من وحي صورة: أردوغان والسيسي .. يد في يد!

فالصورة التي تجمع بين رجب طيب أردوغان، وعبد الفتاح السيسي؛ يد في يد، هي صورة حقيقية وليس مزورة.

 

ليست “فوتوشوب”، كما يعتقد البعض، فالصورة التي تجمع بين رجب طيب أردوغان وعبد الفتاح السيسي يدًا في يد، هي صورة حقيقية وليس مزورة، ولم تجمعهما بعدها صور أخرى إلى أن يكون كلاهما جزءاً من صورة تذكارية لقادة العالم بعد مؤتمر دولي، يحرصان فيها على ألا يكونا متجاورين أو متقاربين!

وعندما كان من الممكن أن تجمعهما مائدة عشاء واحدة، دعا إليها الرئيس الأمريكي ترمب عدداً من الرؤساء، في الأمم المتحدة (2018)، حضر السيسي ولم يحضر أردوغان، ولم تكن الأسباب مجهولة، فقد كانت معروفة، و”المعروف لا يُعرف”، فقد بدا واضحاً أن الزعيم التركي لن يجمعه لقاء مع السيسي، ربما كان ترمب سيستغله لمحاولة التقارب بينهما!

الصورة اليتيمة، كانت في زيارة للفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع المصري، في عهد الرئيس محمد مرسي، لتركيا، وكانت الزيارة الأولى للوزير المصري وربما ستكون الأخيرة، وكانت في 13 مايو سنة 2013، وذلك بهدف التعاون العسكري بين البلدين، في وقت كانت فيه الدعوة لمظاهرات ضد الرئيس مرسي يوم 30 يونيو، يجري الاستعداد لها على قدم وساق، وإن لم تكن الدعوة الوحيدة أو الأولى، فقد سبقتها دعوات عدة منذ الأيام الأولى للرئيس في القصر، وكانت  المرة الأولى هي الدعوة لمظاهرات يوم 24 أغسطس 2012، لكنها فشلت بسبب القرار الشجاع للرئيس مرسي بعزل وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي، ورئيس الأركان الفريق سامي عنان، فاختفى الداعون لهذه المظاهرة (التي لم يشارك فيها سوى العشرات).

مائدة ترمب التي لم يحضرها أردوغان
الصورة اليتيمة:

هي صورة يتيمة لأنها كذلك تبدو الوحيدة التي نشرت لهذا اللقاء، وإن لم يبثها الإعلام المصري، ونشرت في الصحافة التركية، فقد اكتفى الاعلام المصري بالإشارة للزيارة، بدون صورة وبدون تفاصيل، وبعض القنوات التلفزيونية مثل “سي إن إن”، نشرت صورا عن حضور السيسي ولم تنشر هذه الصورة، التي وصلتني من موقع تركي، وإن كانت جريدة “النهار” اللبنانية، نشرتها مؤخراً ضمن تقرير عن إمكانية المصالحة بين النظامين؛ التركي والمصري، ولم تكن بجودة  عالية، بما يشير بأن مصدرها ليس وكالة للصور، أو خاصة بمراسل الجريدة، فعدم الجودة يؤكد أنها مأخوذة صحيفة أو موقع، هو تركي في الغالب!

واللافت أن الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة المسؤولة عن نشر الأخبار الخاصة بوزير الدفاع والجيش، لم تهتم بإرسال صورة اللقاء للصحف ووسائل الاعلام الأخرى، فهل كانت تنظر إليه على أنه “لقاء الضرورة” التي تقدر بقدرها، حيث كان واضحاً أن السيسي قد عقد العزم على استغلال هذه المظاهرات في حال نجاحها، ليرتب للانقلاب العسكري، وهو الموقف الذي بدأ يتبلور لديه في مارس من نفس العام، أي قبل هذا اللقاء بشهرين. إذن لماذا سافر لتركيا البلد القريب من الرئيس مرسي؛ والذي يعد مثالاً للحكم المدني المنتخب الذي قطع صلته بالحكم السابق وبالانقلابات العسكرية، ثم يكون اللقاء ليس لمشاورات سياسية ولكن لبحث التعاون العسكري بين البلدين؟!

ربما كان اللقاء تكليفاً من الرئيس مرسي حرص السيسي على الاستجابة له، ضمن خطة الخداع التي اعتمدها، ثم إنه دائماً ما يترك الباب مواربا للرجوع ويعمل حساب خط الرجعة، فيقوم بالانقلاب ولا يحل مجلس الشورى بأغلبيته المنتمية للإخوان إلا في وقت لاحق، بل ويدعو الدكتور سعد الكتاتني للحضور في المشهد بصفته رئيساً لحزب الحرية والعدالة “الذراع السياسي لجماعة الاخوان المسلمين”، ويبدو مرناً في المفاوضات مع الوفود الأجنبية، لدرجة أنهم خرجوا باعتقاد أن المشكلة ليست في السيسي ولكن في قيادات أخرى بالجيش، والذي تبين بالوقت أن الأمر كله كان في حدوده وحدود رئيس الأركان اللواء صدقي صبحي!

وربما كانت الزيارة محددة سلفاً، وقبل أن يعقد العزم على الترتيب للانقلاب العسكري، وليس من المناسب الاعتذار، فقد يكلف الرئيس غيره من قيادة الجيش للسفر، ثم إن تقديم أعذار غير مقبولة قد يكون سبباً في زرع بذور الشك في قلب الرئيس!

وربما وجد السيسي في الزيارة فرصة لسبر أغوار الموقف التركي من الرئيس محمد مرسي، وربما وجد في اللقاء فرصة للتقارب بشخصه، وفي لقاءات في هذه الفترة مع سياسيين مؤيدين للرئيس، أعطى إشارات من بعيد بأهمية أن يكونوا معه. فهل ألمح السيسي إلى شيء من هذا في لقائه مع أردوغان عزز لديه الشعور من احتمال وقوع انقلاب عسكري؟!

صورة من تقرير سي إن إن عن زيارة وزير الدفاع المصري لتركيا
تحذير أردوغان:

لقد روي أن تحذيراً تلقاه الرئيس محمد مرسي من أردوغان بأن المخابرات التركية رفعت إليه تقريراً يفيد التخطيط لانقلاب عسكري في مصر، فهل كان هذا ما رصدته مخابرات بلاده فعلا؟ أم  إن هذا ما استشفه هو من حديث السيسي معه أو مع غيره من قيادات الدولة التركية؟، أم بهما معاً،؟ والشاهد أنه لم تكن هناك محادثات بالمعنى الحرفي بينهما، فلم يكن أكثر من لقاء بروتوكولي عابر، وأن المحادثات كانت مع آخرين، تماما مثل اللقاء الذي جمعه بالرئيس المصري حسني مبارك عند زيارته لتركيا، فقد كانا لا يرتاح كلاهما للآخر، لكن كان هناك عبد الله غول الذي يرتاح له الرئيس المصري!

فلم يكن وجود حكومة من مرجعية إسلامية، سبباً في القطيعة بين البلدين، فقد زار مبارك تركيا في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية ثلاث مرات وفي أعوام 2004، و2007، و2009، بل إن نجم الدين أربكان عندما فاز برئاسة الحكومة التركية زار مصر، مع وجود حملة اعتقالات لقيادات في جماعة الإخوان المسلمين، وقد فاتح مبارك في أمرهم وطلب منه الإفراج عنهم، وروي أن مبارك خرج على القواعد الدبلوماسية وهي يرد عليه بعامية مصرية ترجمت له: “وأنت مالك؟!”.

ومع هذه الخشونة في الرد، إلا أن العلاقات بين البلدين استمرت، حتى بعد فوز تلاميذ أربكان للحكم؛ أردوغان، وغول، وأحمد داود أوغلو، وغيرهم، وقد وقع مبارك معهم في سنة 2005 اتفاقية التجارة الحرة تحت شعار “هيا نصنع معاً”، حيث دخلت حيز التنفيذ في سنة 2007، والتي ضاعفت حجم الصادرات المصرية إلى تركيا، وتقول التقارير إن مليون مصري مستفيدون من العلاقات المصرية التركية!

ومن المقرر أن تنتهي هذه الاتفاقية هذا العام، وهناك حرص من البلدين على تمديدها، وهو ما يعزز لدى البعض أن تتكرر هذه الصورة بين أردوغان والسيسي، فلا تصبح صورة يتيمة، فهل هذا يمكن فعلا؟!

المصالحة:

لقد صدرت إشارات تركية، لاسيما من وزير الخارجية، تؤكد على تقدير تركيا لمكانة مصر، واندفع صحفيون مصريون معرفون بقربهم من الأجهزة الأمنية، للكتابة عن مصالحة بين البلدين، ستسفر عن تسليم المصريين الذين يعيشون في إسطنبول، بمن فيهم الذين حصلوا على الجنسية التركية، لكي يحاكموا في مصر، مع اتفاق بأن يتم تمكين ممثل عن السفارة التركية بالقاهرة من حضور جلسات المحاكمة مع الفريق الأخير.

ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن مصالحة تركية مصرية، فقد كان مخططاً قبل حصار قطر، أن تكون هناك مصالحة برعاية إقليمية، لتشكيل قوة سنية من عواصم في الإقليم لمواجهة الأطماع الخارجية، لكن كان مقرراً أن يكون السيسي ضمن اختصاص رئيس الحكومة التركية، مع بحث ملف المعتقلين، فليست هناك نية لدى أردوغان لتعديل موقفه منه، ولو بأن تقتصر العلاقة على التقاط مثل هذه الصورة، أو مجرد لقاء بروتوكولي بارد كهذا الذي جمعه بالرئيس مبارك في الزيارات الثلاث له، والذي تندر عليه الصحفيون الذين شاهدوه، وهم يدركون أنه رغم أنهما تصافحا وجلسا متجاورين، فإن هذا لزوم التصوير ليظل ما في القلب في القلب.

مبارك وأردوغان ثلاث لقاءات بروتوكولية
اختصاص الإماراتيين:

لا يمكن إتمام مصالحة في الأمد المنظور، لأن ملف العلاقات المصرية الخارجية بعد يوليو 2013، هو اختصاص الإماراتيين لا ينازعهم أحد فيه، والعلاقات بين تركيا والإمارات ليست على ما يرام، والإمارات التي أفسدت المصالحة مع قطر أكثر من مرة لا يمكن أن تسمح بإقامة علاقة طبيعية بين القاهرة وأنقرة، فكيف يتأتى هذا مع حديث إعلاميين مصريون عن مصالحة وتسليم المعارضين والحال كذلك؟!

لقد كانت القطيعة بعد الانقلاب، هي القسمة فيما يملك كل من النظامين، لكن ظلت العلاقات الاقتصادية متجاوزة لهذا الخلاف، بل وشهدت طفرة مهمة في سنة 2018، حيث بلغ حجم الصادرات المصرية لتركيا 2.2 مليار دولار في مقابل زيادة في حجم الصادرات التركية وصلت إلى ثلاثة مليارات دولار، كما شهد الميزان التجاري بين البلدين نمواً بنسبة 20 في المئة!

ومع الحرص من الجانب المصري بالتركيز الإعلامي على العداء مع الدولة التركية، لاسيما وأن كثيرا من وسائل الإعلام في مصر إما أنها مملوكة لأبو ظبي، أو أنها تقوم بتمويلها، فإن الملف الاقتصادي يظل بعيداً عن التناول الإعلامي ومسكوتا عنده، لهذا فإن المواطن العادي قد يفاجأ بهذا التعاون الاقتصادي، ولأن كلا البلدين ليس مستعدا لإنهاء اتفاقية التجارة الحرة، فمن هنا يأتي الترويج لفكرة المصالحة، وأن الثمن الذي ستحصل عليه مصر كبير، يتمثل في استلام المعارضين لتقر الأعين، على النحو الذي يروج له صحفيون مرتبطون بالأجهزة الأمنية من باب الاحتياط، إذا تم الأخذ بفكرة تمديد الاتفاقية، ولم يتدخل طرف آخر معلوم بالاسم والرسم، فحرض على الاكتفاء بهذا القدر منها!

ومهما يكن، فإذا كانت المصالحة لن تفضي إلى تسليم المعارضين، فإن توقيع الاتفاقية لا يستدعي مصالحة بين البلدين، ليظل الاقتصاد يسير في طريقه بعيداً عن القطيعة السياسية.

إن هذه الصورة اليتيمة ستظل يتيمة، وفق حسابات الحاضر.

مما كتب عن المصالحة وتسليم المعارضين

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه