هل تعاونت ماليزيا مع السيسي؟!

 

 

نشرت شبكة رصد خبراً مقتضباً مفاده أن السلطات الماليزية قامت بترحيل أربعة مقيمين مصريين على أرضها إلى مصر، وقد وصفت الشبكة هؤلاء المقيمين بالمعارضين، ولم تذكر مزيدا من التفاصيل. أما موقع “وطن يغرد خارج السرب” فقد نشر –في ذات التوقيت تقريباً- أن السلطات الماليزية تحتجز هؤلاء المقيمين وتنوي ترحيلهم إلى مصر، واستند الموقع في خبره هذا إلى تغريدة تويترية للناشط والإعلامي سامي كمال الدين، والتي صاغها باللغة الماليزية موجهاً فيها نداء للسلطات الماليزية، مطالباً إياها بعدم تسليمهم للنظام المصري، لأن هذا الأمر من شأنه أن يعرض حياتهم للخطر.

خطأ السلطات التركية

ومنذ انتشار هذا الخبر عادت للأذهان قضية الشاب محمد عبد الحفيظ، المعارض المصري الذي قامت السلطات التركية بترحيله قسراً إلى مصر بعد محاولته اللجوء إليها قادماً من الصومال، والذي ذكرت الأنباء الرسمية حينها أن السلطات التركية فتحت تحقيقاً للتأكد من الأسباب التي جعلت سلطات المطار تقدم على هذا الإجراء، وللتأكد ما إن كانت على علم بأن محمد عبد الحفيظ قد يواجه حكماً بالإعدام، لأسباب سياسية، إن ألقت السلطات المصرية القبض عليه.

بقيت الأخبار هنا في كوالالمبور متضاربة حول مصير هؤلاء الشبان الأربعة، وترددت بعض التساؤلات عند متابعي هذا الحدث هنا، هل ما زالوا قيد الاحتجاز؟ أم أنه تم ترحيلهم فعلاً إلى مصر؟ وما هي أسباب هذا الترحيل إن حصل؟ كما تساءل البعض، هل هذا يوحي بأن ثم اتفاقيات جديدة بين السلطات الماليزية والمصرية لتسليم بعض المطلوبين السياسيين؟ خصوصاً بعد ورود أقوال بأن هؤلاء الشبان ينتمون لجماعة الاخوان المسلمين.  

من المعروف أن السلطات الماليزية تقوم بين كل فترة وأخرى بحملات تفتيشية تستهدف المناطق والتجمعات التي يكثر فيها الأجانب، وذلك بغرض التأكد من قانونية وصلاحية إقامة الجميع، وهو إجراء رسمي روتيني معروف تتبعه أغلب الدول، وقد ذكر لي بعض الأصدقاء أن حملة من هذه الحملات قد تمت في منطقة “تامان ميلاتي”، القريبة من الجامعة الإسلامية قبل حوالي شهر، وأنه تم خلال هذه الحملة إلقاء القبض على ما يزيد عن 25 شخصا من مختلف الجنسيات العربية وغير العربية، وتم إطلاق سراح كل من تم التأكد من سلامة وضعه حسب قانون الهجرة، وقرأت وقتها بعض التعليقات ممن كانوا على قرب من المعتقلين أن الشرطة الماليزية تعاملت معهم بشكل لائق وقانوني. وكان هؤلاء الشبان الأربعة من ضمن المعتقلين في هذه الحملة.

الترحيل لأسباب أمنية

إلا أن الذي يظهر أنه قد تم فعلاً ترحيلهم إلى مصر، وأن الأسباب ليست متعلقة باتباع قانون الإقامة أو مخالفته، وإنما أسباب أمنية، جاء هذا في خبر نشره موقع الجزيرة نت قبل دقائق من كتابة هذه السطور، فيقول الخبر نقلاً عن وزارة الداخلية الماليزية إنه تم إبعاد هؤلاء الشبان عن البلاد بعد أن اعتقلوا بموجب قانون الجرائم الأمنية.

أما الزميل عبد الله بوقس، مراسل وكالة الأنباء الكويتية في ماليزيا ومنطقة جنوب شرق آسيا، ققد بين في تغريدة أن أمر اعتقالهم جاء بعد معلومات تلقتها السلطات الماليزية من نظيرتها الأمريكية، وأن السلطات التي ألقت القبض عليهم هي سلطات مكافحة الإرهاب وليسوا موظفي الإقامة والهجرة، وفي اتصال هاتفي معه أخبرني أن مصدره هو شخصية رسمية على اطلاع بالتفاصيل، وأن سبب الاعتقال هو الاشتباه بالانتماء، أو دعم تنظيم القاعدة.

وبهذه التهمة قد يزول اعتقاد وجود اتفاقيات جديدة بين الدولتين، فالحكومة الماليزية لا تعتبر جماعة الإخوان الإسلامية جماعة إرهابية، ومن المستبعد أن تسلم أفرادا لدولة أجنبية بسبب انتمائهم للجماعة، أما الانتماء للقاعدة أو دعمها فهو مرتبط باتفاقيات دولية تجبرها على ترحيلهم.

ضحايا الكرم العربي

وللتأكد من هذا الأمر، تمكنت من جمع بعض التفاصيل حول هؤلاء الشبان، فهؤلاء الأربعة مقيمون في ماليزيا منذ ما يزيد عن أربع سنوات، واثنان منهما طالبان في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، هما: عبد الله محمد هشام مصطفى، وعبد الرحمن عبد العزيز أحمد مصطفى. أما الآخران: محمد عبد العزيز فتحي عيد، وعزمي السيد محمد إبراهيم، فيعملان في التدريس، الأول يدرس اللغة العربية، والثاني مدرس تجويد، وبالاضافة إلى ذلك، يعملان في السمسرة لتأجير الشقق والبيوت.

وقد حدث أن قدم إلى ماليزيا ضيف مصري وجار سابق لأحد الطالبين، فقام كل من عبد الله محمد، وعبد الرحمن عبد العزيز بمساعدة ابن بلدتهما في ترتيب موضوع سكنه وإقامته مؤقتاً ريثما يستتب أمره، فقاما بكراء سكن له عن طريق محمد عبد العزيز فتحي، وقاما كذلك باستخدام اسمائهما وجوازات سفرهما لاستقبال بعض الحوالات المالية له. ثم تبع ذلك أن جاء صديقان آخران، وطلبا نفس المساعدة، فقدماها لهما عن طريق عزمي السيد.

بعد ذلك بفترة، سافر هؤلاء الضيوف إلى تايلند، وهناك تم اعتقالهم، حيث تبين أنهم قد قدموا إلى ماليزيا بعد أن كانوا في السودان، وقد غادروها بطلب من السلطات هناك، لشبهات أمنية، فقد اتضح أنهم قدموا إلى السودان من ليبيا، وأنهم كانت لهم ممارسات مشبوهة هناك، وأنهم كانوا تحت المراقبة دولياً. وبمجرد إلقاء القبض عليهم قاموا بالاعتراف عن كل من قام بمساعدتهم وتوفير السكن لهم في ماليزيا، وهو ما أثار الشكوك حول هؤلاء الشبان، وقد تمكن أحد هؤلاء المعتقلين من أخبار زوجته أثناء زيارتها له ببعض هذه التفاصيل، حيث اتضح له سبب اعتقاله هذا أثناء اجراءات التحقيق معه.

وقد نشر عضو مكتب الشورى العام لجماعة الإخوان المسلمين، والمقيم في تركيا، السيد همام علي يوسف، بياناً على صفحته في الفيسبوك يوضح فيه بعض التفاصيل المشابهة لما ذكرته آنفاً، إلا أنه لم يذكر الشبهات الأمنية المتعلقة بهؤلاء الضيوف، وذكر أنه تم اعتقالهم في أمور حياتية عادية.

تذكرنا هذه القصة بحكاية مشابهة، حدثت في فترة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث تم اعتقال مواطن هندي في أستراليا وتم توجيه شبهة الانتماء لتنظيم القاعدة له وذلك بسبب مساعدته لبعض ضيوفه، من خلال توفير شريحة هاتف لهم، ليتضح فيما بعد أن هؤلاء الضيوف منتمون لهذا التنظيم، وأنه قد لحقه ما لحقهم بسبب محاولته إظهار شيء من واجب الضيافة وكرمها لهم.

إن صحت هذه المعلومات فما يتعرض له هؤلاء الشبان أمر محزن حقاً، فقد حاولوا تطبيق ما تمليه عليهم عاداتهم وتقاليدهم العربية، بحسن إكرام الضيف وتوجيبه، ولكن ماذا عسانا أن نفعل مع ضيف يخفي ما يضرنا ويؤذينا في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل؟!

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه