من العرش إلى النعش

فقد فازت البطاطس في تلك الاستطلاعات وتقدمت في التصويت الهزلي على تقدم الدولة

ردا على سؤال وجه إلي الجنرال عبد الفتاح السيسي عن بقاء الحكام العرب والأفارقة في الحكم لمدد طويلة؟ قال: “ما فيش حاكم يعيش للأبد في الحكم”، وأكمل رده وهو يكرس نظرية جديدة في حكم الدول وهى أنه “لا يوجد أحد سوف يعيش 100 سنة أو 200 سنة”، والشعب إذا أراد التغيير سوف يغير، وقال الجنرال: وكأنه يفجر مفاجأة من العيار الثقيل إنه لا يوجد رئيس يستمر في منصب الرئاسة للأبد “وكلنا هنموت”! وبعيدا عن ركاكة اللغة والرد، ولكننا فهمنا أنه لا تغيير يتم للحكام إلا على بواسطة “ملك الموت”.

إذن الإجابة جاءت واضحة جلية: نحن سنستمر في الحكم حتى تأتي لحظة الموت، وعندها الشعب هو الذي سوف يغير. جاءت هذه التصريحات العجيبة في خضم فعاليات منتدى شباب العالم في نسخته الثانية؛ والذي عقد في مدينة شرم الشيخ واستمر لأيام أتحفنا فيها الجنرال بكمية معلومات وأقاويل تعتبر اكتشافا في العلوم السياسية والدينية والاجتماعية!

تصريحات هزلية

وكأن الله أراد أن تكون تصريحاته وكلماته وتشبيهاته مادة خصبة للتندر والسخرية؛ فقد جعل من نفسه المؤلف والمبدع لكل ألوان الكتابة الساخرة، وعندما يريد البعض أن يخط بقلمه بعض الجمل الساخرة سيجد نفسه عاجزا عن مجاراة هذا الجنرال العجيب فيما يفعل أو يقول؛ فقد غدا متفوقا، بل ومصدرا للمادة الخام في هذا المجال، فكلما أراد أن ينظر أو يتفلسف في كلامه جاءت كلماته بعيدة كل البعد عن اللغة وعن المصطلحات الصحيحة ، وأصبحت مثارا للسخرية؛ فمرة يقول إنه يريد من العالم أن “ينظر إلى شباب مصر بالبنان” وكأن البنان له عينان ينظر بهما! ولم يخبره أحد وقتها أنه يُقصد بالبنان أطراف الأصابع، وليس أطراف العيون! ومرة أخرى يتحدث عن بناء الدولة وهو يطرح سؤالا في منتهي الجدية الساخرة التي لا يستطيع أن يفعلها أمهر فناني الكوميديا  “عايزين تبنوا بلدكم ولا هندور على البطاطس؟ البلاد بتتبني بالمعاناة “، وكأن هناك علاقة تربط بين الدول والبطاطس، ما دفع الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي لإجراء استطلاعات رأي هزلية عن اختيارات الشعب، هل يريد الدولة أن تتقدم، أم يريد البطاطس؟ وكانت نتائج استطلاعات الرأي مضحكة وساخرة هي الأخرى، فقد فازت البطاطس في تلك الاستطلاعات وتقدمت في التصويت الهزلي على خيار “تقدم الدولة”.

الجمهورية الملكية

ونعود إلى بيت القصيد وهو أنه لا تغيير في تلك الدول وخاصة هذه المنطقة من العالم إلا عن طريق الموت سواء اغتيالا أو قتلا أو موتا طبيعيا، المهم ألا يترك الكرسي زعيم ويصبح “الرئيس السابق” إطلاقا!  ما جعل الدكتور زيد خضر الفلسطيني الأصل والذي يعيش في الأردن يعتذر منذ سنوات لطلابه في المدارس والجامعات الذين درس لهم في الأردن وخارجها عن خطأ قوله إن أنواع الحكم في وطننا العربي وغيره من دول العالم هي “ملكي وراثي، وجمهوري، حيث ينتخب الحاكم لمدة معينة تحت أي اسم كان”، حيث ثبت عدم صحة هذا القول في وطننا العربي بالذات، وأن العرب اخترعوا نوعا ثالثا من الحكم، هو “الجمهورية الملكية” أو ما يمكننا أن نسميه تجاوزا “الجملكية”؛ بحيث يبقى الحاكم طيلة حياته ملتصقاً بكرسيه مثبتاً عليه بالمسامير لا يبعده عنه إلا الموت” من العرش إلى النعش.

ولم نسمع عن مصطلح “رئيس عربي سابق”، سوي الرئيس السوداني الراحل “سوار الذهب” الذي توفي مؤخراً، ورؤساء لبنان ذات الوضع العربي الخاص، فكل رؤساءنا إما: ميت، أو مقتول، أو مخلوع، حتى أن الرئيس المنتخب ديمقراطياً لأول مرة في التاريخ المصري محمد مرسي انقلبوا عليه وعزلوه وسجنوه وحاكموه ليحمل لقب الرئيس المعزول.

كما أن هناك تقسيما آخر للحكم في الوطن العربي، وهو أن الكراسي العربية ثلاثة، الأول: كرسي قائم على جثث القتلي وشواهد القبور، والثاني: قائم على فوهات المدافع، والثالث: كما في الجزائر  كرسي متحرك، وهكذا أصبح الكرسي في بلادنا باهظ التكاليف، فأصبحنا نخاف منه، ومن اليوم الذي يتغير فيه من يجلس عليه.

عزرائيل هو الحل

حتى سنوات قليلة وجدنا وشاهدنا كيف قتل الرئيس الليبي معمر القذافي على أيدي الثوار والغاضبين في ليبيا، ومن قبله هرب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي عقب اندلاع الثورة التونسية في 14 من يناير/كانون الثاني عام 2011، وبعدها بأقل من شهر تم خلع محمد حسني مبارك من رئاسة مصر في 11 من فبراير/شباط 2011، عقب ثورة يناير التي أصبح الكل يتحرش بها الآن ويهاجمها بمن فيهم الجنرال الذي حملها كل ما تعانيه مصر الآن من أزمات اقتصادية وسياسية وأمنية، وقتل على عبد الله صالح الرئيس اليمني السابق، ومن قبله قتل السادات، وقيل إن عبد الناصر مات مسموما، كما خلع الملك فاروق وتم نفيه إلى نابولي في إيطاليا ليلقى حتفه مسموما أيضا في أحد مطاعمها، كل هذا حدث في الحقبة الأخيرة من التاريخ المصري والعربي وهو تاريخ ممتد من القتل والاغتيالات حتى بين الأسر الملكية، ليؤكد أن كلام وتصريحات الجنرال حقيقة، فلا تداول للسلطة في هذه المنطقة إلا من خلال العسكر أو ملك الموت، من “العرش إلى النعش”، ولا توجد هناك طرق أخري تسمح بها أنظمتنا الحاكمة لتداول السلطة، ولو كانوا يرغبون في تداولها حقيقة لما تسلطوا وكبلوا الشعوب بكل ما تعانيه من قيود، وتمترسوا خلف المدافع والبنادق موجهين فوهاتها لشعوبهم المقهورة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه