هل ستعود العلاقات المصرية التركية قريبا؟

 

مقال من صحفي تركي في موقع تركي معارض حول ضرورة تطبيع العلاقات المصرية التركية يرد عليه صحفي مصري محسوب على النظام الحاكم بما ينبغي على تركيا فعله لتحقيق ها التطبيع، فتتناقل صحف ومواقع تركية معارضة هذا المقال الأخير باعتباره إشارات إيجابية من الجانب المصري لتطبيع العلاقات ينبغي التعامل معها بجدية، والرد عليها بأحسن منها، لتحدث حالة جدل حول تطبيع العلاقات بين النظامين المصري والتركي.

مقال الكاتب التركي (أونور سنان جوزالتان) نشره في يناير الماضي موقع يونيتد وورلد التابع لحزب وطن، وهو حزب علماني تركي صغير، أسسه عدد من جنرالات الجيش السابقين (على شاكلة حزب حماة الوطن المصري الذي أسسه عدد من الجنرالات أيضا)، وهو حزب يتبنى فكرة تطبيع العلاقات مع مصر بقوة، وعدم ربطها بالدفاع عن الإخوان المسلمين كما يدعي، كما أنه يرى أن هذا التطبيع للعلاقات مع مصر فيه فائدة كبيرة للطرفين، وقد تضمن مقال سنان خارطة طريق تركية لتطبيع العلاقات على رأسها الاعتراف بنظام السيسي، وتخفيف الهجوم الإعلامي عليه، ووقف الدعم التركي لجماعة الإخوان، ليتبع ذلك حوار حول غاز المتوسط إلخ.

مقال صابرين

لم يقتصر الأمر على مقال الكاتب التركي، بل نشر الموقع ردا عليه وتفاعلا معه مقالا للكاتب الصحفي المصري محمد صابرين والذي يحمل صفة مدير تحرير سابق في صحيفة الأهرام، وصابرين هو محرر شئون دولية في الأهرام، أعرفه منذ كان مراسلا للأهرام في جنوب أفريقيا وفي بعض العواصم الأخرى، وهو لا يمكن تصنيفه باعتباره بوقا للنظام، ولا معارضا له، وإن أمكن تصنيفه بشكل عام كـ “دولجي”، يعبر بطريقته عن أساسيات الأمن القومي المصري ولا يخرج على سياسات النظام الحاكم، وقد كتب صابرين مقالين في الموقع ذاته وحول القضية ذاتها، وكان أحدثهما والذي أثار الجدل مجددا بتاريخ 13 مايو الجاري وتضمن خارطة طريق ينبغي أن تلتزم بها تركيا للوصول إلى تطبيع علاقتها مع مصر، وأهم ما فيها تخلي تركيا عن جماعة الإخوان المسلمين، ووقف بث القنوات المعارضة، وعدم مزاحمة مصر في ليبيا، والتعاون في ملف مكافحة الإرهاب، وقد فتح رد صابرين شهية الأحزاب والنخب العلمانية التركية للتجاوب معه على مظنة أنه يحمل توجها للنظام المصري عبر عنه أحد الإعلاميين المحسوبين عليه، ونشطت هذه الأصوات التركية في استدعاء تصريحات إيجابية عن مصر لمسؤولين من الحكومة التركية أو حزب العدالة والتنمية الحاكم، ليتم توظيفها في هذا المسعى الجديد.

طبيعة المواقف:

والسؤال هل يمكن فعلا أن نشهد قريبا تطبيعا للعلاقات بين النظامين التركي والمصري؟

للإجابة على هذا السؤال علينا ان نغوص في طبيعة وخلفيات موقف كل طرف، بالإضافة إلى معرفة الظرف السياسي العام المحيط، حيث التشابك والتعقيد في العلاقات الدولية والإقليمية، فالأزمة بين النظامين المصري والتركي هي جزء من معركة إقليمية بين حلفين، يضم أحدهما مصر مع السعودية والإمارات والبحرين إضافة إلى اليونان وقبرص اليونانية أحيانا، ومعهم قوى الثورة المضادة عموما، بينما يضم الثاني تركيا وقطر ومعهما قوى التغيير الديمقراطي في المنطقة، وبالتالي ليس متصورا حدوث تغيير دراماتيكي للعلاقة بين قطبين داخل هذين المعسكرين المتضادين بمنأى عن بقية الأعضاء، وهذا يعني أن السيسي لا يستطيع تحسين علاقته مع تركيا حتى وإن رغب في ذلك دون رضا السعودية والإمارات صاحبتي الأيادي البيضاء عليه، والكفيلان الماليان له.

يضاف إلى ذلك أن السيسي الذي بنى جزءا كبيرا من منظومة حكمه على فكرة العداء لتركيا والخطر القادم من تركيا، وهو ما دغدغ به مشاعر قوى كارهة للنظام التركي الحالي لأسباب دينية مثل الأقباط، أو لأسباب ثقافية وفكرية مثل العلمانيين والقوميين، والسيسي غير مستعد أن يفرط في دعم هذه الفئات له بعد انصراف الجزء الأكبر من داعميه عنه، كما أنه يشعر بالمهانة الشديدة بعد الهزائم التي تعرض لها حليفه خليفة حفتر في ليبيا، ويعزو هذه الهزائم إلى الدعم التركي لقوات حكومة الوفاق، وهو ما دفع السيسي لعقد سلسلة من اللقاءات على أعلى مستوى عسكري لمواجهة تلك التطورات.

أما أردوغان فإنه تعامل مع انقلاب السيسي منذ لحظاته الأولى في 3 يوليو 2013 بسياسة مبدئية قائمة على ر فض هذا الانقلاب، وتجريم أي تعاون معه، أو أي مسعى لتعويمه وشرعنته، ويحرص أردوغان دوما على تأكيد موقفه من السيسي في العديد من المناسبات، ويؤكد أنه لا يمكن أبدا أن يصافح يد السيسي الملطخة بالدماء، كما تجنب البقاء في أي مكان يوجد فيه السيسي في مناسبات دولية، وهذا الموقف المتشدد من أردوغان كان وسيظل حجر العثرة أمام محاولات بعض مراكز صنع القرار التركي لتطوير العلاقات السياسية مع نظام السيسي، وقد تسببت هذه المواقف القوية لأردوغان في خفض التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى مستوى القائم بالأعمال، مع تصاعد وتيرة الحرب الإعلامية بين الطرفين.

على المستوى الاقتصادي:

ولكن على الرغم من توتر العلاقات على المستوى السياسي فإنها لا تزال جيدة بل تتطور على المستوى الاقتصادي، حيث ترتفع التبادلات التجارية سنويا، حتى بلغت أو تجاوزت 6 مليارات دولار، ولا تزال وفود رجال الأعمال في رحلات متبادلة بين الدولتين حتى وقتنا الراهن، وهذا يثبت أن العلاقات متوترة مع النظام ولكنها ليست كذلك مع مؤسسات الدولة المصرية التي هي أقدم من نظام السيسي، والتي ستستمر بعد زواله، ومنها الغرف التجارية والصناعية، ورجال الأعمال والمستثمرون، حيث المصلحة المشتركة والمتبادلة لكل الأطراف من هذه العمليات التجارية والاستثمارية، ومن الصعب على نظام السيسي وقف هذه المبادلات التجارية لأنه في مسيس الحاجة إليها في ظل اقتصاد مترنح، يزداد نزفا مع استمرار السيسي في مشاريعه غير ذات الجدوى أو الأولوية للشعب مثل العاصمة الإدارية، وتلك الصيفية في العلمين، وتفريعة قناة السويس، الخ، ومع تنامي الديون الخارجية بصورة مرعبة لتتجاوز 110 مليارات دولار، ولا تزال تنتظر المزيد من الإضافات.

بعصبية شديدة ردت أذرع السيسي الإعلامية على دعوات التقارب والتطبيع، حيث أصدرت مؤسسة الأهرام بيانا تنصلت فيه من مقالات محمد صابرين، وحرصت على التأكيد أنه لم يعد يحمل صفة مدير تحرير، بل إنه الآن في حالة تقاعد، وأنه لا يمثل الخط الرسمي للدولة، وهو ما حرص على تأكيده أيضا أحد أقرب الإعلاميين للنظام (أحمد موسى) والذي استضاف صابرين في برنامجه التليفزيوني ليعقد له جلسة محاكمة، ويدفعه للتنصل من دعوته، وكيل السباب للنظام التركي، وهذه الردود تؤكد أن السيسي ليس مستعدا لخسارة من تبقى من أنصاره الكارهين للنظام التركي، وليس مستعدا لخساره كفلائه في الإمارات والسعودية، وأردوغان ليس مستعدا للتخلي عن مبادئه الرافضة للانقلاب العسكري، ولهذا لن يكون هناك تطبيع للعلاقات في ظل وجود السيسي وأردوغان، ولكن الباب سيكون مفتوحا لهذا التطبيع عند وجود حكم مدني ديمقراطي في مصر.

 

  

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه