منع الحجّ والعمرة بين “أبو جهل” و”ابن سلمان”

 

سياسة قريش في صدّ النّاس عن البيت الحرام

سُبَّةٌ كبيرةٌ نالتها قريش عندما منعت أهل المدينة من الأنصار من الحجّ والعمرة في الجاهليّة لأنّهم آوَوا محمَّدً صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه.

وقد جهدت قريشٌ في منع المسلمين وكل من له علاقةٌ بهم حتّى أوصَلها طغيانها إلى محاولة منع الشّخصيّات ذات السّيادة والرّمزيّة والتأثير من أداء المناسك

فحاولت منع سعد بن معاذ سيّد الأوس لولا أنَّ سعدًا هدَّد أبا جهلٍ بقطع طريق تجارة قريشٍ إلى الشّام

كما منعَت ثمامة بن أثال سيّد اليمامة من استكمال أداء المناسك وطالبته بالمغادرة وعدم العودة إلى مكّة ممّا حدا به إلى إصدار قرارٍ بالمقاطعة الاقتصاديّة ومنع وصول الحنطة من اليمامة التي كانت يومها خزّان الحنطة في جزيرة العرب؛ ممّا أرغم قريش أن تستجدي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم صاغرةً ليتوسّط لها عند ثمامة ليتراجع عن قراره.

وكذلك منعت قريشٌ النبيّ صلّى الله عليه وسلم وأصحابه من المهاجرين من العمرة وما دخلوها إلّا في العام السّابع بموجب صلح الحديبية.

ولمّا نزل الرسول صلى الله عليه وسلم بالحديبية أرسل عثمان بن عفّان رضي الله عنه إلى قريش وقال له: أخبرهم أنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عُمَّارًا.

فانطلق عثمان فمرّ على قريش، فقالوا: إلى أين؟ فقال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخبركم أنه لم يأت لقتال، وإنما جئنا عُمَّارًا

ولكنّ قريشًا رغم كلّ هذا التّصريح بأنَّ المراد هو العمرة فقط وليسَ أيّ شيء آخر؛ إلَّا أنَّ قريشًا منعت عثمان رضي الله عنه من الحجّ واعتقلته على الفور وتسبب حبسه بالتّأخر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسرت شائعة بأنَّ قريشًا قد قتلته فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أصحابه إلى البيعة فكانت بيعة الرّضوان.

وفي منع قريشٍ للمسلمينَ ومن له علاقةٌ بهم من الحجّ والعمرةِ نلحظٌ أمرَين.

الأوّل: أنّها كانت تعيشُ أزمةً أخلاقيّةً في سمعتها أمام العرب الذين كانوا ينظرون إلى قريشٍ باستغرابٍ وسخط من هذا السّلوك غير المعهود والمقبول في منطق المروءة حتّى مع العدوّ.

والثّاني: أنَّ قريشًا منعت عن البيت من سَفّه آلهتها، وخرج عن معتقدِها، ورفض الخضوع لأصنامها، بينما لم تمنع على الإطلاق أيّ شخصٍ اتّفقت معه في المعتقد مهما بلغت عداوتها معه لأسبابٍ قبليّةٍ أو سياسيّةٍ واقتصاديّة، وكان هذا عندها عارًا عظيمًا لا يمكنها ولوج غماره أو التلبّس به.

ماذا يفعل ابن سلمان؟!

أمَّا ابن سلمان في السعوديّة الجديدة اليوم فيمنع كلّ من يختلف معه في الموقف السياسي أو التوجّه الفكري؛ فيمنع كلّ المنتمين إلى جماعاتٍ تمّ تصنيفها “إرهابيّة” منعًا صريحًا أو ضمنيًّا.

كما يمنع من الحجّ والعمرة كلّ من ينتمي إلى دولةٍ بينه وبينها خصومة، فهناك شعوبٌ لم تحجّ للعام الثّالث على التّوالي هذا العام بسبب منع ابن سلمان؛ وهذا ما لم يفعله أكابر مجرمي قريش من قبل.

وهناك رعب يساور الكثيرين من فكرة الذّهاب إلى الحجّ خشية اعتقالهم وتسليمهم لأنظمة تطلبهم للإعدام مثل السيسي وحفتر.

عن تسييسُ الحجّ؟!

لم تفتأ سعوديّة ابن سلمان تعلن على الدّوام رفضها لتسييس الحجّ، وتجنّدُ العلماء والدّعاة والكتّاب ووسائل الإعلام لبيان الجريمة العظيمة التي يرتكبها من يستغلّون الحجّ لأغراضهم السياسيّة.

ولكن أليسَ منع كبار العلماء والرّموز المعارضين لسياسة المملكة تسييسًا للحج؟!

ثمّ ماذا عن شعور المعارضين لأنظمة الثّورات المضادّة بالرّعب من الذّهاب إلى الحجّ ليقينهم بأنَّ نظام ابن سلمان سيسلّمهم لحفتر والسيسي ليقتلوهم؟ أليسَ هذا تسييسٌ للحجّ؟!

أليسَ منع شعبٍ بأكمله من الحجّ بسبب خلاف سياسيّ مع تلك الدولة هو استغلالٌ بشع وقبيح للحج من أجل أغراض سياسيّة انتقاميّة؟!!

إنَّ الإسلام الذي تدّعي سعوديّة ابن سلمان أنّها حاملة لوائه ورافعة رايتِه يرفض صدَّ النّاس عن البيت الحرام ومنعم من الحجّ والعمرة بسبب أيّ خلاف سياسيّ.

وقد جسّد ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين كان خليفة المسلمين وحاكم الدّولة الإسلاميّة وأعلنت فئة الخوارج خروجها عليه بل أعلنت تكفيره واستباحة دمه؛ لكنّه مع ذلك لم يمنعهم حقّهم في دخول المساجد وممارسة الشّعائر دون خوف أو تعرّض لهم، وأعلن مقولته المشهورة: “لهم علينا ثلاث: ألا نبدأهم بقتال ما لم يقاتلونا، وألّا نمنعهم مساجد الله أن يذكروا فيه اسمه، وألا نحرمهم من الفيء ما دامت أيديهم مع أيدينا”؛ فأين هو نظام ابن سلمان من هذا؟!!

 إنَّ أبا جهلٍ يواري وجهه اليوم خجلًا من هزيمته أمام الذين يصدّون المؤمنين عن البيت الحرام الذي جعله الله مثابةً للنّاس وأمنًا

ولعلّ أميّة ابن خلف يمسكُ رأسه بكلتا يدَيه مشدوهًا من مبالغة مَن جاؤوا بعده من أحفاده في الإجرام المُسِفّ بحقّ أحرارٍ تتوقُ قلوبهم وأرواحهم إلى البيت العتيق.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه