هل ضاعت حقوق رابعة بعد 7 سنوات؟

 

مع مرور سبع سنوات على أكبر مجزرة بشرية شهدتها مصر عبر تاريخها (مجزرة رابعة العدوية) يثور التساؤل المنطقي هل ضاعت حقوق ضحايا رابعة؟ وهل انشغل أهل رابعة وأنصارها بقضاياهم الشخصية والمعيشية عن تلك القضية الكبرى؟ وهل نجح قمع النظام الانقلابي في كسر أرادة دعاة الحرية والديمقراطية والكرامة الذين تجمعوا يوما في رابعة والنهضة وغيرهما من ميادين مصر تمسكا بتلك المبادئ ودفاعا عنها؟ أم هل طال الزمن عليهم فيئسوا من المقاومة والمطالبة بتلك الحقوق؟

تراجع

بعيدا عن الإجابات العاطفية التي تتجه مباشرة للنفي المطلق لكل تلك المخاوف، فإن الواقع يؤكد حدوث تراجع في الاهتمام برابعة وضحاياها، لكن هذا التراجع ليس مبعثه الخوف من قمع النظام أو الانشغال بقضايا أخرى، ولكن مبعثه المصالح الدولية من جهة وضعف الإمكانيات اللازمة لاستمرار الزخم سواء في شكل فعاليات ميدانية، أو في شكل تحريك قضايا جنائية أمام محاكم دولية من جهة أخرى، وقد ظهرت هذه المشكلة (المتعلقة بضعف الإمكانات المادية) منذ  3 أو 4 سنوات، ولذلك تعثرت محاولات رفع الدعاوى لأن الدعوة الواحدة تكلف مبالغ باهظة (تطلب بعض المحاكم إيداع وديعة بعشرين ألف دولار في حسابها قبل بدء الإجراءات لقضايا فردية، دعك  عن أتعاب المحامين الدوليين الذين يتولون تلك القضايا إلخ).

هذا هو الجهد الحقيقي الذي كان ينتظره الجميع، وليس مجرد وقفات تذكارية هنا أو هناك رغم أهميتها في الإبقاء على حيوية القضية، ورغم رفع بعض القضايا خلال السنوات الماضية مثل تلك التي رفعها حزب الحرية والعدالة في لندن ضد السيسي وبعض المتهمين في فض رابعة والذين تضمنهم تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش، ورغم ما صرف عليها من تكلفة مالية إلا أن نتيجتها لم تكن على مستوى الطموحات ولا حتى المصروفات، حيث حكمت المحكمة بعدم اختصاصها فيما يخص السيسي بدعوى امتلاكه حصانة رئاسية، لكنها فتحت الباب نظريا لإمكانية محاكمة بقية المتهمين في القضية.

القضاء والسياسة:

القضاء لا يعمل بمعزل عن السياسة حتى في الدول المتقدمة، وليس معنى ذلك تدخلا مباشرا من السلطة التنفيذية في القضاء، لكن السياسة تتدخل بطريقتها الخاصة فحين سافر الفريق محمود حجازي على راس وفد عسكري مصري إلى بريطانيا في سبتمبر 2015 ورغم أنه أحد المتهمين الذين وافقت المحكمة البريطانية على محاكمتهم إلا أنه نجا من الملاحقة حيث وفرت له الحكومة البريطانية حصانة خاصة حالت دون القبض عليه، وهو ما تكرر لاحقا خلال زيارة السيسي لبريطانيا.

كما أن الدعوى التي رفعها أخيرا في واشنطن الناشط الحقوقي محمد سلطان وهو أحد ضحايا رابعة ويحمل جنسية أمريكية ضد الدكتور حازم الببلاوي الذي كان يرأس الحكومة التي أمرت بالفض تعثرت مع توفير الحكومة الأمريكية حصانة للببلاوي، وهو ما يمكن أن يتكرر مع أي مسؤول أخر من المتهمين في جريمة الفض

هل يعني هذا الرضوخ والاستسلام وتوفير ما تيسر من إمكانات مالية هزيلة ربما تفيد في مسارات أخرى؟ أظن أن السادة المحامين والحقوقيين هم الأقدر منا على إجابة هذا السؤال، لكن المؤكد أن تجهيز ملفات ودعاوى ضد أئمة الإجرام وانتظار اللحظة المناسبة محليا أو دوليا يبقى أمرا ضروريا، فعلى الأقل لابد ان يشعر هؤلاء القتلة أنهم تحت الملاحقة دوما، وأن جرائمهم لم تنس ولن تسقط بالتقادم.

هل المسار القضائي هو المسار الوحيد الذي يحيي القضية؟

الإجابة هي أن المسار القضائي هو الطريق القانوني لتحصيل حقوق الضحايا، ومعاقبة المجرمين، لكنه ليس الطريق الوحيد لإحياء القضية، فهناك أنشطة وتحركات أخرى سياسية وإعلامية يمكن القيام بها لو توفرت لدينا قيادة نشطة، قادرة على جمع الصفوف بقدر الإمكان، وقادرة على توظيف الطاقات، وتحسين القدرات، وترشيد النفقات، وتجاوز الخلافات إلخ.

لربما كان أفضل عمل يمكن القيام به في الذكرى السابعة لمذبحة رابعة هو إطلاق مبادرة لجمع الشتات، وتوحيد الصف، واستعادة اللحمة، وبذلك يمكن بث روح جديدة قادرة على تفجير الطاقات وتوظيف الكفاءات، وتنشيط التحركات، وسيكون هذا هو الوفاء لدماء الشهداء ولعذابات المصابين والمشردين.

العبرة:

لا يضيع حق وراءه مطالب، ولنا في التجارب الإنسانية الأخرى العبرة، فقبل أيام قليلة كان العالم يتذكر مذبحة سربرنتسا في البوسنة والهرسك على يد المجرمين الصرب ، الذين دفعوا ثمن جريمتهم بعد سنوات طوال من المجرزة أمثال رادوفان كراديتش وسولبودان ميليوشفيتش، وراتكو ملانتش، وسلوبودان برالياكو، كما تمت محاكمة الرئيس التشادي السابق حسين حبري أمام محكمة خاصة أنشأها الاتحاد الأفريقي بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال فترة حكمه بين عامي 1982 و1990 قتل خلالها أربعين ألف شخص، وكان الحكم  هو السجن المؤبد، ورغم مرور 26 عاما على مذابح رواندا إلا أن الملاحقات الدولية للمجرمين لا زالت متواصلة وقد قبض البوليس الفرنسي قبل شهرين على أحد كبار المتهمين في تلك المجزرة وهو فيليسيان كابوغا، والأمثلة غير ذلك كثيرة وهذا ما سيحدث يوما مع مجرمي فض رابعة والنهضة وكل الجرائم التي وقعت في مصر.

أحد ضحايا المذبحة

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه