هل يفلت العرب من مخططات التقسيم؟

منذ الثمانينات تتسرب الخرائط عن تصورات دوائر غربية وصهيونية عن هذه المخططات أبرزها الخرائط المنسوبة إلى المستشرق اليهودي برنارد لويس التي أعدها بتكليف من البنتاغون.

عامر عبد المنعم*

ما يشهده العالم العربي في السنوات الأخيرة من صراعات وحروب يرتبط بمخططات التقسيم التي وضعتها الدوائر الصهيونية والغربية، فهناك “سايكس بيكو” جديدة، لتفتيت الدول العربية والإسلامية الكبيرة إلى دويلات صغيرة وضعيفة، تستنزف نفسها في صراعات داخلية وحدودية لتبديد قوتها.

منذ الثمانينات تتسرب الخرائط عن تصورات دوائر غربية وصهيونية عن هذه المخططات أبرزها الخرائط المنسوبة إلى المستشرق اليهودي برنارد لويس التي أعدها بتكليف من البنتاغون، وتكشف عن هذه الرؤية التي تتعامل مع منطقتنا وكأنها كعكة يقسمونها كما يريدون أو ذبيحة مستكينة مستسلمة يعملون فيها السكين.

آخر ما تم نشره عن مخططات التقسيم ما كشفته الصحيفة الأمريكية نيويورك تايمز في سبتمبر 2013 عن خطط تقسيم الشرق الأوسط، ونشرت خريطة لـ 5 دول عربية ستقسم إلى 14 دولة، وهي السعودية والعراق وسوريا واليمن وليبيا وأخفت الخريطة مصر والسودان ودول المغرب العربي!.

من أبرز الذين كتبوا عن هذه المخططات مبكرا العلامة المصري الراحل الدكتور حامد ربيع أستاذ النظرية السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، في سلسلة مقالات بمجلة الأهرام الاقتصادي عام 1983 تعد هي أهم المراجع التي شرحت بالتفصيل محاور إستراتيجية تفتيت الدول العربية.

 نشر الدكتور حامد ربيع معلومات مهمة عن هذه الخطط التي طرحها الإسرائيليون على المتنفذين في مراكز اتخاذ القرار الأمريكية حتى أقنعوهم بوضعها قيد الدراسة ثم تبنيها والعمل على تنفيذها منذ ذلك الوقت والتي بدأت تظهر نتائجها في السنوات الأخيرة.

بعد حرب أكتوبر طرح الإسرائيليون فكرة تقسيم الدول العربية والإسلامية الكبيرة بسبب المخاوف المستقبلية من الكثافة السكانية لهذه الدول التي تضعف التفوق العسكري الإسرائيلي مع الوقت، ويصاحب التقسيم إشغال العرب بحروب حدودية لمدة خمسين عاما لاستنزاف أنفسهم وتبديد قوتهم.

تعتمد مخططات التقسيم على الأقليات العرقية والطائفية لإعادة رسم خريطة المنطقة، وبشكل أساسي يلعب الأكراد والشيعة العرب دورا محوريا في التنفيذ، فالأكراد المنتشرون في 4 دول هي العراق وتركيا وسوريا وإيران يحلمون بالانفصال وإعادة تأسيس الدولة القومية الكردية، ومن جهتهم يندفع الشيعة العرب المرتبطون بإيران لحكم الدول السنية وطيها تحت الهيمنة الإيرانية.

إذا فهمنا مخططات التقسيم يسهل علينا تفسير ما يحدث وبالتالي يمكننا وضع الإستراتيجية المقابلة التي تحافظ على المنطقة وإفشال ما يخطط لها؛ فالمخطط الخاص بالجزء الشرقي للعالم العربي يهدف إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دول( جنوب شيعي، شمال كردي، وغرب سني)، وتقسيم سوريا إلى ثلاث دول (سنية في الشرق، علوية في الغرب ودرزية في الجنوب)، وتقسيم السعودية إلى خمس دول (شمالية، وهابية في الوسط، شرقية شيعية، الحجاز، وجنوبية غربية) ، وإعادة تقسيم اليمن إلى دولتين (شمال وجنوب).
وفي الجزء الغربي للعالم العربي يريدون تقسيم مصر إلى خمس دول (مسيحية في الصحراء الغربية عاصمتها الإسكندرية، نوبية في الجنوب، سيناء وشرق الدلتا تضم لإسرائيل، إسلامية في الدلتا وعلى الشريط الملاصق للنيل، والصحراء الشرقية لإسرائيل الكبرى فيما بعد)، وتعد السودان هي الدولة التي تم فيها التقسيم بنسبة 50% تقريبا حيث تم فصل الجنوب وتمرد دار فور، ودولة نوبية في الشمال تضم لجنوب مصر وما يتبقى هو دولة السودان، ويعمل المخطط على تقسيم ليبيا إلى ثلاث دول (برقة في الشرق، فزان في الجنوب وطرابلس بالغرب)، وتقسيم الجزائر إلى دولتين (شمال عربي وجنوب أمازيغي)، وبالنسبة للمغرب تعمل الدوائر الغربية على منع انضمام الصحراء للمغرب ودعم الانفصال، وتأييد الصحراويين ضد الحكم المغربي.

إيران أداة التقسيم
استفادت الدوائر الغربية والصهيونية من الأطماع الإيرانية في التوسع والتمدد وابتلاع بلاد العرب، واستغلت الأحلام الفارسية في استعادة إمبراطورية فارس القديمة في إثارة الفوضى بالمنطقة وتهيئة التربة للتقسيم، واستعانت الولايات المتحدة بإيران والشيعة العرب لفرض التقسيم بقوة السلاح، وكانت البداية في العراق.

ففي الوقت الذي كان الإيرانيون يطرحون مبادرات التقارب المذهبي بين السنة والشيعة لتطويع ولتخدير النخب في البلدان العربية، فوجئنا بتحالف إيران مع الولايات المتحدة في كل حروبها ضد السنة بالمنطقة عقب أحداث سبتمبر وحتى الآن؛ ظهر التحالف الإيراني الأمريكي والتنسيق العسكري المشترك في غزو أفغانستان ثم اجتياح العراق وركوب الشيعة الطائفيين على الدبابات الأمريكية، ورأينا هذا التنسيق في التفاهمات بشأن سوريا و تأمين الحدود مع “إسرائيل “وأخيرا المساعدة الأمريكية والأمم المتحدة لميلشيات الحوثي في اليمن حتى ما قبل الهجوم الميليشياوي الطائفي على عدن.

كشفت المشاركة الإيرانية في حروب أمريكا بالمنطقة أننا أمام تحالف بين الغرب وإيران ضد السنة، وأوضحت مجريات الأحداث خلال العقد الماضي أننا أمام مشروع إيراني طائفي يتحرك في ظل الحماية العسكرية الأمريكية لابتلاع الدول العربية واحدة تلو الأخرى.

لقد احتلت إيران العراق وشاركت مع الشيعة العراقيين في تقديم أسوأ تجربة للحكم الطائفي في العصر الحديث، حيث ارتكبوا فظائع ضد السنة تفوق ما ارتكبه الاحتلال الأمريكي، سواء في وجود قوات الاحتلال الأمريكي منذ عام 2003 أو حتى بعد الانسحاب عام 2011، وذاق السنة العراقيون العذاب ألوانا ولا يزالون حتى الآن.

وفي سوريا كانت ممارسات إيران وحزب الله لا تقل فظاعة عن تجربة العراق، فالحرس الثوري الإيراني يرسل فرقا عسكرية لدعم السفاح بشار الأسد ولقتال الشعب السوري ولإجهاض الثورة السورية، وقام حزب الله بتوجيه فوهات البنادق والصواريخ من “إسرائيل” إلى الشعب السوري، ليجد المسلمون أنفسهم أمام مشروع طائفي بغيض قادم من قعر التاريخ يبحث عن ثأر تاريخي مع العرب.

كان هذا التحرك الطائفي الإيراني وقطاعات من الشيعة العرب يحظى بالرعاية والتأييد من دوائر الغرب لأنه يصب في صالح إستراتيجية التقسيم الموضوعة، وتواصل هذا الدعم بشكل أوضح في اليمن عندما لعبت الأمم المتحدة من خلال مبعوثها جمال بن عمر الدور الأهم لدعم الانقلاب الحوثي وإعطاء مشروعية له والتستر عليه حتى آخر لحظة.

الاستراتيجية الغربية
لقد استخدمت الدوائر الغربية إيران وحلفاءها من الشيعة العرب للتفتيت والتقسيم، وليس لإعطاء المنطقة للشيعة وتوحيد المنطقة تحت راية إيران، وهنا حدث الخلاف الغربي مع إيران في اليمن عندما خرج الحوثيون عن الدور المحدد لهم وقرروا احتلال عدن والتمدد إلى الجنوب والوصول إلى بحر العرب، ولهذا لم تعترض أمريكا على التحرك العسكري السعودي الذي جاء في اللحظة الأخيرة قبل أن يتمكن الحوثي وإيران من السيطرة على كل اليمن.

ونفس المنطق الذي يجعل الأمريكيين يقفون ضد تمدد الحوثي وشيعة إيران إلى جنوب اليمن هو الذي يجعلهم يحاربون بسلاح الجو في العراق وسوريا لمنع قيام دولة واحدة على أنقاض العراق وسوريا، فالتحالف الذي أعلنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمواجهة “داعش” هو في الحقيقة لتنفيذ مخطط التقسيم ومنع أي خروج عليه، وليس مصادفة أن يأتي التحرك العسكري للتحالف عقب هجوم مقاتلي “الدولة الإسلامية” على دهوك وأربيل لمنع سقوط حكومة كردستان، فـجنود “الدولة الإسلامية” التي تريد أن تتوسع وتفرض سيطرتها على العراق وسوريا هي أكبر تهديد لمشروع التقسيم الذي تقوم على التفتيت وليس التوحيد.

في العراق وسوريا يعمل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على احتواء “الدولة الإسلامية” وتقليل رقعتها الجغرافية وعزلها في الصحراء وإضعافها ومنعها من التوسع خارج الحدود التي تم رسمها في إطار سايكس بيكو الثانية، وهذا الوجود العسكري الأمريكي وأسلحة الجو لقوات التحالف ليس وجودا مؤقتا وإنما لحراسة الحدود الجديدة التي وضعت على الخرائط منذ أكثر من 30 عاما ويتم تنفيذها على الأرض بالدم.
إن الإستراتيجية الأمريكية والدول الغربية المتحالفة معها تجاه منطقتنا مرسومة سلفا ويعملون على تنفيذها منذ أكثر من ثلاثة عقود، وأنجزوا منها الكثير، وكادوا ينجزون ما أرادوا لكن حدث ما لم يكن يتوقعوه، فالدول الغربية لم تعد قادرة على القتال على الأرض وتفرض ما تريد، ويصعب التنفيذ حسب المرسوم مع تنامي حالة التمرد بالمنطقة التي فاقت كل التوقعات، فمشروع التقسيم في العراق وسوريا حسب التصور الغربي يواجه بمقاومة شرسة.

ولكن التطور الأخطر هو التحرك العربي الرسمي الذي قلب السحر على الساحر، وغير كل الحسابات، حيث تم تشكيل أول تحالف عربي سني ضد المشروع الإيراني، فالسياسة الجديدة للمملكة العربية السعودية مع تولي الملك سلمان صححت الكثير من السياسات السعودية التي كادت أن تنقل المعركة إلى داخل حدودها.

لقد تحركت السعودية لإنقاذ اليمن ولإنقاذ نفسها من التغول الإيراني قبل صفارة النهاية وقبل سقوط عدن، لأن سيطرة الحوثي على شمال وجنوب اليمن يعني أن المعركة التالية ستكون داخل السعودية للسيطرة على مكة والمدينة، والتحرك العسكري السعودي تحركا دفاعيا وليس هجوميا لمنع إيران من السيطرة على كل الجزيرة العربية.

وتأتي أهمية عاصفة الحزم أنها أول جهد عربي مشترك  ضد المشروع الإيراني، قبل أن تتمكن إيران من حكم اليمن، ووضع الجزيرة العربية بين فكي كماشة، فالتحالف الذي تقوده السعودية بداية التحرك الصحيح لقطع الطريق على إيران، ومنعها من استغلال الأقليات الشيعية من إثارة الفوضى، فهي رأس الحربة في مشروع التقسيم والتصدي للمشروع الإيراني يفسد كل الخطط الغربية القائمة على الطائفية ويجردها من أدواتها.
السؤال الذي يحتاج إلى إجابة: هل حقا تعي حكوماتنا العربية حقيقة ما يجري؟ وهل تستعد له بإستراتيجية مواجهة لإفشال مخططات التقسيم أم أن التحرك مجرد رد فعل سرعان ما يلتف عليه أصحاب مشروعات التقسيم؟

_______________

*كاتب صحفي مصري

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه