدف خصومهم السياسيين من الإخوان وأنصارهم، وأنه سيفسح الطريق أمامهم ويخلي الملعب لهم، ولكن هيهات هيهات.

ابتلع الذين ملأوا الدنيا ضجيجا من قبل ألسنتهم، وقبلوا أن يعيشوا ويتعايشوا مع هذه السلطة التي خلصتهم من خصومهم الأيديولوجيين، ولكنهم طلبوا قليلا من الحرية لأغراض التنفس الذي لا تسقيم الحياة بدونه، ولكن حتى هذا القدر كان مرفوضا، وصاحب ذلك فشلا متواصلا للنظام في كل أوجه الإدارة السياسية والاقتصادية والأمنية والخدمية.

ضج الشعب بالشكوى، وأفاق الكثيرون ممن وقعوا تحت سكرة الخلاص من الإخوان، ليكتشفوا أنه خلاص من الجميع وليس الإخوان فقط، وبدأ البحث عن مخرج من تلك الورطة، وإنقاذ البلد من هذا الكابوس.

قبل بضع أشهر من نهاية فترة الاغتصاب الأولى للحكم، والاستعداد لفترة أخرى تشهد القاهرة بوادر حراك سياسي، لكنه تحت سقف النظام أي عبر المشاركة في هزلية الانتخابات التي ينظمها لشرعنة حكمه، دون وجود أو التعهد بأي ضمانات حقيقية لنزاهتها.

اتجاهان

مع قرب هذا الحدث يبدو هناك اتجاهان للتعامل مع النظام، الاتجاه الأول يمثله أنصار الشرعية وغيرهم من رافضي الانقلاب في الداخل والخارج، والذين اعتمدوا فكرة مناهضة هذا الحكم ومقاومته بكل السبل السلمية الممكنة حتى إسقاطه ومن ثم استرداد المسار الديمقراطي الذي أرسته ثورة 25 يناير، والاتجاه الثاني تمثله بعض القوى والأحزاب الليبرالية واليسارية التي كانت جزءا من حشود 30 يونيو، ولكنها في الوقت نفسه ترتبط بنسب لثورة 25 يناير، وأصبحت تدرك أن هذه الثورة جرى الانقلاب عليها، سواء عبروا عن هذا الإدراك صراحة أو ضمنا، وهذه القوى لا ترى سبيلا أمامها سوى التحرك من داخل النظام وبما تسمح به نظمه وقواعده، ومن هنا فقد بدأت مساعيها للاستعداد لمنافسة السيسي في  2018 بمرشح توافقي، أو بفريق رئاسي. وقد شهدت القاهرة خلال الأيام الماضية عدة لقاءات للوصول إلى جبهة موحدة وتفاهمات بين هذه القوى على برنامج سياسي وعلى مرشح توافقي، وتسببت تلك التحركات في حالة فزع للأذرع الإعلامية للنظام التي تسابقت في نشر ما زعمت أنه أسرار تلك اللقاءات، وأبرز حضورها، وهو ما دعا العديد من الشخصيات للتنصل من المشاركة في هذه الاجتماعات، أو تلك الجبهة ومنهم عمرو موسى وزير الخارجية الأسبق ومحمد أبو الغار رئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي السابق، وخالد علي المرشح الرئاسي السابق والناشط شادي الغزالي، وآخرين ، وهو موقف يكشف عن هشاشة هذه الشخصيات وضعفها في مواجهة الآلة القمعية للنظام، كما عكست هذه الانسحابات السريعة اختلافات حول مشاركة بعض الشخصيات أو القوى، وخاصة من المحسوبين على التيار الإسلامي، أو الموالين للفريق أحمد شفيق.

أسماء براقة

من حسنات ثورة 25 يناير أنها قدمت للمجتمع خيارات عدة كمرشحين محتملين للرئاسة كما حدث في انتخابات 2012 التي ضمت أكثر من عشرة مرشحين، ولا يزال المجتمع السياسي المصري يزخر بالعديد من الأسماء البراقة، وقد تداولت اجتماعات القاهرة العديد من الأسماء المحتملة مثل أحمد شفيق، وسامي عنان، وهشام جنينة، والمستشار يحيي الدكروري، وخالد علي، وعبد المنعم أبو الفتوح، ومعصوم مرزوق، وعمر وموسى، ولكن الخلافات بين الفرقاء السياسيين تحول دون الاتفاق على أي اسم منها، فهناك من يروج للفريق أحمد شفيق باعتباره صاحب الفرص الأكبر للفوز بحسبانه مرشحا سابقا حصد 12 مليون صوت، ولا يحتاج إلى تسويق إعلامي، وهناك من يسوق للمستشار هشام جنينة أو المستشار الدكروري والذي لا يزال على منصته القضائية، ويتمسك اليسار بترشيح خالد علي، وبينما تحتدم الخلافات حول اسم المرشح التوافقي لم تبذل هذه القوى الجهد المطلوب لتوفير ضمانات نزاهة حقيقية للانتخابات، بل إنها لا تستطيع من الآن عقد اجتماعات علنية لمناقشة الموقف فكيف بها أن تحصل على ضمانات حقيقية؟! وكيف لنظام يدرك تلاشي شعبيته أن يسمح بضمانات نزاهة حقيقية تبعده عن الحكم وتقربه من حبل المشنقة؟

إشارات غربية

المعارضة الداخلية للنظام التقطت إشارات متعددة من المجتمع الدولي تفيد برغبته في حدوث تغيير سياسي سلمي في مصر، وسعت لاستثمار هذه الإشارات، والتي منها القرار الأمريكي بقطع جزء كبيرة من المعونات المالية على خلاف ما كان متوقعا من دعم لا محدود من إدارة ترمب الذي أعلن عن كيمياء خاصة تربطه بالمشير السيسي، وكان من الإشارات أيضا صدور عدة تقارير دولية مؤلمة ضد النظام منها تقرير منظمة هيومان رايتس  ووتش، ومنظمة مراسلون بلا حدود عن هيمنة أجهزة المخابرات على الإعلام المصري، وتقرير لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة عن التعذيب الممنهج الذي يشارك فيه ضباط من الجيش والشرطة في مصر، وأخيرا اختفاء أسماء كبار المناهضين للانقلاب من النشرة الحمراء لمنظمة الانتربول الدولية، وإن كنت شخصيا اعتقد أن هذه الإشارات الدولية تستهدف على الأرجح الضغط على النظام نفسه لإدخال بعض الإصلاحات الجزئية التي تبقيه على قيد الحياة، وتجنبه انفجارا شعبيا لا يستطيع أحد التكهن بمآلاته,

لكن هذه الإشارات الدولية يمكن أن تذهب لما هو أكثر من ذلك حال وجود قوة فاعلة، متوافقة على برنامج عمل مشترك على الأرض، ولا ننس في هذا الإطار أن واحدا من هذه الإشارات وهو القرار الأمريكي بقطع جزء من المساعدات أوقف تحركات متسارعة لتعديل الدستور لتمديد فترة السيسي في كرسي الحكم، وهو الأمر الذي لم يكن بوسع المعارضة الحالية أن توقفه بمفردها.

التركيز في الضمانات

تستطيع المعارضة الليبرالية أن تحقق كسبا سياسيا لو ركزت معركتها أولا في الحصول على ضمانات حقيقية لنزاهة الانتخابات، ورغم أن الأمر صعب كما ذكرنا لأنه سيعد بمثابة انتحار للنظام، إلا أنه سيكون اختبارا لمدى جدية تلك الإشارات الدولية في دعم التغيير السياسي في مصر.

 رغم أن كل الدلائل تؤكد استحالة حدوث منافسة انتخابية حقيقية، واستحالة توفير ضمانات لنزاهة أي عملة انتخابية في ظل هذه السلطة التي تدرك أنها وصلت إلى قصر الاتحادية عبر الدبابة وليس عبر الصندوق الانتخابي، إلا أن بعض القوى السياسية لا تزال مقتنعة بإمكانية التغيير عبر هذه الانتخابات، وحتما ستصطدم هذه القوى مجددا بالحقيقة المرة، وهي أنها أمام سلطة انقلاب غاشم لا يؤمن بالديمقراطية، أو التداول السلمي للسلطة، وستفيق أعداد جديدة على هول صدمة الملاحقات والمضايقات التي ستنال كل من سيشارك في هذه المسرحية، والتي بدأت مبكرا، وحين يحدث ذلك فلن يكون أمام هذه القوى وخاصة الجادة والصادقة منها إلا الانحياز للمسار الثوري والمقاومة الشاملة لهذا النظام، والتي جاءت التقارير الحقوقية الدولية الأخيرة كثمرة لجهودها.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه