هل تجبر المعارضة أردوغان على الذهاب لانتخابات مبكرة؟

وبعيدا عن مشروع القناة، قام إمام أوغلو، في إطار حربه على العدالة والتنمية بتجميد وإيقاف عدد من المشروعات العملاقة داخل اسطنبول

 

يبدو أن الحرب التي تقودها المعارضة التركية حاليا بزعامة حزب الشعب الجمهوري ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم ستزداد عنفا وشراسة خلال الفترة المقبلة، وذلك في إطار محاولات الضغط على الحكومة ووضعها في موقف المدافع عن سياساتها، سواء ما يختص منها بممارساتها على الصعيد الداخلي أو بمواقفها في الملفات الخارجية.

ويبدو أن هذا كله يأتي تمهيداً للإعلان عن رغبتها في الدعوة لانتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، وإجبار الحكومة على القبول بذلك الطرح إذا كانت تُريد إيقاف الحملة الإعلامية ضدها، وتصر على المضي قُدما في سياساتها، متجاهلة الرفض الذي تبديه المعارضة وكتلتها التصويتية.

رفض سياسة الحكومة في ليبيا وسوريا ومصر

فعلى صعيد السياسة الخارجية تكتلت المعارضة التركية المتمثلة في أحزاب الشعب الجمهوري، والخير، والشعوب الديمقراطي، والسعادة، ضد مذكرة التفويض البرلمانية، التي منحت الحكومة الإذن لإرسال قوات تركية إلى ليبيا، معتبرة أن ذلك يلحق ضررا بالغا بتركيا، ويعرض حياة جنودها للخطر.

بينما عرضت ميرال أكشينار زعيمة حزب الخير، في مؤتمر جماهيري، الذهاب إلى دمشق، وفتح الباب أمام محادثات مباشرة مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد لحل مشكلة الأربعة ملايين لاجئ سوري المقيمين في تركيا، بما يضمن عودتهم إلى بلادهم، ورفع العبء عن كاهل الدولة التركية، وهو العرض الذي لاقى تأييدا وترحيبا من باقي أحزاب المعارضة التي تخالف حزب العدالة والتنمية سياسته في هذا الملف.

بينما طالب كمال كيليشدار أوغلو زعيم المعارضة أمام كتلته البرلمانية بضرورة فتح صفحة جديدة مع مصر، معربا عن دهشته من استمرار الخلاف مع القاهرة على مدى ما يقارب السبع سنوات، مشيرا إلى الخسارة الفادحة التي تخسرها تركيا نتيجة لذلك الخلاف على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

إعلان الحرب على مشروع قناة إسطنبول

أما على صعيد السياسة الداخلية، فقد اختارت المعارضة لتلك المعركة عنوانا رئيسيا وهو معارضة مشروع قناة إسطنبول، وهي المعركة التي يقودها ويتصدر معطياتها رئيس بلدية المدينة أكرم إمام أوغلو الذي يستقبله رؤساء الأحزاب الأخرى استقبال الفاتحين.

إمام أوغلو قام أخيرا بإعلان انسحاب بلدية المدينة من بروتوكول التعاون، الذي سبق إبرامه بين الرئاسة السابقة لإسطنبول والعدالة والتنمية لتنفيذ المشروع، بحجة أن توقيعه تم بشكل غير قانوني.

ولم يكتف بذلك بل يقود بنفسه حملة إعلامية واسعة النطاق ضد المشروع، مستخدما في ذلك الصحف اليومية والقنوات الفضائية الداعمة للمعارضة، إلى جانب قناة التلفاز الداخلية بوسائل النقل داخل المدينة.

وذلك تحت شعار” يا القناة، يا إسطنبول” في محاولة لإثارة الرعب والخوف في نفوس سكان إسطنبول، بالحديث المستمر عن حجم الخطورة القصوى التي يمثلها المشروع على المدينة التاريخية.  مدعيا أن تنفيذ هذا المشروع العملاق يعد خيانة عظمى للإرث التاريخي والحضاري لإسطنبول، ومدمرا لبيئتها، ومهددا حياة الملايين القاطنين فيها، الذين سيتعرضون لكارثة العطش نتيجة خسارة المدينة لمواردها المائية، إلى جانب الخطر المحتمل تعريض حياة ثمانية ملايين نسمة له، نتيجة وقوع الجزر التي سيتم إسكانهم بها على خط الزلازل، الامر الذي سيؤدي إلى عزلهم تمام عند حدوث هزات أرضية.

التخلص من معارضي وجهة نظر إمام أوغلو

وهي الادعاءات التي رفضها ودحضها رئيس قسم البيئة والتحكم في بلدية إسطنبول، الذي أكد أهمية المشروع وسلامة الإجراءات المتخذة بشأنه في التقرير التقييمي الذي أعده وقدمه لرئاسة البلدية حول الأثر البيئي لمشروع قناة إسطنبول، وهو الموقف الذي خسر الرجل بسببه منصبه، حيث قام إمام أوغلو بإعفائه من مهامه الوظيفية بحجة أن ” بلدية إسطنبول لا يمكنها العمل معك”، وذلك بعد أن رفض تبني وجهة نظره.

تصعيد أحزاب المعارضة التركية وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري لحملتها الرافضة لإتمام مشروع القناة، رغم أهميته يثير الكثير من الجدل وعلامات الاستفهام داخل الأوساط الشعبية والنخب السياسية، خصوصا وان هناك الكثير من العلماء والجيولوجيين الذين أكدوا عدم صحة هذه الادعاءات.

مشددين على ان القناة الجديدة لن تؤثر ولن تتأثر بالزلازل، وأن المشروع ليس له أي انعكاسات سلبية على المنطقة التي سيمر بها، وأن من يقول غير ذلك هم من يعارضون تنفيذ المشروع لاسباب خاصة بهم، بهدف إثارة البلبلة والفزع في نفوس المواطنين.

وهو ما يشير بقوة إلى أن رفض المشروع لا علاقة له من قريب أو بعيد بما تروجه المعارضة من مخاطر، وما تثيره في النفوس من مخاوف، تبدو جميعها وهمية، وأن لديها هدفا مستترا، يكمن في إحراج العدالة والتنمية أمام الرأي العام التركي، وإظهاره بمظهر اللامبالي، المندفع لتحقيق حلم من شأنه تدمير إسطنبول وميراثها.   

والدليل على ذلك أن المعارضة لم تكتف بالتصريحات التي تبرر موقفها الرافض للمشروع، بل قامت في تحدي غريب بتهديد المستثمرين والمقاولين وأصحاب الشركات العاملة في مجال الإعمار والبناء من مغبة التعاون مع الحكومة في تنفيذ المشروع، والذي هو عبارة عن مجرى ملاحي سيربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، يهدف في المقام الأول إلى تحسين طرق المدينة البرية والبحرية، وتعزيز بنيتها التحتية، وتخفيف الضغط عن حركة المرور البحري في مضيق البسفور، الذي يعاني ازدحاما خانقا نتيجة تكدس السفن العملاقة به، والعمل على منع حوادث اصطدام ناقلات النفط العملاقة المارة به نتيجة لهذا التكدس، وتداعيات ذلك المحتملة على البيئة البحرية والنباتات الطبيعية في المدينة ومحيطها.

إلغاء مشروعات عملاقة بقيمة 11 مليار دولار

وبعيدا عن مشروع القناة، قام إمام أوغلو، في إطار حربه ضد العدالة والتنمية بتجميد وإيقاف عدد من المشروعات العملاقة داخل اسطنبول، التي بلغ حجمها 80% من إجمالي المشروعات التي كان مقرر تنفيذها، وذلك وفق ما نشرته صحيفتي ” صباح ” و ” حريت ” التركيتين، اللتين ذكرتا أن تلك الاستثمارات تبلغ حوالي 11 مليار دولار، وهو ما يعد خسارة اقتصادية فادحة للمدينة ذات الكثافة السكانية المرتفعة.

ومنها مشروع يختص بمعالجة مياه الصرف الصحي بحجة عدم أهميته، وعدد آخر من المشاريع الخاصة بمواقف للسيارات في عدة أحياء تتميز بالتكدس والازدحام، إلى جانب إصداره قرارات بوقف الدعم المالي عن بعض المؤسسات الخيرية العاملة في مجالات الصحة والتعليم بزعم  إهدار أموال المدينة لصالح أتباع حزب العدالة والتنمية، ومنها مؤسسة ” أنصار ” و” دار الفنون ” و” توجفا “، حيث كتب إمام أوغلو ” لقد أعدت 61 مليون دولار لخزينة إسطنبول كان يتم توجيهها إلى جمعيات خيرية”.

وكذا قيامه بعمليات فصل تعسفي لعدد كبير من العاملين في مقرات بلدية إسطنبول الكبرى، جُلهم من المنتمين لحزب العدالة والتنمية، حيث يفترش عدد منهم أرصفة المقر الرئيس للبلدية احتجاجا على فصلهم من أعمالهم، إلى جانب حظره إطلاق اللحى على سائقي الحافلات بالمدينة، وتغيير شعار تلفاز البلدية وإزالة المآذن والمسجد منه.

وهي الإجراءات التي تستهدف فيما هو واضح، إزالة ومحو كل ما له علاقة بالعدالة والتنمية في اسطنبول، بهدف حث الأخير على الرد والدخول في جدال، قد يفضي في نهاية المطاف إلى الحاجة للدعوة إلى انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، عوضا عن حدوث مواجهة غير محسوبة العواقب إذا استمرت تلك الممارسات المستفزة.

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه