“هل إنفلونزا الخنازير خدعة؟”

 

الأمر موسمي، وخاصة مع اقتراب فصل الشتاء، ودعوة الأطباء الناس إلى أخذ تطعيم الأنفلونزا، وخاصة الأشخاص المهددين بمخاطر صحية مثل المسنين والمصابين بالأمراض المزمنة، عندها نسمع من يقول إن التطعيم للأنفلونزا هو مجرد خدعة تجارية، وإن كل التخويف من الأنفلونزا هو حيلة تسويقية لبيع التطعيمات، مستشهدين بوباء أنفلونزا الخنازير الذي ضرب العالم في عام 2009.

“إنها مؤامرة أنفلونزا الخنازير” التي يرى مؤيدوها أنها من أكبر عمليات الاحتيال والفساد في العصر، وأن شركات الأدوية كانت تدفع سرا لعلماء منظمة الصحة العالمية ليخوفوا الناس من المرض، والنتيجة ارتفاع أرباح الشركات من أدوية الأنفلونزا.

ويزعم أيضا أصحاب نظرية المؤامرة، أن شركات الأدوية نجحت عبر منظمة الصحة العالمية والجسم الطبي المتآمر معها، في خلق حالة ضخمة من الهستيريا العامة بين الناس.

ولكن ما هي الحقيقة؟

بداية تقتل الأنفلونزا الموسمية سنويا في العالم ما بين 291000 و646000 شخص بسبب أمراض الجهاز التنفسي المرتبطة بالأنفلونزا، وذلك وفقا لتقديرات المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها وشركاء صحيين عالميين. 

والأنفلونزا هو مرض فيروسي شائع ينتشر عن طريق السعال والعطس، ويمكن الإصابة به على مدار العام، ولكنه أكثر شيوعا في فصل الشتاء، ولذلك يعرف المرض بالأنفلونزا الموسمية.

والأنفلونزا ليست ناجمة عن فيروس واحد، بل تحدث نتيجة مجموعة مختلفة من الفيروسات، وعادة فإن الأعراض تشمل الحمى والتعب والضعف والصداع وآلام عامة في الجسم والسعال الجاف، وأيضا سيلان الأنف والعطاس.

إذا كان الشخص بصحة جيدة فإن الأنفلونزا لا تشكل تهديدا خطيرا على صحته، وكل ما يحتاجه هو الراحة في المنزل، والتدفئة وشرب الكثير من الماء لتجنب الجفاف، ويمكن تناول بعض المسكنات لخفض درجة الحرارة العالية وتخفيف الأوجاع إذا لزم الأمر.     

لكن هناك فئات تكون مهددة بأن تتفاقم لديها الأنفلونزا وحدوث مضاعفات، مثل الأشخاص الذين بلغوا 65 من العمر، الحوامل، المصابون بأمراض مزمنة مثل السكري أو أمراض القلب أو أمراض الرئة أو أمراض الكلى أو الأمراض العصبية، ومن يعانون من ضعف في جهاز المناعة.

هؤلاء الفئات أكثر عرضة لأن تكون إصابة الأنفلونزا لديهم أسوأ، أو حدوث مضاعفات خطيرة، مثل التهاب الرئة، وصولا إلى الوفاة. لذلك طور الأطباء لقاحا (تطعيم) للإنفلونزا.

والتطعيم للأنفلونزا يمكن أن يمنع الإصابة بالمرض، فمثلا وفقا لدراسة في الولايات المتحدة، فإنه خلال الفترة 2016-2017، منع التطعيم ضد الأنفلونزا ما يقدر بنحو 5 ملايين و300 ألف إصابة بالمرض، و مليونين و600 ألف زيارة للطبيب مرتبطة بالإنفلونزا، و85000 حالة دخول للمستشفى.

وأيضا وفقا لدراسة نشرت في 2017 فإن لقاح الأنفلونزا يمكن أن يقلل بشكل كبير من خطر وفاة الطفل بسبب الأنفلونزا.

كما تبين أن لقاح الأنفلونزا يقلل من شدة المرض لدى الأشخاص الذين يتلقون التطعيم ولكنهم يصابون بالأنفلونزا، أي أن الإصابة تكون أخف وأعراضها أقل. كما أظهرت دراسة أجريت عام 2017 أن التطعيم ضد الأنفلونزا يقلل الوفيات بالمرض.

ويحتوي لقاح الأنفلونزا الذي يتم إعطاؤه للبالغين على فيروسات الأنفلونزا المعطلة، لذلك لا يمكن أن يسبب الأنفلونزا. بالمقابل يحتوي لقاح أنفلونزا رذاذ الأطفال على فيروسات أنفلونزا حية ولكن ضعيفة لن تؤدي إلى إصابة الطفل بالأنفلونزا. 

ولأنه يمكن أن تتغير الفيروسات التي تسبب الأنفلونزا كل عام، لذلك تحتاج إلى لقاح يطابق الفيروسات الجديدة كل عام. ويوفر اللقاح عادة الحماية لمدة موسم الأنفلونزا في ذلك العام. 

عودة لأنفلونزا الخنازير

أنفلونزا الخنازير هو مرض يصيب الخنازير، ويمكن في حالات نادرة انتقاله إلى البشر، وهو مرض تنفسي شديد العدوى. وهناك عدة أنواع من فيروسات المسببة لأنفلونزا الخنازير، ولكن أكثرها شيوعا H1N1، وهو الذي كان مسؤولا عن وباء عام 2009.

وقتها قالت منظمة الصحة العالمية إن أنفلونزا  H1N1هي فيروس جديد لم يشهده الناس من قبل، ولا توجد أيّ علاقة بينه وبين فيروسات الأنفلونزا الموسمية السابقة، وهو قادر على الانتشار بين البشر، وينتقل بسهولة على غرار فيروس الأنفلونزا الموسمية.

وقتها كان سبب التخوف الكبير من الوباء أنه بالرغم من أن الأنفلونزا الموسمية تحدث كل عام والفيروسات التي تسبّبها تمر في طفرات كل سنة، غير أن كثيرا من الناس يملكون بعض المناعة حيال الفيروس الدائر مما يساعد على الحد من الإصابات. كما تستخدم بعض البلدان لقاحات مضادة للأنفلونزا الموسمية للحد من الحالات المرضية والوفيات.

ولكنّ فيروس الأنفلونزا من النمطH1N1  هو فيروس جديد لا يملك معظم الناس مناعة لمقاومته أو أنّهم يملكون نسبة قليلة منها، وعليه يمكن لهذا الفيروس إحداث عدد أكبر من الإصابات مقارنة بالأنفلونزا الموسمية.

كان هناك أمر مخيف في وباء 2009، ففي حين أن حوالي 90 في المائة من ضحايا الأنفلونزا الموسمية أعمارهم 65 عامًا أو أكثر، كانت 88 في المائة من ضحايا فيروس H1N1 تقل أعمارهم عن 65 عامًا. 

ولذلك عملت منظمة الصحة العالمية وقتها مع مصنعي اللقاحات من أجل تطوير لقاح مأمون وناجع لمكافحة هذا الفيروس، وتكللت بالنجاح وتم إنتاج لقاح لحماية البشر من سلالة أنفلونزا الخنازير H1N1.

أمام هذه الخطر لم يكن أمام منظمة الصحة العليمة سوى تطوير لقاح، بالإضافة للتوعية بوسائل الوقاية ومنع انتقال العدوى.

والآن هل كانت هناك مؤامرة؟ الجواب المحزن هو لا! والحقيقة السوداء والأكثر حزنا هي أن وباء أنفلونزا الخنازير في 2009 كان حقيقيا تماما، في البداية عندما تم الإعلان عن نهاية وباء أنفلونزا الخنازير في عام 2010، ذكرت منظمة الصحة العالمية أن عدد القتلى كان حوالي 18500، وحذرت المنظمة وقتها من أن الرقم يعكس أقلية فقط من الحالات التي تم تأكيدها من خلال الاختبارات المعملية.

ولكن في عام 2012 قالت دراسة نشرت في مجلة لانسيت للأمراض المعدية إن عدد الأشخاص الذين ماتوا نتيجة لوباء أنفلونزا H1N1 لعام 2009 تراوح بين 151700 و575400 في جميع أنحاء العالم خلال العام الأول الذي انتشر فيه الفيروس.

هذه التقديرات كانت أعلى بأكثر من 15 مرة من عدد الوفيات المؤكدة مخبريا التي أبلغت عنها منظمة الصحة العالمية.

الأنفلونزا -بأنواعه المختلفة، الموسمية، الخنازير، الطيور..- مرض خطير، وهو قادر على قتل الملايين، فوباء الأنفلونزا الإسبانية في عامي 1918-1919 قتل 40 مليون شخص، ووباء الأنفلونزا الآسيوية في 1957-1958 قتل من مليون إلى أربعة ملايين شخص في العالم، ووباء أنفلونزا هونغ كونغ 1968-1969 فقتل مليون إلى مليوني شخص، أما إنفلونزا الطيور”إتش5 إن1″ في 2003 فقتل حوالي 400.

تطوير اللقاح

لذلك عند ظهور وباء أنفلونزا الخنازير في 2009 كان على منظمة الصحة العالمية إطلاق إنذار في 11 يونيو/حزيران 2009، والذي رفعته في 10 أغسطس/آب 2010، مع العمل على تطوير لقاح.

البعض يحب نظرية المؤامرة، والبعض الآخر لا يمتلك معلومات كافية عن خطر الأنفلونزا لذلك يصدقون أصحاب نظرية المؤامرة، وعلى الأطباء أن يوضحوا للناس مدى خطر المرض، ويجب على المؤسسات الطبية التعامل بشفافية، والتأكيد للجمهور على أنه لا توجد تضارب مصالح مع شركات الأدوية.

ختاما إن كانت هناك مؤامرة حقيقية، فهي “مؤامرة الاستخفاف بالأنفلونزا”، فالأنفلونزا مرض يؤدي إلى قتل مئات الآلاف سنويا، ويجب علينا التصدي له، بالتوعية والتطعيم وخاصة للفئات الضعيفة صحيا، حتى نحميها ونحمي أنفسنا من هذا المرض، ولا نكون ضحية لمؤامرة الاستهتار بالأنفلونزا!

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه