مولانا علي أنطوانيت .. وقطع الجاتوه

على الرغم من التفاف جنود الملك لويس السادس عشر حوله، إلا أن الشعب الفرنسي الثائر بسبب الجوع  اتجه في حشود  غاضبة ووقف أمام قصر فرساي  وحاصره وهو يهتف بغضب وحماس، لأن الأمور وصلت بهم حد أنهم لا يجدون رغيف الخبز، وعندما وصل صوت الشعب الغاضب إلى الملكة ماري أنطوانيت،  (زوجة لويس) وهي في قصرها، سألت من كان حولها من مستشاريها عن سبب غضبة الشعب فأجابوها بأنه غاضب بسبب تردي أوضاع البلد الاقتصادية وعدم قدرتهم على الحصول على الخبز ، فقالت قولتها المشهورة : ” إذا لم يكن هناك خبزٌ للفقراء… دعهم يأكلون كعكاً”!

نجاح الثورة وإعدام ماري ولويس

بعد أن أكملت الثورة الفرنسية دورتها وحكمت على ” لويس” بقطع الرأس ونفذ الحكم في 21 يناير 1793 في ساحة الكونكورد، بينما أعدمت الملكة ماري أنطوانيت في 16 أكتوبر 1793 م، بعد أن اقتيدت بعربة مكشوفة دارت بها في شوارع باريس حيث رماها المواطنون بالأوساخ وكل ما يقع تحت أيديهم، وقصوا شعرها الطويل ثم وضعوا رأسها الصغير في المكان المخصص في المقصلة التي أطاحت برأسها، وكان عمرها 38 سنة حين أعدمت وبقي ولي العهد الطفل وحيدًا في السجن ثم مات بعد فترة متأثرًا بمرضه، وبذلك انتهى عصر الملكية في فرنسا.

رغم أنه لا يوجد دليل على مقولة ” ماري ” عن الخبز والكعك إلا أن الذي ذكر هذه العبارة جان جاك روسو في كتابه الاعتراف.

مفتي الجاتوه

وها هو مفتي مصر السابق علي جمعة يذكرنا بالعبارة بإعادة تكرارها، فقد قال لا فض فوه في برنامج ” والله أعلم”: سمعت واحدة بتقول إنكم بتقولوا بلاش لحمة، إمال حناكل إيه.. لا مش كدة ربنا خلق الإنسان محتاج 3200 سعر حراري في جسمه، وحتة الجاتوه 900 سعر حراري، يعنى لو أكلت حتتين مش هتعشي، ولا هافطر، ثم استشهد بقول الله تعالى “لئن شكرتم لأزيدنكم” “.

يتحدث مولانا المفتي عن قطعة الجاتوه وكأنها من الأشياء التي يعتاد المصريين على تناولها وأن أسعارها في متناول أيديهم، ولا يعلم مولانا العارف بالله أن كثيرين لم يتذوقوا طوال حياتهم قطعة جاتوه واحدة، ولم يروها إلا في التليفزيون والأفلام والمسلسلات، وأن البعض قد تعرف عليها مؤخرا بعد حالة التطور في الأفراح في مناسبة تم دعوته إليها، وكانت هى أول تعارفه بهذه السعرات الحرارية

المفتي السابق تغلب على ملكة فرنسا في وجوده في قصر عاجى بعيدا عن المواطنين الذين لا يجدون لقمة الخبز فيطالبهم بكل أريحية ورضا نفس بأكل قطعتي جاتوه يوميا، وهكذا ستكون كلمته خالدة سوف يتذكرها المصريون عندما تنتهي هذه المرحلة البغيضة، كما تذكر الكتب والحكايات مقولة “ماري أنطوانيت ” والتي ينكر البعض نسبتها إليها أصلا.

سلام مربع للمرضى

وعلى خطى مولانا على جمعة جاء القرار الكوميدي الذي أصدرته وزيرة الصحة الجديدة الدكتورة هالة زايد بتعميم إذاعة السلام الجمهوري ثم قسم الأطباء يومياً بكل مستشفى حكومي، وكأن علاج المرضى وتوفير المستلزمات الطبية سوف يتم من خلال السلام الجمهوري الذي سوف تذيعه المستشفيات، برغم ابتذال النشيد الوطني في صورة كوميدية وغير مدروسة، ولكنها بررت القرار بأنه يهدف لتعزيز قيم الانتماء للوطن لجميع المستمعين في المستشفيات، سواء للمريض أو الأطقم الطبية.

وكأن في هذا القرار رسالة توحي بأن الأطباء والعاملين داخل المستشفيات أقل وطنية وانتماء للبلد وأنهم مقصرون في عملهم، وهو ما يزيد حالة الاحتقان بين المواطنين والأطباء، رغم نقص المستلزمات الطبية والدواء وتقليل ميزانية الصحة عن العام الماضي بنسبة 15%، وأقل من ما هو منصوص عليه في الدستور.

حيث تنص المادة 18 من الدستور المصري لسنة 2014، على أن الدولة تلتزم بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن ثلاثة في المائة من الناتج القومي الإجمالي وتتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وتبلغ موازنة وزارة الصحة والقطاعات التابعة لها 63 مليار جنيه بموازنة العام المالي الجاري 2018/2019 بزيادة بلغت ثمانية مليارات جنيه عن موازنة العام المالي الماضي، إلا أنها تقل عن النسبة الدستورية.

والصرف الصحي للغلابة

وعلى خُطى المفتي السابق  والجلوس في القصور والأبراج العاجية ، يقدم وزير الري الرفاهية للأغنياء في وقت لا يجد الفقراء والفلاحين فيه المياه، حيث قرر ضخ مليون متر مكعب من المياه يومياً للعاصمة الإدارية الجديدة ، وفى نفس الوقت إنشاء 5 محطات على مصرف عموم الشركات في الإسكندرية لتعويض المليون متر التي سيتم ضخها للعاصمة الإدارية ، وذلك في الوقت التي تعانى البلاد من أزمة مياه بعد توقيع اتفاقية المبادئ مع أثيوبيا والبدء في ملء خزان سد النهضة الأثيوبي الذى سيؤدي إلى خفض حصة مصر من المياه بمقدار  25%  سنويا .

ولكنه يتحدث أيضا مثل جنراله عن مشروع المليون ونصف فدان التي سيتم إصلاحها ، دون أن نعرف كيف سيوفر المياه أصلا للأرض التي يزرعها الفلاحون الآن في الوادي والدلتا وليس في الصحراء التي تحتاج لمياه ضعف المياه التي تحتاجها أراضي النهر عدة مرات ولكنه التفكير في الهواء الطلق لا يحتاج لأكثر من هذا ، مياه عذبة من النهر بنسبة تتجاوز الـ 7 % سنويا  من حصة مصر من المياه تذهب للعاصمة الإدارية الجديدة ، من أجل عيون الجنرال وكبار المليونيرات لزوم المنتجعات وحمامات السباحة وعلى الفلاحين إذا اشتكوا أن يأكلوا جاتوه ، أو يشربوا من مياه الصرف الصحي، كما أعلن الجنرال أن مصر ستكون أكبر دولة في المنطقة لديها محطات لمعالجة المياه ، ولم يكذبه وزيره فقد أعلن أنه في إطار سياسة الوزارة نحو استغلال جميع مصادر المياه المتاحة وإعادة استخدام مياه الصرف وبالاشتراك مع وزارة الاسكان والهيئة الهندسية قامت المصلحة بإعداد كراسة الشروط والمواصفات لمحطات عديدة لإعادة استخدام مياه الصرف الصحي ، وإعادة تدوير المياه  .

هم إذن ينظرون للمواطنين على أنهم إذا لم يجدوا الخبز أو اللحوم عليهم أن يأكلوا جاتوه، وإذا لم يجدوا مياها نقية وصالحة للشرب عليهم أن يشربوا من مياه الصرف الصحي بعد تدويرها، وإذا عجزنا عن زراعة الأراضي الصالحة أصلا للزراعة بسبب الشح المائي، فعلينا استصلاح مليون ونصف فدان في الصحراء، فكل موضوع من وجهة نظرهم العميقة يوجد له بديل. ولكن للأسف بديل يثير السخرية بقدر ما يثير المرارة والألم.

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه