هل تخلى العالم عن الانقلاب في مصر؟

العالم اليوم أعطي إشارة خضراء للثوار أن يتحركوا قبل أن تضيع الفرصة، فهل يفعلها الشعب المصري بوعي هذه المرة؟

سؤال يتردد كثيرا هذه الأيام إثر عدة إجراءات عالمية ضد قائد الانقلاب العسكري في مصر عبد الفتاح السيسي وإن لم تكن ضد شخصه بشكل مباشر، وهو: هل يمكن أن تتخلى الدول التي باركت الانقلاب العسكري ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي عن شخص قائد الانقلاب؟ هل يمكن لتلك الدول أن تتنازل ولو شكليا أو جزئيا عن كل المكتسبات التي حصلت عليها في ظل هذا النظام؟ ثم ما الذي يدفعها لذلك في ظل ذلك الصمت الشعبي العجيب رغم الحالة الاقتصادية شديدة الضنك والتي يعانيها أكثر من نصف الشعب المصري لدرجة العجز عن توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة شبه الكريمة؟ وفي ظل تراجع الحراك الثوري لتصير الحالة السياسية صفرا، بنظام يمارس السياسة وحده على الساحة، ولا يقبل حتى بمن شاركوا في الانقلاب على النظام المنتخب بعد ثورة شعبية غير مسبوقة فاجأت العالم كله وأشاد بسلميتها وعظمتها؟

الاجابة

والإجابة على تلك التساؤلات يشير إليها التاريخ في دروس لا تنسي.

فهذا نابليون في إحدى المعارك حين تقدم إليه ضابط نمساوي أعطاه معلومات أعانته على كسب المعركة التي كان يخوضها ضد النمسا ليتقاضى ثمن خيانته، رمي له بصرة من الذهب علي الأرض، فقال النمساوي: ولكني أريد أن أحظي بمصافحة يد الإمبراطور، فأجابه نابليون “هذا الذهب لأمثالك، أما يدي فلا يصافحها رجل يخون بلاده “.

تلك هي النظرة التاريخية لكل خائن عبر العصور أن له مهمة يؤديها، فإذا انتهي منها، أو مثل وجوده تهديدا لمصالحه سواء بغبائه الذي يؤدي لفضح أمره، أو بتخطيه الحدود المرسومة له، تكون بداية التخلص منه حتى لا يكون عبئاً على مستخدميه، ليس إكراما للشعوب صاحبة الحق خاصة إن كانت مستكينة ومستسلمة، وإنما حفاظا على المكتسبات التي حصل عليها نتيجة تلك الخيانة، باحثا عن خائن أكثر قبولا دوليا، وأكثر خبثا في التعامل مع الشعوب حتى لا يؤدي لإثارتها فينقلب السحر علي الساحر وتكون الخسارة الكبرى.

وبالنظر إلى المشهد المصري فقد أصبح قائد الانقلاب يمثل عبئاً على جهتين كلاهما لهما المصلحة في استمرار المجلس العسكري في حكم البلاد لأطول فترة ممكنة لضمان استمرار الولاء التام لمن جاءوا بهم ووفروا لهم غطاء الشرعية الدولية ولو بشكل مؤقت.

الجهة الأولي:

هي المجلس العسكري نفسه الذي لم يجتمع في بدايته علي اختيار السيسي للحكم  وإنما كان هناك خلاف علي شخصه، فمنهم من كان يريد الاكتفاء بإزاحة النظام الشرعي واستمراره وزيرا للدفاع، والبعض رأي أن الغطاء الشعبي الذي حققه يضمن له النجاح رئيسا للجمهورية كغطاء جيد للوجه العسكري الكالح الذي عافته الأمم وعانت منه البلاد بما يكفي لأكثر من ستين عاما، وبعد مدة أربع سنوات تقريبا قضي منها السيسي ثلاث سنوات رئيسا للدولة كانت له الكلمة الأولي في البلاد، تراجعت تلك الشعبية المزعومة بسبب الأداء الفاشل، وكأن النظام يتعمد إفقار الشعب حد تعجيزه عن استكمال متطلبات يومه. ففي الوقت الذي تضافرت فيه الجهود الدولية لمساندة الانقلاب بانفراجه ولو نسبية، نجد أن النظام نفسه يتعامل مع البلاد وكأنها ملك خاص له، ويتحول الجيش لحالة من التوغل الاقتصادي والسياسي، فهو يغلق الشركات ويسرح العمال ويؤمم المصانع، حتى وصل به الأمر لتأميم محلات الأطعمة الشعبية البسيطة بذريعة الانتماء السياسي لأصحاب تلك المحال التجارية. وأيضا تم تأميم العمل السياسي بشكل كامل ليكون قصرا علي رجال القوات المسلحة، وصار لزاما عليك كي تكون حزبا سياسيا أو تمارس الحق الدستوري لكل فرد في ممارسته العملية السياسية أن تكون لواء أو من أصحاب البيادات العسكرية، وترتفع معدلات  التضخم بشكل غير مسبوق فيفقد الجنيه المصري قيمته وتتضاعف قيمة الدولار بصورة غير مبررة في الوقت الذي تقل قيمته الفعلية عالميا، لتتضاعف معاناة المواطن اليومية بشكل مستمر، لنجد نظام السيسي بحكومته ومجلس نوابه وأجهزته الأمنية تعمل في اتجاه مزيد من القهر للمواطن الذي لم يعد لديه طاقة أو قدرة علي الصبر، ما يهدد بثورة طاحنة قد تودي بالحكم العسكري بغير رجعة هذه المرة بعدما اتضحت كافة خطوط المؤامرة لمعظم أفراد الشعب الذي لم يعد تطربه الشعارات الرنانة مع وجع الجوع وشدة الحاجة، فأصبح لزاما علي المجلس العسكري إن هو أراد أن يسلم من تلك الغضبة الشعبية أن يمتصها بالخلاص من رأس الانقلاب والتهدئة الاقتصادية والسياسية مع الشعب لتمر العاصفة المكبوتة والتي أصبحت ظاهرة لأصحاب الخبرة السياسية داخليا وخارجيا.

الجهة الثانية: 

وهي المجتمع الدولي وأخص منه أمريكا التي وقفت بقوة لإتمام الانقلاب وضمان نجاحه، والتي تجد السيسي يمثل تهديدا لمصالحها في المنطقة، خاصة أن مصر ليست من الدول الصغرى أو التي يمكن تهميش دورها أو تجميده، وقد قزم قائد الانقلاب دور مصر متعمدا وذلك بالتسول المعيب من دول الخليج ثم تبديد تلك المبالغ الخيالية خارج أرصدة الدولة.

 لقد هدد النظام المصالح الأمريكية بأن جعل البلاد في حالة من الغليان الداخلي والحنق الخارجي من المنظمات الدولية الحقوقية والإنسانية والغير تابعة لأي نظام، لتصبح مصر علي شفا حفرة من الجحيم لا يعرف مدي عمقها إلا الله، فلا يكاد يخلو يوم من حصيلة من القتلي العسكريين في سيناء ليتخذهم ذريعة لتسول المزيد بحجة محاربة الإرهاب والتي لم تعد تنطلي علي الكثيرين والمدنيين في البيوت والطرقات في تصفيات لم تحدث منذ حكم الأنظمة الشمولية والتي نبذها العالم بعد حروب طويلة.

  وكذلك قرار الإنتربول الدولي بحذف اسم رئيس اتحاد علماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي من قائمة المطلوبين وتدمير غالبية الملفات الخاصة بالمعارضين السياسيين بعد اكتشاف زيف الاتهامات وقد أكدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا ذلك

وبينت المنظمة أن منظمة الشرطة الدولية (الإنتربول) بعد مراسلات ومناقشات وبحث أصبحت على دراية بما يجري في مصر وأن معظم الأسماء التي تم إدراجها على قائمة المطلوبين بناء على طلب من السلطات المصرية قد تم تدمير ملفاتهم بعد اكتشاف أن التهم الجنائية ما هي إلا تغطية لقمع سياسي.

وأضافت المنظمة أن الإنتربول كان قد نشر اسم يوسف القرضاوي (YOUSF ALQARADAWI) على موقعه كمطلوب بتهم السلب والنهب والإحراق والقتل، وجميعها تهم تبين أنها ملفقة كونها حدثت وهو خارج الدولة المصرية وكذلك عدم معقوليتها فهي لا تتناسب مع سيرته وعمره.

وبجمع تلك الخيوط تستطيع أن تستشف أنها لم تأت جزافا في ذلك التوقيت، وإنما هو بمثابة رفع يد النظام العالمي عن وجه الانقلاب.

التعويل على الخارج

ورغم تلك الخطوات يجب أن يدرك الشعب، أو من يعولون علي الحراك الدولي للتخلي عن الانقلاب، أنه لا يمكن إلقاء التبعة بالكامل في مهمة إزاحة الانقلاب علي النظام الدولي أو حتى علي الجيش المصري، وإنما يجب أن يكون هناك دافع قوي لهذا الحراك العالمي، أو لتحرك الجيش للقيام بانقلاب علي الانقلاب مثلا، أو بالخلاص من رأس النظام والإتيان بشخصية توافقية تحافظ علي مكتسبات المجلس العسكري وتضمن خروجا آمنا لقادته، كذلك تضمن عملية تهدئة داخل الشارع المصري بتخفيف الضغط علي المواطن اقتصاديا وسياسيا، تلك الدفعة يجب أن تكون شعبية في المقام الأول، بإشعال شرارة ثورة داخل الشارع المصري إلي جانب مجموعة إجراءات حقوقية وقانونية دولية للضغط الخارجي علي النظام وعلي العالم بالتوازي لتعطي مسوغا قويا للتدخل للخلاص من هذا الكابوس القابع علي صدر الشعب المطحون .

 إن العالم اليوم أعطي إشارة خضراء للثوار أن يتحركوا وللمعنيين أن يصولوا ويجولوا قبل أن تضيع الفرصة في متاهات أروقة المنظمات الإدارية، فهل يفعلها الشعب المصري بوعي هذه المرة؟

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه