هل سقطت صفقة القرن أم تأجلت؟!

الصفقة الإسرائيلية تتضمن الاستحواذ حوالي 70 منزلا تملكها بطريركية الروم الأرثوذكس في مدينة القدس
متطرف يهودي ينظر إلى مدينة القدس

إن على الشباب العربي والمصري بصفة أساسية التصدي لكتابة هذا المشروع والذي يبدأ بوحدته بكافة الانتماءات، وطرح نظرية فكرية للمشروع، ثم يضع أفكاره التنفيذية والتخطيط له.

قمم عربية وإسلامية ثلاثة، عقدت بمكة خلال الأيام الماضية شهدت تحولات في مسار قضايا عربية وإسلامية كان أبرزها: قيام القمتين العربية والخليجية بإدانة تخريب سفن نفطية سعودية وإماراتية وضرب مواقع داخل الأراضي السعودية من قبل الحوثيين بطائرات مسيرة، وتحميل إيران ذلك خاصة من قبل المملكة السعودية.
 فقد بدا وكأن العرب قد استبدلوا العداء لإيران والشيعة بالكيان الصهيوني. ورغم أن الرئيس العراقي صالح برهم رفض التهديدات لإيران، مؤكدا أنها جزء من المنطقة، وحذر من حرب شاملة إن لم يتم إدارة الأزمة بشكل حسن. لقد بدت هاتان القمتان وكأنها تمهد الطريق لشن حرب على إيران!
ولاشك أن تأكيد القمتين العربية والإسلامية على أن فلسطين ما تزال قضية محورية ورئيسة للأمتين العربية والإسلامية، وأن القدس هي عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ١٩٦٧، يعد ثباتا على الحد الأدنى المطلوب على مستوى الخطاب.
وهو ما ينسحب أيضا على مطالبة القمتين الدول التي نقلت سفاراتها إلى القدس بإغلاقها، وإعادتها إلى تل أبيب مما يعد تطورا هاما في ملف ما يسمى بصفقة القرن، أضف إلى ذلك إجماع الفصائل الفلسطينية على رفض  الصفقة، وكذلك الموقف الأردني منها ..
علاوة على ما جاء في الخطاب القوي للسيد حسن نصر الله أمين حزب الله اللبناني في يوم القدس وتهديده للكيان الصهيوني بالضرب في العمق، ثم جاء قرار حل الكنيست لنفسه والدعوة إلى انتخابات جديدة في سبتمبر/أيلول القادم بعد فشل نتنياهو في تشكيل حكومة جديدة.
وصاحب ذلك مظاهرات ضخمة شهدتها اليمن وإيران لمناصرة القدس والقضية الفلسطينية ثم مسيرات العودة يوم الجمعة ليبدو أمام الجميع أن صفقة القرن في طريقها إلى السقوط أو على الأقل التأجيل إلى ما بعد انتخابات الكنيست وإعلان النتائج في أكتوبر والذي سيبدأ بعدها ترمب رحلته مع الانتخابات الأمريكية ..
فهل هذا حقيقي رغم انعقاد المؤتمر الاقتصادي للصفقة في البحرين ووجود تصريحات أمريكية بشأن إعلان الجانب السياسي للصفقة خلال أيام قليلة؟! 

خطوات المشروع الصهيوني لا تسقط بسهولة 

الولايات المتحدة تبدو متحمسة جدا لتنفيذ صفقة تمثل خطوة مهمة في المشروع الصهيوني الذى يعد المشروع الوحيد الناجح في المنطقة، إذ يتم تنفيذه بكل دقة في الحيز الجغرافي الممتد من شاطئ الخليج إلى شاطئ المحيط التى يغيب عنها مشروع عربي إسلامى إنساني جامع يستطيع أن يفرض فكره وخطته ونجاحه ..
وفي ظل هذا الغياب يمضى المشروع الصهيوني بدقة وتخطيط، ثم تنفيذ حسب الأزمنة المحددة له؛ فهل نستسلم بسهولة لهذا السقوط لخطته الرئيسية والأضخم فيه؟! 
بحسب ما يرصد التاريخ فإن خطط وخطوات المشروع الصهيوني قد تتأجل لظروف خارجه عن إرادتهم مثل: المقاومة المضادة لتلك الخطوة؛ لكن المؤكد أن صفقة القرن لن تسقط حتى بسقوط وغياب شخص كنتنياهو الذي تريد أمريكا دعمه عبر تحقيق صفقة القرن خلال ولايته، وكآخر الصقور الصهاينة من زمن الصقور القديمة ..
إلا أن الكيان الصهيوني عودنا على أنه حين يمضي صقر ستجد صفوف أخرى من الصقور تظهر على السطح فكلهم صقور -ولا حمائم- ومستمرون في تنفيذ المشروع الصهيوني.  
فقد كانت غولدا مائير صقرا جاء بعدها بيجن صقر آخر، وفي لحظة غادرة استطاعوا أن يسحبوا أنور السادات الرئيس المصري الأسبق إلى طاولة ما يسمى بالسلام في النصف الثاني من سبعينات القرن العشرين؛ ليوقع السادات اتفاقا منفردا مع الكيان الصهيوني مثّل انتصارا كبيرا للمشروع الصهيوني إذ نزع مصر صاحبة أكبر الجيوش العربية، وأكثر دولة تعدادا للسكان، وقلب أمتها من الصراع العربي الصهيوني.
واكتفى المشروع الصهيوني بذلك خلال تلك الفترة، وبات يتسلل ويتمدد في أعماق المجتمعات العربية بأسرها لنشر التخريب، وبث التطبيع. 
 

حينما مات القلب تمدد المرض

 قالت المنظمة الصهيونية العالمية عن مصر في مجلة كيفونيم ( التوجهات ) عدد فبراير ١٩٨٢: إن مصر بصفتها القلب المركزي -الفاعل في جسد الشرق الأوسط- قد مات، وإن مصر مصيرها إلى التفتيت والتمزق بين المسلمين والأقباط، ويجب أن يكون هدفنا القادم هو تقسيمها إلى دولة قبطية في الجنوب، ودولة إسلامية في الوجه البحري، وفي لبنان التي ستخرج منهكة من الحرب الأهلية سيكون الأمر سهلا في تقسيمها إلى خمس محافظات بين الطوائف المتقاتلة: شيعة وسنة ودروز ومورانة وكتائب، وسوريا نستطيع تقسيمها إلى دولة شيعية بطول الساحل ودوله سنية في منطقة حلب وأخرى في دمشق وكيان درزي في جزء من الجولان، والعراق الغني بالبترول والمنازعات الداخلية ما أسهل أن يقع فريسة الفتن إذا أحكمنا تخطيطنا لتفكيكه والقضاء عليه.
  
تلك كانت الخطة الصهيونية التي استخدمت في الفترة من ثمانينيات القرن العشرين حتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وقد حققوا أجزاء كبيرة منها بطريقة سلسة ناعمة.
كان الكيان الصهيوني طرفا أساسيا في أحداث منها ( حرب لبنان ٢٠٠٦ والتي شهدت هزيمة قاسية للكيان الصهيوني على يد أبطال المقاومة اللبنانية هي الهزيمة الأشهر للكيان الصهيوني في خمسين عاما).. وكان طرفا خفيا في معارك وأحداث أخرى استخدمت فيها الولايات المتحدة الأمريكية بعد ما أصبحت القطب الوحيد في العالم، وقامت بدور الحاضنة والمرضعة “للفرخ الصهيوني الكسيح”، على حد تعبير الدكتور مصطفى محمود في كتابه: “اسرائيل البداية والنهاية” الصادر في ثمانينيات القرن العشرين. 
كانت تلك المرحلة من عمر المشروع الصهيوني تستخدم أيضا في هدم البنية التحتية في مصر، والسيطرة على مفاصل الزراعة والتصنيع والاقتصاد، ثم في السنوات الأخيرة رأينا دخول التطبيع مع الكيان الصهيوني أماكن كان صعب دخولها مثل الثقافة والإعلام لتتلاشى مقاومة كانت حائط صد طوال سنوات طويلة ..
ثم امتد المشروع الصهيوني في التطبيع لتشمل دولا عربية عاشت في علاقات سرية منذ توقيع كامب ديفيد لتصبح في العلن مثل البحرين التي اختيرت لعقد المؤتمر الاقتصادي لصفقة القرن، إلى سلطنة عمان حيث استقبل فيها نتنياهو منذ شهور، والآن سنلاحظ تغييرا في خطاب بعض السعوديين. 
تمدد المشروع الصهيوني في غياب مشروع عربي أو مشروع إسلامي أو حتى مشروع إنساني لهذا الحيز الجغرافي الممتد من شاطئ الخليج العربي إلى شاطئ المحيط الأطلسي، فهل استسلم المشروع الصهيوني لعرقلة صفقة القرن؟ 
إن المشروع الصهيوني قد يتغاضى عن تحقيق هدفه مرحليا حين يجد مقاومة في تنفيذ خطوته التي يريد تنفيذها، وهى في هذه المرحلة صفقة القرن بشقيها الاقتصادي والسياسي بما تفتح أمامه فرصة ليستكمل فيها مشروعه في قيام دولة صهيونية من النيل إلى الفرات..
وعلينا جميعا أن نرصد إلى أي مدى وصلوا فكريا وثقافيا في التمهيد لذلك، وعلينا كمصريين أن نرصد بدقة ما يحدث في الحيز الجغرافي الممتد من شاطئ النيل غربا وصولا إلى رفح والعريش و المدن والقرى التي يتم تهجيرها هناك .. لذا فإن التوقع بسقوط الصفقة غير وارد بسقوط الصقر الأخير كما يدعى البعض، فخلف كل صقر صفوف من الصقور أشد شراسه في تحقيق الأهداف الصهيونية.
 

كيف نسقط الصفقة بالمشروع كاملا؟ 

قال د. مصطفى محمود في كتابه: “إسرائيل البداية والنهاية” إنه بالرغم من التهديدات الصهيونية والضجة التي يثيرها حول قوتها العسكرية، فما زالت أضعف بكثير من الهالة التي تضعها لنفسها، وتلويحها بالحرب هو محاولة فجة للإرهاب والضغط الدبلوماسي على أعصاب المفاوض العربي، وما زال سلاح الوحدة العربية إذا اكتملت أقوى من كل الضجة والمطلوب موقف حاسم جماعي من على منبر الجامعة العربية ..
انتهى كلام دكتور مصطفى محمود من نصف قرن ولكن هل لا يزال الحل كما يقول: “أن كلمة العرب يوما ما ستجتمع، ولن تنفع إسرائيل كل ترسانتها العسكرية والحشد الأوربي في صفها .. حتما سيأتي هذا اليوم”. 
فهل جاء اليوم الذي تمناه والحال الآن هكذا كما نرى؟!! أم حان وقت البحث عن نقطة بداية المشروع العربي المضاد للمشروع الصهيوني؟ 
 

متى يبدا المشروع العربي؟ 

شهدت المنطقة العربية مشروعين رئيسيين خلال سبعين عاما من الصراع العربي الصهيوني .. الأول كان المشروع العربي القومي الذى قاده الرئيس المصري جمال عبدالناصر عقب حرب السويس ١٩٥٦،  وحين تمدد هذا المشروع أو حاول أن يتمدد كانت ضربات المشروع الصهيوني جاهزة سواء من الكيان الصهيوني أو أطراف أخرى من صالحها ضرب المشروع القومي العربي.
وانتهى المشروع فعليا بموت عبدالناصر و تغيير اتجاه البوصلة المصرية عقب تولي السادات الحكم لتظهر  فكره الدولة القطرية وما قيل في أعقاب اتفاقية السلام: إن مصر مصرية أو فرعونية، هكذا لم يتبق في مشروع عبدالناصر سوى أفكار تحملها جماهير لكنها غير منتظمة في مشروع أو كيان. 
أما المشروع الثاني فتزعمته السعودية، وأعلنت أنه إسلامي ويتبنى رؤية محددة (يُطلق عليه سلفي أو وهابي)، لكنه كان بلا تجديد حقيقي للفكر الإسلامي أو حتى التعمق في فهمه الحقيقي ..
الغريب في الأمر أن المشروعين لم يتكاملا أو يتحدا رغم أنهما ينتميان إلى حيز جغرافي واحد شبه متكامل دينيا ولغة وتقاليدا وثقافة؛ إلا أن المشروعين دخلا حلبة صراع بينهما وبدلا من تكاملهما وتصحيح مسيرتهما، صرعا بعضهما البعض لصالح مشروع يمضي بنجاح بلا كلل هو المشروع الصهيوني! 

لمن نلجأ الآن؟ 

إن الجيل الجديد من الشباب العربي والثوري عليه أن يبدأ خطوات جدية في بناء مشروع عربي إسلامي إنساني لهذه المنطقة، وأن يكون في القلب منه شباب يناير في مصر فقلب الأمة التي قال عنه الصهاينة إنه مات عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد يجب أن يعود، وعلى شباب يناير أن يتصدى لهذه المهمة لتكن أولى الخطوات مشروع فكري دامج للأفكار الرئيسية لكل المشاريع السابقة يتخلص من أخطائها ليظهر لنا مشروع جديد إنساني يتخذ من الحرية والمواطنة والكرامة والعدل والمساواة مسارا أساسيا. 
إن على الشباب العربي والمصري بصفة أساسية التصدي لكتابة هذا المشروع والذي يبدأ بوحدته بكافة  الانتماءات وطرح نظرية فكرية للمشروع، ثم يضع أفكاره التنفيذية والتخطيط له .. 
عليه أن يتخلى عن تلك الأفكار العتيقة التي عاش فيها، إن حدث ذلك فحينئذ نستطيع أن نقول إن صفقة القرن قد سقطت ولن تعود مرة أخرى .. بل سنكون على استعداد لسيادة المشروع العربي في منطقة العرب.
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه