نجاد وإعلان موت الشيطان في تركيا

عبد القادر عبد اللي*


“سأقدم لكم هذه البشرى؛ اقتربت ساعة موت الشيطان ووحدة الأمم”، أطلق هذه العبارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد من مدينة بورصة التركية أول عاصمة عثمانية في إطار احتفالية نظمتها جمعيات أهلية إسلامية إحياء للذكرى الرابعة لرحيل مؤسس تيار الإسلام السياسي التركي نجم الدين أربكان. لعل هذه العبارة لم تعنِ شيئاً للكثيرين، لذلك نقلتها بعض الصحف التركية بشكل شبه حيادي، مبدية الاستغراب فقط! ولم تجد وسائل الإعلام العربية ما يجذب الاهتمام فيها…
قبل ذلك بكثير سرّبت قوات الإمام الفقيه المقاتلة في سورية “لطميّة” تبشر باقتراب الساعة، وظهور المهدي محددة هذا المكان في حرستا الشام. طبعاً ظهور المهدي مقترن بموت الشيطان عقائدياً…
ظهور المهدي أو المسيح أو ماشيح عقيدة قائمة منذ انتشار اليهودية، وتعلّق الإنسان بها في العصور الوسطى أكثر من بقية العصور، وقد انتشرت فكرة ظهور المخلص، وقتل (أو موت) الشيطان تمهيداً لاقتراب الساعة على نطاق واسع في أوربا، وظهرت بعض الجماعات المسيحية المتطرفة هناك أقنعت الناس بأن عام 1600 ميلادي هو يوم الساعة. وهناك معركة ما ستنشب بين الكفر والإيمان في آخر الزمان تؤدي إلى موت الشيطان ووحدة الأمم على دين الحق والإيمان. وإذا كان العهد القديم والنصوص الفقهية الإسلامية تقر بهذه المعركة دون تسمية، فإن نص العهد الجديد يعطي هذه المعركة اسماً هو “هرمجدون”، وكل من الأديان الثلاثة يعتبر بأن المعركة ستنتهي بانتصاره.. طبعاً نحن نتكلم عن الأديان الثلاثة المؤثرة في منطقتنا، ولا نعرّج على مخلص البوذية والزدشتية ومعركتيهما الشبيهتين أيضاً بما لدى هذه الأديان لابتعادها، وعدم تأثيرها حالياً…
صحيح أنه لم يكن هناك مؤسسات استطلاع رأي في القرن السادس عشر لتقدم لنا نسبة الذين كانوا ينتظرون قيام الساعة، ولكن المصادر التاريخية تقول بأنهم كثيرون، وانتشروا على أجزاء أوربا كلها… وليس لدى أحد مانع من إيمان الناس بقرب الساعة أو موت الشيطان… واحترام العقيدة الأخرى واجب إنساني وأخلاقي، ولكن هل يجوز احترام عقيدة الآخر عندما يؤمن هذا الآخر بضرورة نشر الدمار والقتل وارتكاب المجازر والإبادة من أجل ظهور ماشيح (لدى اليهود) والمسيح (لدى المسيحيين وغالبية المسلمين السنة)، والمهدي ومساعده المسيح (لدى المسلمين الشيعة)!
انتشرت في مطلع الألفية الثالثة أيضاً عقيدة قرب الساعة، ونُسب جورج بوش الابن إلى كنيسة متطرفة تؤمن بإحداث الفوضى في العالم من أجل تقريب الساعة، وربط بعض كتاب الإثارة الحرب الأفغانية والعراقية بتقريب هذه الساعة… وضحك المثقفون كثيراً من هذه الادعاءات، وبالطبع لم يكن هناك ما يثبت عقيدة بوش بإيمانه بإمكانية تقريب يوم الساعة، كما أنه لم يدلِ حتى الآن بأي تصريح حول عقيدته هذه. ولكن لعلها هذه المرة الأولى التي يصرح فيها زعيم سياسي هو محمود أحمدي نجاد بشكل علني عن قرب الساعة، وهو الذي تدور حوله الادعاءات بانتمائه إلى تيار متطرف يؤمن بضرورة بث الفوضى من أجل تقريب قيام الساعة. طبعاً، هو قال “موت الشيطان” وموت الشيطان هو الاصطلاح الذي يؤدي إلى معنى اقتراب الساعة.
صحيح أن أحمدي نجاد لم يعد في الواجهة السياسية الإيرانية، ولم يكن صاحب قرار عندما كان موظفاً برتبة رئيس جمهورية، فالقرار بحسب أيديولوجية تلك الدولة هو للولي الفقيه صاحب السر المقدس، والذي تلفه العصمة باعتباره من آل بيت رسول الله، وأن المسؤولين الذي يُعينون بصفة رئيس أو رئيس حكومة أو وزير هم أولئك الذين سيتحملون الوزر عندما تتخذ القرارات السياسية الخاطئة من أجل المحافظة على عصمة الولي الفقيه. ولكن الحقيقة أيضاً أن أحمدي نجاد ليس ذلك الشخص العادي الذي لا يمثل سوى نفسه ومجرد “كبش فداء” يحمل ذنوب قومه ويهيم بها في البراري على طريقة العقيدة اليهودية. ينتمي أحمدي نجاد إلى تيار عريض في إيران، وهو تيار ينمو باستمرار واسمه “حركة الحُجَتِيَّة” التي تؤمن بضرورة نشر الفوضى من أجل مجيء المخلص، ونشر “الدين الصحيح”.
لا ندري ما إن كانت رسالة أحمدي نجاد قد وصلت إلى الجمهور الذي كان يستمع إليه في مدينة بورصة، ولكن الحقيقية أن ردود الفعل كانت غاضبة، فهناك من أطلق صوت: “ويووووو” الذي يعبّر عن الاحتجاج الساخر أثناء إلقائه الكلمة التي زف بها بشارته بأن موت الشيطان ووحدة الأمم باتت قريبة، ووصلت بعض ردود الفعل إلى درجة محاولة الاعتداء عليه شخصياً، ولكن الشرطة التركية وحراسته الخاصة حالت دون وصول الجماهير إليه.
يمكن أن يقول قائل بأن عقيدة المخلص، وموت الشيطان أو معركة هرمجدون خزعبلات يطلقها كبار السياسيين للتغرير بالبسطاء من العامة لاستخدامهم وقوداً لحرب تخدم مصالحهم أولاً وأخيراً. ليكن، ولكن هذا ما لا يمكن معرفته لأن الإيمان قضية موجودة في قلب الإنسان، ودائماً هناك ما هو مخفي في العقيدة، وحتى إخفاء هذه العقيدة له أسماء، فهناك من يسميها “باطنية” وهناك من يقول إنها “تقية”. ولكن التصريحات الإيرانية المتتالية وآخرها تصريح علي يونسي مستشار خلف أحمدي نجاد، الذي أعلن مؤخراً بأن الإمبراطورية الإيرانية أعيد تأسيسها، وأن بغداد هي عاصمة هذه الإمبراطورية، وأن ثقافة إيران وطابعها هو الذي يطبع بغداد… وتأسيس إمبراطورية الإيمان مقدمة لمعركة قتل الشيطان… وهذا يعني أن القضية ليست مجرد رأي عابر لرئيس سابق لم يكن له صلاحية أصلاً، بل كهانة بمزيد من القتل والدمار والويلات

_______________

*كاتب سوري مقيم في أنقرة 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه