هل انتقاد السّعوديّة هو انتصارٌ وخدمةٌ لإيران؟!

تحميل الذين ينتقدون النّظام السّعوديّ مسؤوليّة أيّ استغلالٍ إيرانيّ وغير إيرانيّ لسياسات ابن سلمان الهوجاء لا يختلف مطلقًا عن تحميل الثّوار السّوريين مسؤوليّة جعل سورية مشاعًا.

يعلو الصّوت بهذا الاعتراض كلّما أقدمَ أحدٌ على انتقاد نظام الحكم في السّعوديّة، ويتمّ اتّهام حالات الانتقاد بأنّها تصبّ في خدمة إيران التي لا تريد بالسّعوديّة وبالأمة خيرًا.

والذينَ يرفعون صوتهم بهذا صنفان من النّاس؛ صنفٌ صادقٌ في تخوّفه، لا يساندُ آل سعود ولا يحبُّهم لكنّه يخافُ من التغوّل الإيراني الذي تعاني الأمّة من إجرامه، ويخشى من استغلال طهران حدوث أيّة فوضى لتسيطر وتتغلغلَ وتدمّر كما فعلت بالعديد من حواضر الأمّة.

والصّنفُ الثّاني هم الذين يردّدون هذا تشبيحًا وبلطجة، فهمّهم الذّود عن نظام الحكم السّعودي، وتُسخّرُ لأجل ذلك وسائل إعلام مرئية، وتُجنّد جيوشٌ من الذّباب الالكتروني.

وهذا الصّنفُ لا قيمة لأيّ نقاشٍ معه، ولكنّ شريحةً ليست يسيرةً يمثّلها الصّنف الأوّل والمتأثرين بهم يُقلِقُهم الانتقاد الذي يرونه يساهم في نقض عرى النّظام السّعودي أو زعزعة أركانه بما يخدم نظامًا لا يقلّ خطرًا ولا إجرامًا وهو نظام إيران.

 مغالطة

من أخطر المغالطات التي يتمّ طرحها في هذا المجال، هو وصف الانتقاد الموجّه إلى حكّام آل سعود بأنّه انتقاد للسّعوديّة، وهنا يبدأ المدافعون باستدعاء مكانة السّعودية وموقعها في قلوب المسلمين، والحديث عن الحرمين وقداستهما.

وهذا المنطق القائم على التّماهي بين الدّولة وحاكمها هو منطقٌ استبداديّ، حيث يعمد الطّغاة على الدّوام على تصوير أنّهم هم الوطن وأنّ الوطن هم، ليغدو انتقادهم خيانةً للأوطان وتطاولًا على المقدَّسات وموالاةً لأعداء الأمّة والدّين.

وهنا لا بدّ من التأكيد على أنَّ السّعودية ليست هي حكّام آل سعود، والملك سلمان وابنه ومن معهما ليسوا هم الدّولة، فتوجيه الانتقاد لهم لا ينبغي أن يوصف بأنه انتقاد للسّعوديّة، كما هو الحال مع كلّ أنظمة الحكم؛ فانتقاد السّيسي ليس انتقادًا لمصر، وانتقاد محمود عبّاس ليس انتقادًا لفلسطين، والهجوم على بشّار الأسد ليس هجومًا على سورية.

ومحاولة ترسيخ هذا التّماهي بين أنظمة الحكم وبين الأوطان يهدف إلى تهييج الشّعوب المفطورة على الدّفاع عن أوطانها لصدّ أيّ هجومٍ يتعرّض له نظام الحكم وهم يحسبون أنّهم يذودون عن الوطن وحرمته.

كما أنّه يساهم في تفتيت الترابط بين الشّعوب وخلق المعارك التي ينتصر فيها كلّ شعبٍ لدولته وحاكمه؛ هذا التفتيت الذي لا يخدم إلّا الطّغاة المستبدّين.

تذرُّع غير منطقي

لا تكادُ تجدُ دولةً أو كيانًا أو جماعةً إلَّا ولهم أعداءٌ وخصوم، وهذا يتطلّب من هذه الكيانات تعزيز جبهاتها الدّاخليّة، وسبيلُ ذلك سماع الانتقادات كلّها من الأصدقاء والأعداء على حدٍّ سواء، وأخذها على محمل الجدّ والتعامل معها بمنطق الإصلاح والتّغيير هذا إن كان نظام الحكم راشدًا يبتغي الإصلاح.

أمَّا إن كان نظام الحكم مجرمًا مستبدًّا فإنّه يرتكز على فكرة أنَّ انتقاده ستضرّ بالوطن، وأنّها عونٌ لإعدائه، وفي هذا محاولة تحميل الآخرين مسؤوليّة ما سيؤول إليه الواقع المتردّي وتبرئة النّظام.

وإنَّ القول بأنّ انتقاد السّعوديّة انتصارٌ وخدمةٌ لإيران يطابق ما يقي النّظام السّوري يردّده وما زال يعمل على ترسيخه بأنَّ انتقاد نظام بشّار الأسد هو انتصارٌ وخدمةٌ “لإسرائيل” وطعنٌ للمقاومة في ظهرها.

وكذلك يوافق ما كانت تعلنه الأنظمة الديكتاتوريّة في القرن الماضي باتّهام منتقديها بأنّهم يخدمون بذلك الإمبرياليّة العالميّة.

وكلّ هذه الدّعوات تهدفُ إلى ترسيخ الاستبداد من جهةٍ وإلى شيطنة المنتقدين من جهةٍ أخرى وتصويرهم على أنّهم خونةٌ للوطن يساندون أعداءه عليه.

من يتحمّل المسؤوليّة إذن؟!

من الطّبيعي جدًّا أن تستغلّ إيران أيّة إرباكات تحدث في السّعوديّة، ومن الطبيعيّ أيضًا أن يسعدها أيّ انتقادٍ يتوجّه إلى حكّام آل سعود وتستفيد منه، لكن هذا لا يعني تحميل المنتقدين مسؤوليّة ذلك أو اتهامهم بخدمة إيران في مطامعها.

فالانتقادات إنّما جاءت نتيجةً لسلوكٍ إجراميّ يصرّ عليه حكّام آل سعود، فهم من يتحمّل المسؤوليّة، فاستبدادهم هو الذي يعين عدوّهم عليهم، وإجرامهم هو الذي يفتح أبواب المملكة على مصاريعها لسيناريوهات التّردّي المختلفة التي تعبر منها المطامع الإيرانيّة وغير الإيرانيّة.

إنَّ تحميل الذين ينتقدون النّظام السّعوديّ مسؤوليّة أيّ استغلالٍ إيرانيّ وغير إيرانيّ لسياسات ابن سلمان الهوجاء لا يختلف مطلقًا عن تحميل الثّوار السّوريين مسؤوليّة جعل سوريا مشاعًا للأطماع والتّدخلات الدّوليّة، بينما يعلم القاصي والدّاني أنَّ النّظام بسياساته الاستبداديّة هو من يتحمّل المسؤوليّة.

وكذلك لا يختلفُ مطلقًا عن تحميل الثّوار اللّيبيين مسؤوليّة التّدخل الدّولي ضدّ نظام القذّافي، وغضّ الطرف عن المسؤوليّة التي يتحمّلها القذافي الذي كان إجرامه الجسر الذي عبرت عليه القوّات الأجنبيّة.

إنَّ الاستبدادَ هو رأس الشّرور في الأوطان، والطّغاة هم الذين يجلبون الغزاة والغلاة، وهم الذين يتحملون المسؤوليّة لا سواهم عن أيّة استباحةٍ للأوطان وإهانةٍ لسيادتها وتخريبٍ لمقدّراتها وإهدارٍ لإمكاناتها.

من يخدمُ الانتقادُ إذن؟!

إنّ انتقاد أيّ نظام حكم يخدم الوطن والشّعب لا محالة، فإن كان هذا النّظام راشدًا فسيكون الانتقاد عونًا له على تصويب المسار والارتقاء بالأداء، ولكن إن كان مستبدًا موغلًا في الطّغيان، فيكون الانتقاد سبيلًا لتعريته وفضحه وفي هذا خيرٌ كبيرٌ للبلاد والعباد.

ولئن كان انتقاد النّظام السّعودي يخدم إيران فهو يقينًا يخدم السّعوديّة أكثر بكثير، يخدمُ السّعوديّة بتعرية الطّغيان الذي يحاول التّستّر بثوب الإسلام زورًا وبهتانًا.

ويخدم السّعوديّة بكشفِ حقيقةِ ما يعانيه الشّعب السّعوديّ الأصيل الذي يستحقّ حكّامًا يحافظون على هويّته وحريته وكرامته ويخدمون مصالحه ويذودون عن حماه ويواجهون المتربّصين بالبلاد جميعًا.

فأيّ انتقادٍ يمسّ حكّام آل سعود يصبّ في خدمة السّعودية التي نريدها قويّة عزيزة تتبنّى قضايا الأمّة والمستضعفين فيها، ولن يخدمَ حكّام آل سعود الذين كانوا وما زالوا حجر العثرة في طريق ثورات الشّعوب التي انطلقت صيحاتها ولن تخبو ما دام في الأرض طغيان واستبدادٌ وعدوان.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه