موقف الجاميّة المدخليّة من السّلفيّة السّروريّة

كانت السلفيّة السروريّة في مختلف بلدان الرّبيع العربي جزءًا من ثوراتها، وكانت السلفيّة السروريّة في الخليج مصدرًا رئيسًا من مصادر الدّعم بالخبرات البشريّة والدّعم المالي

 

السلفيّة السروريّة هي أحد أبرز وأهمّ تيّارات السّلفيّة ومن أكثرها حضورًا وتأثيرًا في الشّأن العام، وتنسب إلى العالم السّوري محمد سرور بن نايف زين العابدين الذي انشقّ عن جماعة الإخوان المسلمين في ستينيات القرن الماضي وتتلمذ على يديه عدد من أبرز علماء الصّحوة في السّعوديّة وغدوا ينسبون إليه.

والسّلفيّة السروريّة مزيج بين الفكر السّلفي والإخوانيّ، فهي سلفيّةٌ حركيّة استقطبت العشرات من الدّعاة والمفكرين وغدا ينسب إليها كلّ من يجمع بين الانتماء السّلفي والفكر الحركي ولو لم يلتقِ بالشّيخ محمّد سرور بن نايف زين العابدين أو يتتلمذ عليه.

ومن أبرز الرّموز التي تنسب إلى السروريّة الشّيخ سلمان العودة، والشّيخ سفر الحوالي، والشّيخ ناصر العمر.

والحديث عن السّلفيّة السّروريّة يحتاج إلى توسّع في غير هذا الموضع، لكنّ المهمَّ هو التأكيد على أنَّ صعود السّلفية السروريّة كان موضع أرق للنّظام الحاكم في السّعوديّة، لا سيما مع دخول المنطقة في معترك مفصلي عقب غزو العراق للكويت.

لقد كان الاحتلال العراقي للكويت الفتيل الذي أشعل معارك فكريّة علنيّة حامية الوطيس بين المدارس الشرعيّة في المنطقة لا سيما في السّعوديّة والكويت، وقد كانت هذه المعارك صدىً للتّطوّرات العسكريّة والسّياسيّة المتسارعة التي تعصف بالخليج.

معركة العقيدة

عمدت المدخليّة في محاولاتها لضرب التيّار السّروري إلى تركيز سهامها ابتداءً إلى الشّيخ محمد سرور مؤسّس التيّار، فكانوا يرصدون كلّ ما يكتب ويقول ويشنّون المعركة تلو المعركة عليه من خلال تصيّد بعض عباراته وأقواله.

على أنَّ العبارة التي يعدّها الجاميّة الأخطر في كلّ ما كتبه الشّيخ محمّد سرور هي وصفه بعض مؤلّفات العقيدة بالجفاف، وقد ذلك في كتابه “منهج الأنبياء في الدّعوة إلى الله” حيث يقول: ” نظرتُ في كتب العقيدة فرأيتُ أنّها كتبت في غير عصرنا، وكانت حلولًا لقضايا ومشكلات العصر الذي كتبت فيه رغم أهميتها ورغم تشابهه المشكلات أحيانًا، ولعصرنا مشكلاته التي تحتاج إلى حلول جديدة، ومن ثمّ فأسلوب كتب العقيدة فيه كثيرٌ من الجفاف لأنّها نصوص وأحكام، ولهذا أعرض معظم الشباب عنها وزهدوا بها”

وهنا استنفر الجاميّة طاقاتهم وجهودهم للتشنيع على السروريّة من خلال ادّعاء الذّب عن العقيدة التي كانت وما تزال القميص الذي تلبسه السّعوديّة وتكتسب شرعيّة وجودها من رفع شعاره

وهذه العبارة استفزّت عموم المدرسة السّلفيّة فردّ عليها الشّيخ عبد العزيز بن باز والشّيخ صالح بن فوزان الفوزان والشّيخ ناصر الدّين الألباني، وقد وجد الجاميّة في أقوالهم متّكًا للتأليب على السّلفيّة السروريّة عمومًا.

وقد أملى محمّد أمان الجامي شريطًا كاملًا في الرّد على هذه العبارة، وكان ممّا قاله فيه: ” السرورية نسبة إلى محمد سرور زين العابدين، صاحب “منهج الأنبياء”  كتاب خدّاع بعنوانه هدّام للأخلاق مهدّم للعقيدة، داعية إلى عقيدة “الخوارج”، مفسدٌ للشباب يربّي على البذاءة وقلّة الحياء والسبّ واللّعن والتّكفير؛ هذه هي السرورية.

وإن هذه العقيدة التي يتهجّم عليها اليوم محمد سرور زين العابدين، ويزعم أن ” كتب العقيدة كتب فيها كثير من الجفاف، وأنّها غير مناسبة لعصرنا وأنّ معظم الشباب أعرضوا عنها ” هذه الجملة الأخيرة ” أن معظم الشباب أعرضوا عن كتب العقيدة الموجودة في أيدينا” فريةٌ”

معركة التّصنيف

وهذه المعركة افتعلَها المدخليّة بحقّ المخالفين لهم من المدارس والتيّارات والجماعات الإسلاميّة، وكان في عين العاصفة من معركتهم هذه السّلفيّة السروريّة.

وقد استترت هذه المعركة بستار الجرح والتّعديل ونقد الرّجال، فألف ربيع المدخلي كتابه ” منهج أهل السنة في نقد الرجال والكتب والطوائف” وقد ضمّنه منهج المداخلة في التّعامل مع المخالفين، وهاجم فيه الشّيخ سلمان العودة وغيره من رموز السّلفيّة السروريّة، على أنَّ الأوفر نصيبًا من هجومه كان الشّيخ أحمد الصويّان رئيس تحرير مجلّة البيان والمعتقل حاليًّا في سجون النّظام السّعودي.

ممّا دفع الصويّان إلى تأليف كتابه “منهج أهل السّنّة والجماعة في تقويم الرّجال ومؤلّفاتِهم” في الرّدّ على ربيع المدخلي.

وأمام احتدام هذه المعركة التي نزلت من الكتب إلى دروس المساجد والأشرطة التي هي أبرز وسائل الدّعوة في تلكم الفترة، ألّف عضو هيئة كبار العلماء الشّيخ بكر أبو زيد كتابه “تصنيف النّاس بين الظنّ واليقين” في محاولةٍ منه ومن هيئة كبار العلماء آنذاك لوضع حدّ لهذه المعركة التي بدأت تنذر بمخاطر على الواقع الاجتماعيّ السّعوديّ.

لكنّ هذا الكتاب الذي أثنى عليه الشّيخ ابن باز، وارتكز على فكرة تحريم تصنيف النّاس وفق الأهواء ووفق الاختلافات الفقهيّة لم يلقَ قبولًا عند الجاميّة المدخليّة، وكان بعضهم يرى الكتاب مجانبًا للحقّ والصّواب فقط لأنَّ السروريين فرحوا به!! وبقيت المعركة مستمرّة.

انتفاضة “بريدة” والانتصار الرّسميّ للجاميّة المدخليّة

في 1816/آب “أغسطس” من عام 1994م ألقي القبض على الشّيخ سلمان العودة وزجّ به في سجون النّظام السّعودي على خلفيّة انتقاده لرموز في النّظام السّعودي.

هذا الاعتقال جعل الأمور تغلي لا سيما في مسقط رأسه في مدينة بريدة في منطقة القصيم، وقد تعاملت الجاميّة مع حالة الغليان والاحتقان هذه باستفزاز كبير، حيث جاء الشّيخ صالح السّحيمي ـ الأستاذ في الجامعة الإسلاميّة في المدينة المنوّرة ـ ليلقي محاضرةً في جامع الذّياب في مدينة بريدة، فانتفض تلاميذ الشّيخ سلمان وشباب الصّحوة، فمنعوه من إتمام إلقاء محاضرته ثمّ ضربوه وطردوه من المسجد.

وبعدها تفجّرت مظاهرات للاحتجاج على اعتقال الشّيخ سلمان العودة، ووصل المئات من المتظاهرين إلى مبنى الإمارة القديم، وهاجم المتظاهرون باب الإمارة فقامت القوّات السّعوديّة بالضّرب بيد من حديد وقمع الاحتجاجات.

وقد استغلّت الجاميّة المدخليّة هذه الحادثة، فمارست التّحريض الواسع ضدّ السّلفيّة السروريّة، وأغرت بها أجهزة الأمن، وتصدّرت رموز الجاميّة وسائل الإعلام الرّسميّة مُمارِسَةً التّأصيل الشّرعي لوجهة النّظر الاستبداديّة القمعيّة للنظام الحاكم في السّعوديّة، فيمكننا القول أنَّ أهمّ أهداف الجاميّة في تلكم الفترة هو هدم السلفية السروريّة لترتفع المدخليّة على أنقاضها، لكنّها فشلت في ذلك فشلًا ذريعًا.

بعد الرّبيع العربي

كانت السلفيّة السروريّة في مختلف بلدان الرّبيع العربي جزءًا من ثوراتها، وكانت السلفيّة السروريّة في الخليج مصدرًا رئيسًا من مصادر الدّعم بالخبرات البشريّة والدّم المالي.

وقد وجدت الجاميّة المدخليّة في هذا الموقف فرصةً جديدةً لشنّ الحرب المستمرّة علها، منسجمةً في ذلك مع مواقفها من رفض ثوّرات الرّبيع العربي ومساندة الحكّام الطّغاة.

ولم تألُ الجاميّة جهدًا باتّهام السلفيّة السروريّة بالتّغرير بالشّباب وإراقة دمائهم، وقد عبّر ربيع بن هادي المدخلي عن ذلك بجلاء إذ يقول: “جماعات التّكفير والحزب السروري أو القطبي؛ إنّما نشأت وترعرعت على أفكار سيد قطب، يعبّ منها الشّباب وينهلون، وبسمومها يتغذّون ويرتوون، وقلّما تجد شابًّا يريد الإسلام إلّا واحتوته هذه الأحزاب ووجّهته إلى كتب سيّد ليعبّ من سمومها الفتاكة”

ستبقى المدخليّة ترى في السّلفيّة السروريّة فرقةً ضالّة ينبغي القضاء عليها، وهي بذلك تنفّذ أجندةَ حكّام السّعوديّة الذين ضاقوا ذرعًا بالسّروريين فزجوا برموزهم في غياهب السّجون ظنًّا منهم بأنَّ القضبان ستمنع العصافير من أن تطير غدًا.

 

 

 

 

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه