هل يساهم الكفر بالقيادات لعودة الثورة؟!

فالواقع سيئ إلى أبعد الحدود، والناس تغلى في البيوت والشوارع من الغلاء وسوء الأوضاع كغلي المراجل المشتعلة؛ تنتظر لحظة الخلاص

في ظل توالي أحكام الإعدامات وتنفيذها على زهرة شباب هذه الأمة؛ وترديد العبارات المعروفة مسبقا مثل جملة “بيننا وبينكم الجنازات” من جانب تيار دعم الشرعية، والتي لا ولن تمنع وقوع مثل تلك الأحكام، أو تقف حائلا دون القبض على أي معارض للنظام حتى لو كان من أقطاب معسكر 30 يونيو ..
 ظهر جليا أن هناك جيلا من الشباب كفر بالمعارضة الحالية التي تتزعمها جبهة دعم الشرعية، وكفر بالمعطيات والنتائج التي آلت إليها كل الأمور، بل وصل الأمر بالبعض منهم أن يكفر صراحة بالوطن، وأضحى لا يهمه سوى خروج أصحابه وباقي المعتقلين من سجون النظام المصري، بعد أن اكتشف أنه خلال الخمس سنوات الأخيرة لم تقدم تلك القيادات التي تتولى رأس المعارضة ضد السيسي ونظامه أي جديد ..
كما أنها لم تخطْ فيما قامت به من إجراءات خطوة واحدة تمنعه من تحقيق ما يريد، بينما يتعاظم دعمه الخارجي يوما بعد يوم، سواء الإقليمي منه أو الدولي، كما ظلت هذه القيادات تتصارع فيما بينها.. أيها يقود ويسيطر على المعارضين؟ دون أي إنجازات تذكر على الأرض! 
 كل هذا ونار الاتهامات المتبادلة تذكو بينهم والمعارك التي لا طائل من ورائها تشتعل كل يوم

مقصلة الإعدام

لم يكن تنفيذ أحكام الإعدام بحق 15 شابا منذ مطلع فبراير/شباط الجاري من قبل السلطات المصرية الأول من نوعه، فمنذ الانقلاب في 30 يونيو 2013 ، صدر 2532 حكما قضائيا بالإعدام في قضايا جنائية وسياسية متعددة، وتم تنفيذ أحكام بالإعدام بحق أكثر من 170 شخصا على الأقل ..
ففي مايو 2015 تم تنفيذ أحكام الإعدام بحق 6 أشخاص بقضية “عرب شركس”، وفي ديسمبر 2016 تم إعدام عادل حبارة في قضية “مذبحة رفح الثانية”، وفي يناير 2017 أُعدم 4 من رافضي الانقلاب في قضية “تفجير استاد كفر الشيخ”، وفي ديسمبر 2017 تم إعدام 15 في قضية “الهجوم على كمين الصفا” بالإسماعيلية، وفي فبراير 2019 تم إعدام 3 من رافضي الانقلاب في قضية “نجل المستشار”، وإعدام 3 في قضية “أحداث كرداسة” رغم تبرئتهم بتقرير الطب الشرعي، وفي 20 فبراير تم إعدام 9 من رافضي الانقلاب في قضية “اغتيال النائب العام”، وجاءت إعدامات شهر فبراير لتمثل تصعيدا ينذر بالخطر الجسيم في عمليات الإعدام لهذا العام.

الشباب يكفر بالشعارات

وبعيدا عن عبارة “بيننا وبينكم الجنائز” التي رددها البعض عقب تنفيذ أحكام الإعدامات بحق الشباب، جاءت كلمات أحد الشباب أثناء وقفة للمعارضة أمام السفارة المصرية في تركيا صادمة ومؤثرة وشارحة للوضع على الأرض جيدا، إذ قال الشاب في أتون غضبه بحماس مخاطبا القيادات:”حلّوا مشاكلكم السياسية مع بعض وخرّجوا المعتقلين..إحنا كفرنا بيكم ..إحنا اتداس علينا هنا.. والسيسي داس علينا هناك” ..
 وقد تكون كلمات الشاب في لحظة غضب وحزن على إخوة له تم إعدامهم في ريعان الشباب بسبب تلك الأحداث التي لم تتقدم فيها المعارضة ولو شبرا واحدا للأمام، وما بين تصريحاتهم التي تدين وتشجب امتلأت سجون السيسي بالشباب والشيوخ والنساء ..
 ولكن هذه الكلمات عبرت بصدق عن الحقيقة، وعن حنق الكثير من الشباب على هذه القيادات التي قامت بعملية تبريد للقضية؛ مما جعل الحراك الثوري يتوقف، كما جعلت النظام يكسب عدة جولات على الأرض؛ حتى باتت القضية المحورية التي يتناقش فيها المصريون حاليا ليس شرعية عبد الفتاح السيسي أو شرعية الدكتور محمد مرسي، وإنما أضحى النقاش دائرا حول مدد حكم السيسي لمصر؟ّ!!، وهل سيترشح عام 2022 بعد التعديلات الدستورية المزمع الاستفتاء عليها عقب إقرارها من البرلمان ، أم أنه سيترك الحكم لغيره ؟

لقد قال الشاب في كلمته إن القيادات “ودتنا في 60 ألف داهية”، وإنهم لم يجدوا سوى الإهمال، وإن هذه القيادات لم تكن مهتمة إلا بمصالحها الخاصة فقط، كما أن الشعارات لم تعد تجدي نفعًا، وإنها مجرد مسكنات ومهدئات للشباب الغاضب، وقد حاولت بعض القيادات إيقافه والتشويش على ما يقوله بالهتاف والشعارات الحماسية؛ إلا أن الشاب أصر على كلامه وطالب الآخرين بتركه ليكمله.

الغرب والديمقراطية

لابد أن نعترف صراحة بأن السيسي حاليا رغم أن حكمه أوهى من بيت العنكبوت إلا أنه حصل على شرعية دولية وإقليمية، وأنه لم يعد يخشى أي معارضة طالما ظل يقدم فروض الولاء للحركة الصهيوأمريكية والغرب، وهم لن يقفوا ضده طالما ظلت أموره تحت السيطرة ..
فلا يهتم الغرب حقيقة للديمقراطية والعدالة والحريات في الدول القابعة في منطقتنا، فطالما ظل الديكتاتور -أيّ ديكتاتور- مطيعا لهم؛ قادرا على تنفيذ أجندتهم فهم يدعمونه بلا أدنى شك، لأن الحريات في بلادنا تقف في الحقيقة الجلية ضد مصالح الغرب ..
كما أن السيسي يكسب جولات جديدة في كل يوم بعد اعتراف المنظمات الدولية به وبنظامه لأنه يقدم نفسه “شرطيا للمنطقة”؛ يحارب الإرهاب نيابة عن دول أوربا، كما أنه يمنع الهجرات غير النظامية، محاولا جذب تلك الدول بخطابات الإرهاب وتجديد الخطاب الديني وتحريضهم على كل ما هو إسلامي كما حدث منه في مؤتمر ميونخ  التي لا تعبأ به سوى لمصلحتها وبيع الأسلحة عديمة الفائدة له بمليارات اليوروهات، وحماية الكيان الصهيوني كما قال هو بنفسه من قبل .

ودعونا نكن صرحاء مع أنفسنا لقد استطاع السيسي إحراز بعض الأهداف شئنا أم أبينا؛ كما قلب كثيرا من الحقائق عبر إعلامه “الببغائي” في الداخل المصري على الأقل، وفى الخارج بمساندة دول عديدة له من خلال تسويق نفسه ..
وأبرز تلك الأهداف التي احتفى وطنطن بها إعلامه رئاسته للاتحاد الأفريقي، وهى رئاسة دورية عادية لم تسند للسيسي لشخصه الفذ أو رؤيته المتفردة، وإنما هي عملية روتينية، وكل دورة يتولى فيها الرئاسة رئيس من كتلة محددة ..
 وقد سبق للعقيد معمر القذافي رئاسة الاتحاد، وكذلك رئيس دولة بورندي ومحمد حسنى مبارك ترأس الاتحاد أيضا، ومن يطالع أسماء من ترأسوا الاتحاد سيجد أسماء كثيرة لرؤساء دول ذات وضع سيئ، ولكنها حصلت على رئاسة الاتحاد بحكم الدور ..
ورئاسة مصر للاتحاد تسلمتها من رواندا، وستسلمها للكونغو2020 ، وكذلك من خلال استضافته في مؤتمر ميونخ بألمانيا، رغم أنها جاءت أيضا بصفته رئيسا للاتحاد الأفريقي، وليس لأنه السيسي ، وكذلك استضافة  مصر لمؤتمر القمة العربية الأوربية، تحت شعار “في استقرارنا نستثمر” بمدينة شرم الشيخ وحضور ملوك ورؤساء دول عربية وأوربية، على رأسهم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، بالإضافة لملك السعودية وأمير الكويت وغيرهم .

لحظة الخلاص

وتعد مكاسب السيسي ونظامه إعلامية محضة من -وجهة نظري- لا وجود لها على أرض الواقع، فالواقع سيئ إلى أبعد الحدود، والناس تغلى في البيوت والشوارع من الغلاء وسوء الأوضاع كغلي المراجل المشتعلة ..
 تنتظر لحظة الخلاص، والتي تأخرت كثيرا، لا لقوة السيسي ونظامه؛ ولكن لضعف المعارضة وتشرذمها وصراعها مع بعضها البعض واختلاف قياداتها على تولى الزعامة والقيادة في وقت يحقق فيه الطرف الآخر أهدافا عديدة في شباك المعارضة، ليستمر في الحكم على أشلاء الضحايا من الشباب والثوار.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه