نكسة القرن ومتلازمة 30 يونيو

ويستمر الحكم العسكري علي البلاد حتي الخامس والعشرين من يناير 2011 ، حين ضغطت يد الأمن علي أعناق الشعب فأخرجته عن صبره الطويل ،

 

هل أصبح شهر يونيو/حزيران يمثل متلازمة للهزيمة في بلاد العرب؟ هل ارتبط قدوم الشهر بحدوث الكوارث الجماعية والهزائم المحورية والتحولات الاستراتيجية التي تغير من معالم المنطقة جغرافيا وتاريخيا؟ هل وضعت انتكاسة الخامس من يونيو/حزيران 1967 بذور التردي والضعف والانحلال السياسي والفرقة بين الأقطار العربية والاستبداد والقابلية للهزيمة جيلا بعد جيل منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم؟ هل اكتسبت الشعوب العربية صفاتا جديدة منذ ذلك التاريخ الذي اضطرت فيه للتخلي عن مقدساتها تحت شعارات القومية العربية والزعامة الفارغة وفقدان الهوية التاريخية فتشوهت باللامبالاة والبلادة الفكرية نتيجة الهزائم المتكررة والمرتبطة بهذا الشهر حتى أنها استكانت لتسميتها بالنكسة وليس بالهزيمة المنكرة؟

يونيو النكسة

لم يتم تسمية خسارة حرب في التاريخ بلفظ النكسة، إلا في تلك الحرب العجيبة بين العرب مجتمعين في جانب، ودويلة اسرائيل الناشئة علي الأراضي الفلسطينية من ناحية أخري ، أقوال كثيرة تفسر سبب تلك التسمية أهمها أن الجيش المصري لم يحارب بالمعني المعروف ، وأن خيانة ما قد حدثت فاستبقت إسرائيل مصر بضربة عاجلة دمرت الجيش المصري في ساعات معدودة ، وحلق الطيران الإسرائيلي بالقرب في سماء القاهرة ، واستولي علي سيناء كاملة في الوقت الذي كانت فيه الإذاعة المصرية تتغني بالنصر المؤزر، وفي الوقت الذي كانت تحصد فيها آلاف من أرواح الجنود المصريين المحاصرين بسيناء بغير سلاح، ولا غذاء ، ويدفنون في مقابر جماعية ، ويؤسرون بالمئات ، بينما كان الزعيم يتوعد العدو بأن يلقيه في مياه المتوسط

 لم تكن هناك حرب إذن ، إنما كانت هناك ضربة عسكرية شاملة من جانب واحد ، بينما الجانب الثاني بجحافله العسكرية ، وتاريخه القمعي ، وقادته الذين يحكمون البلاد منذ الانقلاب المشؤوم في يوليو/تموز 1952 ساموا البلاد الويلات من القمع والاضطهاد والتنكيل بكل صاحب رأي مخالف لهم ، وعم الظلم والفقر وطالب الزعيم الشعب أن يكتفي بوجبة واحدة إن كان يتناول وجبتين ، وأن يكتفي بكوب شاي واحد اذا كان يتناول كوبين حتي تنهض البلاد من كبوتها وانتكاستها ، وتحمل الشعب الصابر المزيد من إجراءات التقشف كي تحيا الفئة الحاكمة بما يليق بها في قصور صادرتها لتعود ملكيتها للشعب ، فلا هي عادت للشعب ، ولا الشعب عاد لما كان عليه ، وفي ظل الحكم العسكري الذي صنع أجواء الهزيمة المنكرة حين استولي علي الحكم بالدبابة ، فلا هو نجح في الحكم ، ولا هو حافظ علي كيان الجيش المصري لينسحق في ضربة عسكرية تمت في ساعات معدودة من دولة يبلغ تعدادها بكامل طوائفها أقل من تعداد جيش مصر وحدها .

يونيو جديد يصنعه العسكر مرة أخري

ويستمر الحكم العسكري علي البلاد حتي الخامس والعشرين من يناير 2011 ، حين ضغطت يد الأمن علي أعناق الشعب فأخرجته عن صبره الطويل ، وخرج جيل من الشباب بالرغم من أنه لم يشهد حجم الكوارث التي صنعها العسكر أثناء حكمهم البلاد ، لكن مواقع التواصل الاجتماعي أزالت الطوق المفروض بين الشعوب ، وأحدثت حالة من التنوير ، وقربت المسافات وجعلت العالم يبدو في تواصله كالقرية الصغيرة ، فاختلطت الرؤى ، وتبادلت الأفكار ، وتسارع انتقال الخبر حتي صار ينقل وقت حدوثه ، وخرجت الشعوب من حالة الحصار الفكري لتنتقل عدوي الحرية أسرع مما يحاول المستبدين التحكم به ، فتنتقل الثورة من تونس لمصر لليبيا فسوريا فاليمن ، وتستطيع الشعوب أن تتحرك بفكر جماعي يتعلم أحدها من الآخر ، ويضيف للآخر خبرة ثورية لم يكن يملكها قبلا ، وللمرة الأولي في مصر يذعن العسكر لرغبة الشعب فيقوموا بالتضحية برأس النظام الذي كان يعد لمشروع التوريث منذ أشهر معدودة قبيل الثورة بعد أن ظن أن هذا الشعب قد مات ، وأن الوقت ملائم ليتنازل عن حكمه لابنه في انتخابات صورية ما هي في حقيقتها إلا مراسم تنصيب بشكل أو بآخر ، وتسقط الإرادة العسكرية أمام الإرادة الشعبية للمرة الأولي منذ أزمنة طويلة ربما لم يدونها التاريخ المعروف ، لكن العسكر الذي أسس لدولة عميقة غرست مخالبها في ربوع البلاد فتحكم في الحياة المدنية والاقتصادية ما كان ليستسلم بتلك البساطة رغم ارتقاء الشهداء ، فيدير المؤامرات ، ويفرق بين الثوار ، ويتآمر علي أول تجربة ديمقراطية تعرفها مصر ، ويكون الجبهات لإسقاط الرئيس ، ويحدد موعد اكتمال المؤامرة في يونيو جديد ، وفي ذكري إعلان فوز الرئيس الشهيد محمد مرسي رحمه الله السابع عشر من يونيو/حزيران 2012 ، يتم الانقلاب عليه في الثلاثين من يونيو/حزيران 2013 ، ويتم اغتياله في السابع عشر من يونيو/حزيران 2019 ، وتنتهي التجربة الوحيدة بعد عام وحيد من الحرية عاشها الشعب المصري ، وما زال يعاني بعدها ويلات الفقر والانتقام العسكري من شعب قرر يوما أن يتحرر ويزيح الآلة العسكرية المسلطة عليه .

صفقة القرن أم نكسة القرن

لم نكن علي يقين منها حتى صرح بها قائد الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي في أحد لقاءاته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وهو يطمئنه على صفقة القرن، وأنه يعمل علي أن تتم، أسماها كوشنر صهر الرئيس الأمريكي ترمب ، بفرصة القرن ، ودعا لورشة البحرين التي ستتم فيها وضع الخطوط الرئيسية للصفقة المشبوهة ، ويتم حث قادة المنطقة العربية علي الحضور ليصل الأمر إلى أن يهدد أحد المسؤولين في اسرائيل بأن بعض الحكام العرب سيذهبون للمنامة صاغرين خوفا علي كراسيهم التي تحميها أمريكا أو كما تدعي.

وأيا كان المسمي لتلك الصفقة فما هي في حقيقتها إلا نكسة جديدة تضاف لسجل الانتكاسات المرتبطة بشهر يونيو/حزيران، وتتم الورشة ويقف المبعوث الأمريكي الصهيوني ليعرض تفاصيل النكسة ويحدد الأدوار، ويوزع المهام، ويلتف حوله الزعماء صاغرين لا يختلفون إلا في قيمة الأرض المغتصبة، وفي الثمن الذي سيقوموا هم أنفسهم بدفعه لبعضهم البعض في ظل غياب الجانب الفلسطيني الرافض للمشهد كلية.

 تبدأ النكسة بالحرب في فلسطين في يونيو/حزيران، واستشهاد عشرات الآلاف من الجنود العرب والمسلمين على أراضيها وعلى الأراضي المصرية والأردنية والسورية، لتنتهي في يونيو/حزيران ببيع الأرض، والتنازل عن الثوابت، ومحاولة تذويب القضية وفرض واقع مر على الشعب الفلسطيني الذي يجد نفسه في خندقه وحيدا يدافع عن شرف أمة يتلاعب بها حكامها.

وما زال الأمل قائما

ومع رمادية المشهد وغموضه في المنطقة ، ومع الحرب التي تتكون إرهاصاتها في منطقة الخليج العربي والتي تحاول إسرائيل إشعال فتيلها ، بينما تحرص الولايات المتحدة علي إبقاء الوضع دون الاشتعال ودون الهدوء كي تستطيع استنزاف أموال الخليج من دون الدخول في حرب محتملة مع الطرف الإيراني يمكن أن تخسر فيها أقل القليل مع ضمان الحصول علي المزيد من أموال النفط السعودي ، فإن  هناك أملا يتولد في بلاد المغرب العربي حيث الجزائر الحرة الصامدة والتي ما زال الشعب فيها يصر علي حصوله على حقوقه كاملة من دون الوقوع في أخطائه السابقة ، ومن دون الوقوع في أخطاء الشعوب العربية الأخرى ، فلا هو استسلم للدولة العميقة في إدارتها لانتخابات جديدة ، ولا هو وقع في الخلاف الداخلي الذي يضعف ثورته وينال من إرادته ، وتلك ليبيا تنتصر إرادتها علي العقيد خليفة حفتر العسكري المارق التابع لدول العداء للربيع العربي ، ثم ها هي الشعوب الفلسطينية والأردنية تنتفض رفضا لصفقة العار الجديدة ، أو نكسة الأنظمة الدخيلة والتي لا تمثل الإرادة العربية ، ولذلك أستطيع أن أقول ، إن تلك النكسات المتوالية ما هي إلا عثرات علي طريق الحرية ، وإن الشعوب لم تمت طالما بقي فيها أحرار يثبتون علي كلمة الحق ولو كان الثمن حياتهم أو حرياتهم ، أو أرزاقهم. إن التاريخ يعلمنا أن الشعوب قد تسكن طويلا ، لكنها حين تنتفض وتغضب ، فلن تقف في طريق غضبتها كل جيوش الأرض مجتمعة .

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه