هل يتعمد السيسي تجويع المصريين؟!

لا تجد نظاما يفرط في أمن شعبه الغذائي، ويهدر مزاياه النسبية والتنافسية، ويقوض دعائمه الاقتصادية، ويعبث بأمنه القومي واستقلاله السياسي، مثل ما يفعله النظام القائم في مصر. فبعد أن توسعت مساحة محصول الأرز في أعقاب ثورة يناير، وبمعدلات فاقت الـ 30% في 2013، وبلغ اﻠﻣﺭﺗﺑﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ في الصادرات الزراعية ﺑﻧﺣﻭ 32% من قيمتها في 2012، وبعد أن تربعت مصر على عرش الإنتاجية العالمية سنوات طويلة، يعود نظام عبد الفتاح السيسي إلى سياسة وزير الزراعة في عهد المخلوع حسني مبارك، يوسف والي، ويحارب زراعته من جديد.

وقبل أسابيع قليلة من موسم زراعة محصول الأرز والذي يبدأ في النصف الأول من شهر أبريل، أصدر وزير الموارد المائية والري، محمد عبد العاطي، قرارًا بتخفيض مساحة محصول الأرز إلى 724 ألف فدان، مقارنة بمساحة  مليون و100 ألف فدان في العام الماضي، وبانخفاض قدره 352 ألف فدان، وبنسبة 32% من مساحة العام الماضي.

وتسبب قرار تخفيض المساحات المنزرعة بالأرز من قبل الحكومة في انفلات أسعار الأرز، الذي هو عذاء الفقراء المصريين. وخلال أسبوع واحد من القرار، زاد سعر الأرز الشعير، غير المقشور، بنسبة 25%، ليصل إلى 5 آلاف جنية للطن، وزاد سعر الأرز الأبيض، المقشور، بنسبة 12%، ووصل سعر الأرز المعبأ الذي يباع خارج البقالات التموينية، إلى 13 جنيه، وفقا للموقع الرسمي لمركز معلومات مجلس الوزراء، ما يؤكد خطورة القرار على ارتفاع أسعار هذه السلعة الاستراتيجية التي لا يستغني عنها كل بيت في مصر.

وأعجب من تفريط النظام في دعائم أمنه الغذائي، ما يسوقه من تراهات يبرر بها قرار تخفيض مساحات الأرز ومحاربة زراعته، فبرر المتحدث باسم وزارة الري قرار الحكومة بأنه يهدف إلى الحد من إهدار مياه نهر النيل، والحفاظ عليها من سوء الاستخدام.

وبالرغم من أن المساحة المنزرعة بالأرز، مليون و100 ألف فدان، لا تكلف سوى 5 ملايين و500 ألف متر مكعب من المياه ، معظمها من مياه الصرف الزراعي والصحي، تعتبر الحكومة استخدام مياه نهر النيل في انتاج الأرز، إهدارا للمياه وسوء استخدام لها. ولم تخبر الحكومة عن المحصول البديل، الذي يزرعه الفلاحون ليكفي غذاءهم، ويغنهم عن مد أيديهم لغيرهم من شعوب الأرض، ولا يستخدم مياه النيل في الري! هل يريد الجنرال السيسي أن يزرع الفلاح المصري الكاكي، والكانتالوب، ولب التسالي، بدل الأرز؟!

محاربة الأرز

في 2014، وبعد ثلاثة أشهر من تولي السيسي الحكم وقبل احتدام أزمة سد النهضة، أعلن أول وزير للزراعة في عهده ورئيس ملف الزراعة في حملته الانتخابية، الدكتور عادل البلتاجي، خلال اجتماع مجلس التنمية الزراعية المستدامة، أن زراعات الأرز في مصر تمثل تعديا على الموارد المائية لمصر، وقد بلغت في الموسم الماضي، يقصد سنة الدكتور محمد مرسي، نحو مليونين و200 ألف فدان، وأعلن أن اتجاه الوزارة إلى تخفيضها عند  مليون و200 ألف فقط، ما يكشف النية المبكرة لتدمير هذا المحصول الذي لا يستغني عنه المصريون.

وفي 2016، فرض السيسي سعرا بخسا لشراء محصول الأرز مقابل 2400 جنيه للطن، ما حمل المزارعين على الامتناع عن بيع محصولهم إلى وزارة التموين، وقالوا إن الوزارة تبخسهم أسعار محصولهم بدلًا من دعمهم، ومع غياب المحصول البديل استمر المزارعون في زراعة الأرز بدون تخفيض للمساحة.

ولما فشلت سياسة بخس الأسعار في إثناء المزارعين عن زراعة الأرز، عمد السيسي إلى قرار تخفيض المساحة بحجة مواجهة آثار سد النهضة، وذلك بالرغم من نفيه وجود أزمة من الأساس وقال “كونوا مطمئنين تمام، فى مصر وإثيوبيا والسودان، فيه قادة مسؤولين، التقينا واتفقنا، لا يوجد ضرر على أحد، ولا توجد أزمة بيننا” وذلك خلال القمة الثلاثية بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا على هامش القمة الأفريقية المنعقدة نهاية يناير الماضي.

وبلغة الأرقام المجردة من قيمها الاقتصادية، فان كمية المياه التي تستهلكها مساحة الأرز، التي خفضتها الحكومة، لا تستهلك سوى مليار و800 مليون متر مكعب من مياه الصرف الزراعي والصحي، وهذه الكمية لا تُقارن بكمية المياه النقية التي تتسرب وتُفقد في باطن الارض، من شبكات توزيع مياه الشُرب المتهالكة، والتي وصلت نسبتها إلى 37.6% من اجمالى 9 مليارات و200 مليون متر مكعب، هى كمية المياه النقية المنتجة من مياه نهر النيل على مستوى الجمهورية. هذه كمية ليست بالقليلة، إذ تصل إلى 3 مليار ات و500 مليون متر مكعب من مياه الشرب النقية، بحسب إحصائيات الجهاز الحكومي في 2015/2016. فهل تُلزم الحكومة الهيئة القومية لمياه الشرب بتخفيض كمية المياه التي تنتجها كل يوم من أجل المحافظة على مياه نهر النيل من الهدر؟!

الاستيراد

أوقف السيسي شراء الأرز من المزارعين لصالح وزارة التموين من العام 2014، وبالرغم من وجود فائض في الإنتاج المحلي، استوردت حكومته الأرز الهندي ولأول مرة بعد 20 عاما من الاكتفاء الذاتي. وكشف تقرير أصدرته الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات في 3 فبراير الماضي، عن أن فاتورة واردات مصر من الأرز الهندي بلغت 45 مليونا و920 ألف دولار في 2016، وزادت إلى 50 مليونا و480 ألف دولار في 2017.

وبالرغم من عدم تفضيل المستهلك المصري له، طرحت الحكومة الأرز الهندي في البقالات التموينية بسعر 750 قرشًا، ورفضت شراء الأرز المحلي من المزارعين المصريين بسعر أعلى من 650 قرشًا. وأحجم المستهلك المصري عن شراء الأرز الهندي، بسبب تدني جودته، وعدم تفضيله، ما دفع الحكومة إلى تخفيض سعره إلى 650 قرشًا بدلاً من 750 قرش، وفي الثانية خفضته إلى 550 قرشًا للكيلو، ولكن أحجم المصريون عن شراءه حتى تلفت الكمية المستورده والمقدره بـ 125 ألف طن، ما يُذكر بصفقة الدواجن المجمدة التي تورط فيها جهاز مشروعات الخدمة الوطنية قبل أسابيع وباعها بنصف سعرها الحقيقي.

قرار الحكومة بتخفيض المساحة المزروعة بالأرز إلى 724 ألف فدان فقط سوف يُحول مصر من بلد مصدر للأرز إلى مستورد له. ومن المتوقع أن تنتج المساحة المقترحة قرابة  مليونين و800 ألف طن فقط من الأرز الشعير، لتعطي بدورها مليوني طن من الأرز الأبيض، ويحقق عجزا قدره مليون طن من الأرز، سوف يتم تعويضها بالاستيراد من الخارج، ما يكلف خزانة الدولة مبلغ 460 مليون دولار.

أهمية الأرز

الأرز هو الغذاء الرئيس لـ 80% من المصريين، وهو بديل رغيف الخبز في الأزمات ورديفه على موائد الفقراء، والقطب الشمالي في محور الزراعة المصرية، كما أن قصب السكر هو قطبها الجنوبي، كما يصوره عالم الجغرافيا المصري جمال حمدان، وهو أنجح محصول غذائي في مصر على الإطلاق، وتكتفي منه ذاتيًا، وتتربع على عرش الانتاجية العالمية منه منذ 2007.

وكما يحتاج المصريون إلى الأرز في طعامهم، تحتاج أراضي الدلتا والبالغة 4 ملايين فدان، والقربية من مياه البحر المتوسط المالحة، إلى زراعة الأرز بمعدل مليون و300 ألف فدان، من خلال دورة زراعية ثلاثية لعلاجها من التملح، ولإزاحة مياه البحر المتوسط حتى لا تتسرب إلى المخزون الجوفي تحتها وتدمرها.

في 2012، أمر الرئيس محمد مرسي برفع سعر طن الأرز للمزارعين من 1450 جنيها إلى 2050 جنيها للطن، ووصلت المساحة إلى مليونين و200 ألف فدان، وأسقط الغرامات المفروضة على المساحات الزائدة، وكلف وزارة التموين بشراء الأرز من المزارعين، فاشترت الوزارة 800 ألف طن، وحققت مخزونا استراتيجيا لم تحققه حكومة من الحكومات، لا من قبل ولا من بعد، وظل سعر الأرز في منظومة السلع التموينية بـ 150 قرشًا فقط للكيلو. 

في المقابل وفي عهد الجنرال السيسي، انخفضت المساحة بنسبة 67%، وتضاعفت غرامات المساحات الزائدة، وتوقفت وزارة التموين عن الشراء من المزارعين، ووصل سعر الأرز المحلي إلى 10 جنيهات، ثم اختفى من الأسواق، ووصل العجز في محافظات الصعيد إلى 100% والوجه البحري إلى 80%، وتم استيراد الأرز الهندي بعد 20 عام من الاكتفاء والتصدير، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، لماذا يفرط السيسي في الأرز المصري ويحرم المصريين من ميزته النسبية، وجودته التنافسية، ويعرض أمنهم الغذائي للخطر؟!

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه