من صلاح نصر.. إلى خليفة حفتر!

 

عندما صدر كتاب اعتماد خورشيد، عن انحرافات المخابرات، غضب الناصريون في مصر، وقاموا بحملة ضد الكاتب الكبير مصطفى أمين، لاعتقادهم أنه من كتب الكتاب، ضمن حملته على المرحلة الناصرية، وخطته لتشويه العصر الناصري!

وكانت صحيفة “صوت العرب” تصدر أسبوعياً، فأعادت نشر قضية التخابر لمصطفى أمين، ومعروف أنه سجن لاتهامه بالتخابر مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهى قضية يطول الكلام فيها، على نحو يخرج بالمقال عن موضوعه!

وبعد ذلك أغلقت “صوت العرب” بقرار إداري، وإذا كان القانون يحظر اغلاق الصحف بالطريق الاداري، فقد تفتق ذهن نظام مبارك عن خطة جهنمية، تمثلت في قيام محافظ القاهرة بحل الجمعية التي تصدر “صوت العرب”، دون التعرض للجريدة، لكن بإلغاء الأصل سقط الفرع، وهى مسألة لم تعالج تشريعياً إلى الآن، فإذا كان الدستور يمنع مصادرة الصحف واغلاقها بالطريق الإداري، فماذا إذا أغلقت المؤسسة التي تصدر الصحيفة سواء كانت جمعية أو حزبا!

روح القانون:

لقد عالج القضاء الإداري هذه الإشكالية، بالتعامل مع روح القانون، فقضى برفض اغلاق جريدة “الشعب” بالتنازع على رئاسة حزب العمل، أو بطلب لجنة الأحزاب حل الحزب بما يؤدي إلى تجميد نشاطه إلى حين الفصل في الطلب، أو بحكمه القديم بعدم جواز اغلاق جريدة “صوت العرب”، إذ تعاملت الأحكام مع الصحف بمعزل عن المؤسسات التي تصدرها، فالشك في فهم النصوص فُسر لصالح الحرية!

ولم تنفذ السلطة الأحكام الصادرة لصالح جريدة “الشعب”، وامتنعت لسنوات عن تنفيذ الحكم الصادر لصالح جريدة “صوت العرب”، إلى أن عُزل صفوت الشريف من منصب وزير الإعلام، وعُين رئيساً لمجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة، وقد كان حريصاً على أن يبدو صاحب قرار، وأنه يعمل من أجل توسيع هامش الحرية، إلا فيما يختص بالأمور التي لمبارك فيها قرار، وقد كان يقول إن قرار جريدة “الشعب” عند الرئيس، أما ما دون ذلك فكان هو من يملك عقدته، ولم يكن تنفيذ الحكم لصالح جريدة ” صوت العرب” يحتاج لأكثر من زيارة لرئيس تحريرها “عبد العظيم مناف” لمكتبه، وبينما يحتسي قهوته، كان القرار بالسماح بطباعتها قد تم نسخه وتوقيعه!

كان الراحل “عبد العظيم مناف” في دهشة من أمره، لأن صفوت الشريف لم يطلب منه شيئاً فيما يختص بخط تحرير الجريدة، ولم يعاتبه على شيء، ولم ينتبه إلى أمر آخر، هو أن المعركة التي خاضتها “صوت العرب” ضد كتاب “اعتماد خورشيد”، وضد مصطفى أمين، ودفاعاً عن صلاح نصر، صب في مصلحته ولو من بعيد، باعتباره أحد المتهمين في هذه القضية!

وإذ كان مصطفى أمين قد عُرف بانحيازه للحريات، فقد كان لافتاً أنه لم يكتب كلمة واحدة ضد قرار إغلاق “صوت العرب”، وكان واضحاً أنه تأثر بالحملة ضده التي قامت بها جريدة “صوت العرب”، وعندما سئل عن سبب سكوته قال: “لو كانت جريدة مصرية تصدر بمال مصري لدافعت عنها”. وكان بهذا يشير إلى ما يتردد من أن “صوت العرب” تصدر بتمويل من الزعيم الليبي معمر القذافي!

ناصريون نسبة لمن؟

ومهما يكن، فإزاء حملة الإبادة الإعلامية التي خاضها الناصريون ضد الكتاب ومؤلفته ومؤلفه المتخيل، كتبت أتساءل: هل الناصريون نسبة إلى جمال عبد الناصر أم إلى صلاح نصر؟!

فجمال عبد الناصر هو الذي دان سلوك جهاز المخابرات برئاسة صلاح نصر في هذه الفترة، وهو من قدمه وقدم بعض العاملين معه بعد هزيمة يونيو 1967 إلى المحاكمة، وهو من أطلق على القضية “انحراف جهاز المخابرات”، والحديث عن استغلال الفنانات في الأعمال القذرة أثير من خلال التحقيقات وبمعرفة صلاح نصر نفسه، الذي أعترف بذلك، فيما عُرف بسياسة السيطرة على الفنانات من ناحية واستغلالهن في السيطرة على بعض القادة العرب من ناحية أخرى!

وعبد الناصر هو نفسه من صاح بصوت جهير عقب تقديم هذه القضية لجهات التحقيق وهو يقول: “لقد سقطت دولة المخابرات”!

فإذا كانت الجرائم التي نشرت في كتاب “اعتماد خورشيد” صحيحة، فإن عبد الناصر هو من وقف ضدها، وإذا كانت قضية فساد المخابرات ملفقة، فالإدانة تلحق بالزعيم الملهم، لكنهم آثروا إلا أن يتصرفوا على أنهم “ناصريون” نسبة لصلاح نصر، وليس لجمال عبد الناصر!

الأمر الذي نرى شبيهاً له في التعاطي الآن مع الشأن الليبي، وفي انحياز البعض لخليفة حفتر، وكأنه يمثل الامتداد الطبيعي لخالد الذكر الأخ العقيد معمر القذافي!

القوى المدنية في مصر، وبما فيها القوى اليسارية والناصرية، لم تكن في أيام الثورة في بداية الثورتين الليبية والسورية مع الأسد أو القذافي، بل كانت تعتبرهما امتداداً للثورة المصرية، وإذا كان هناك من ينتمون إلى الحزب الناصري قد ذهبوا لسوريا في هذه الفترة مناصرين الأسد، فقد كانوا يذهبون وهم يتسحبون على أطراف أصابعهم، وكان  هؤلاء قلة يخافون أن يتخطفهم الثوار، ولم يكن لهؤلاء صلة حقيقية بالثورة المصرية، إذ كانوا من معارضة مبارك الرسمية، وكل مطالبهم تتلخص في أن يقال هذا الوزير أو ذاك، مع الإبقاء على كامل النظام وعلى رأسه مبارك!

لكن بوقوع الانقلاب العسكري، تحررت القوى المدنية جميعها مما يربطها بالثورتين الليبية والسورية، وقد بدت البغضاء من أفواههم، بربط الثورتين بالإخوان، فكان الجهر بالمعصية بالانحياز لبشار الأسد، وإذا كان القذافي قد قتل، فقد رأوا في خليفة حفتر، أن فيه من “عظم التربة”، وتمثل “تلبيس ابليس”، في القول إنه الامتداد لحكم القذافي، وإنه ممثل الجيش الليبي، ويواجه التيارات الإسلامية المتطرفة، وقد صاروا في عداء مع هذه التيارات في عموم العالم، فقد كانوا يفتعلون مبرراً للانحياز لقاتل الشعب الليبي وموفد أجهزة الاستخبارات الدولية والإقليمية لإفشال ليبيا!

حفتر والقذافي:

وهم بذلك يتجاهلون، أو لعلهم لا يعرفون أن ولاءهم للقذافي لا يجعلهم البتة في وفاق مع خليفة حفتر، الذي شارك في انقلاب عليه، وعندما فشل انقلابهم تدخلت المخابرات الأمريكية فحمته من الإعدام، وسافر إلى واشنطن تصحبه السلامة، ليُربي في “الحضانة الأمريكية” لربع قرن، وعندما اتجهت النية لإفشال الدولة الليبية بالفتن، كان حفتر جاهزاً لذلك وبدعم من الثورة المضادة في الإقليم!

فضلا عن أن حفتر ليس تعبيراً عن الجيش الليبي، فلم يكن هناك جيش في ليبيا، فقد أنهاه القذافي، ولهذا كانت حراسته من النساء اللاتي قررن الترهبن في خيمته، قبل أن ينتقل العطاء على مليشيات أفريقية، فأي جيش محترم يقبل بهذه الإهانة، لولا أن ليبيا لم يكن لها جيش، ليكون حفتر الآن هو التعبير عنه.

ثم إن تصوير حفتر على أنه المقاوم لجماعات التطرف الديني كاشف عن جهل مطاع، فالسلفية المدخلية هي مع حفتر ضد الثورة، وضد استقرار ليبيا.

إن علميات حفتر العسكرية قتلت الأطفال، وأشاعت الفوضى، وهو أداة إقليمية ودولية لتخريب ليبيا لتمكين الغرب الاستعماري من نهب خيراتها، فلا تقوم لها قائمة!

لقد أمن القوم في مصر بأن القذافي هو وريث عبد الناصر في التعبير عن القومية العربية، ومن ثم نظروا إلى حفتر على أنه خليفته في الملاعب، وغدوا خماصا وبطانا للدفاع عنه، وكما أننا لم نعرف في السابق إن كانوا ناصريين نسبة إلى عبد الناصر أو إلى  صلاح نصر، فنحن لا نعرف إن كانوا عروبيين نسبة إلى القذافي أم لخصمه التاريخي خليفة حفتر، الألعوبة في يد الاستعمار العالمي.

إنه نضال الفراغ القاتل!

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه