نوادر وعجائب في مسجد أبي بكر

ولعلك تسأل كيف يقتات إذا وقد انقطع لبيت الله؟ والجواب أن من يعرف أهل الدوحة، ورواد مسجد أبي بكر لا يسأل هذا السؤال

 

في العاصمة الدوحة توجد سلسلة مساجد كبرى بأسماء الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.

وليس مسجد أبي بكر هو الأكبر ولا الأشهر من بينها، لكن شاءت الأقدار ارتباطي به من دون سعي مني ولا ترتيب، وقضيت فيه ستة رمضانات متصلة لا أترك الصلاة فيه إلا مضطرا، وقد رأيت في رحاب هذا البيت من بيوت الله جملة من العجائب والفرائد ما رأيتها في غيره، بل تكاد تتفق كلمة كل من زاره على الشعور بالروحانية والراحة النفسية!

أما ما اجتمع فيه من نوادر فيتلخص في الآتي:

أولا. إمام المسجد:

له قصة نادرة تدخل في نطاق كرامات أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، حيث نشأ نشأة عادية، وتلقى تعليما بعيدا عن كتاتيب القرآن الكريم ، ولم يلتحق بالأزهر الشريف حتى تخرج في كلية التجارة، وكانت اللحظة المفصلية في حياته يوم تعرف على صوت القارئ الإمام محمد صديق المنشاوي، وتعلق بأدائه وطريقة قراءته المفعمة بالحنان المشربة بالحزن، وأصبح يقضي جل وقته في سماعه وتقليده، وقاده ذلك لبدء رحلة حفظ القرآن الكريم وتجويده، وهو في الثالثة والعشرين من عمره، واستغرقت الرحلة ستة أشهر ختم فيها القرآن كاملا، وأتقن تلاوته على طريقة المنشاوي حتى أنه يحفظ وقفاته وسكتاته، ولا يقرأ إلا بطريقته، ويرى أن هذا من الوفاء للشيخ الذي كان سببا في تغيير مسار حياته !

ولما نزل دولة قطر وحل بها حصل على المركز الأول في حفظ القرآن الكريم في مسابقة الشيخ جاسم رحمه الله، ثم حصل على المركز الأول في القراءات التي ضمها إلى قراءة حفص عن عاصم، ولما ذاع صيته عُرض عليه الانتقال إلى كبرى المساجد التي تُنقل منها الصلاة في وسائل الإعلام، فكان يقول لا أرضى بأبي بكر بديلا، وأنا خارج مسجد أبي بكر كالسمك خارج الماء!

ويَؤُم المسجد شبابٌ من كافة الأنحاء لسماع ختمة التراويح وصلاة التهجد بصوت الشيخ المنشاوي.

ثانيا. خطيب المسجد:

قصته لا تقل غرابة عن قصة الإمام فهو جملة من النوادر والمواهب اجتمعت في شخص واحد! فهو أزهري النشأة لكنه أكمل تعليمه الجامعي في الجامعة الإسلامية بالسعودية

فأصبح امتدادا لمدرسة الشيخ محمد الغزالي والإمام القرضاوي مع اعتزازه بالتلمذة على الشيخ ابن باز وابن عثيمين والشنقيطي رحم الله الجميع.

له قرابة مئة وخمسين مؤلفا في نواحي العلم والفكر المختلفة، ويتحدث أكثر من لغة، وله عناية بعلم الخط العربي وله فيه بصمته وطريقته، يكتب القصة ويقرض الشعر، وعمل بالإعلام مبكرا وسجل مع أهم مئة شخصية علمية وفكرية في عصرنا بما يمثل كنزا ليت القائمين على الأرشيف القطري يعيدون نشرها وإذاعتها.

وخطبته في مسجد أبي بكر حلقات مهمة في معركة الوعي تتناول هموم الأمة وتمس جراحها وتتعرض لآخر مستجداتها مع كشف الداء وتقديمة الدواء.

ثالثا. حمامة المسجد:

قضيتُ عامين كاملين في رحاب مسجد أبي بكر وأنا أحسبه من الموظفين في المسجد لأنه لا يترك عملا أو خدمة تتعلق بالمسجد أو رواده إلا ويَسبقُ إليها، ويعامل المصلين كضيوف عليه، ولا يغادر المسجد إلا للنوم ثم يعود سريعا كالنحلة لمعاودة النظافة ومساعدة العمال، وبذل مزيد من العناية والاهتمام، فلا تراه جالسا قط! فهو في حركة دؤوب وعمل متصل مع ضعف في بدنه ومرض مزمن!

ثم علمت بعد ذلك أنه يفعل ذلك متطوعا، ويرى مسجد أبي بكر كل شيء في حياته، ويقول لا أجد راحتي إلا فيه، ولا تفارقني متاعبي إلا وأنا في خدمته، ولا أشعر بالراحة إلا في رحابه.

ولعلك تسأل كيف يقتات إذا وقد انقطع لبيت الله؟ والجواب أن من يعرف أهل الدوحة، ورواد مسجد أبي بكر لا يسأل هذا السؤال.

رابعا. كريمة المسجد:

رابعة الغرائب امرأة من بنغلاديش قدمت مع زوجها إلى قطر قبل عشرين سنة وتعلقت بمسجد أبي بكر فقررت مع عبادة الصوم التي لا تتوقف إلا في الأعياد والأيام التي يحرم فيها الصيام أن تطعم كل صباح عمال مسجد أبي بكر وحراسه، وعمال البنايات المحيطة به، والقطط التي تنتظرها في مكان ثابت بالقرب من ساحاته، مع أنها تسكن في منطقة بعيدة عن المسجد! ويساعدها في ذلك زوجها المدير بإحدى الشركات، وابنها المدرس المساعد بقسم الكيمياء في جامعة قطر.

لم تنته نوادر مسجد أبي بكر وليست هذه آخر عجائبه! فهو بقعة طيبة أقيمت على نية صالحة وبدأ بداية مباركة

(لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ)

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه