منطقة آمنة من دون تركيا

وهو الأمر الذى يعني أن تركيا قد تضطر في مرحلة لاحقة إلى اللعب سياسيا ودبلوماسيا بورقة اللاجئين لوقف محاولات تقسيم الأراضي السورية.

 

رغم الوعود المتكررة التي قطعتها الولايات المتحدة الامريكية للمسؤولين الأتراك، وتواصل الاتصالات بينهما عبر اللقاءات المباشرة والقنوات الدبلوماسية من أجل متابعة عملية الانسحاب الأمريكي من سوريا، وإقامة المنطقة الآمنة التي تفسح المجال أمام عودة ملايين اللاجئين إلى قراهم وديارهم، وأليات إنهاء الازمة السورية سياسيا، بما يتوافق وقرارات الأمم المتحدة، ويحفظ الوحدة الترابية والحدود الجغرافية للدولة السورية، رغم هذا فإن تضارب قرارات البيت الابيض وتباينها، وتحركات القادة العسكريين الأمريكيين على الأرض، تؤكد أن لدى واشنطن مخططات تخالف في طبيعتها وأهدافها ما هو مٌعلن ويٌناقش على طاولات المباحثات السياسية وفي وسائل الاعلام.

تضارب وتباين مواقف واشنطن

فالإدارة الأمريكية بعد أن أعلنت عزمها سحب كامل قواتها العسكرية الموجودة في سوريا، تاركة مهمة القضاء على ما تبقى من عناصر داعش على عاتق الجيش التركي، عادت لتقول إنه ليس لديها مخطط زمني لعملية الانسحاب تلك، وإنها ربما تحتاج ما بين الأربعة إلى الستة أشهر للانتهاء من ذلك، لتٌصرح المتحدثة باسم البيت الابيض لاحقا أن واشنطن قررت الابقاء على مجموعة صغيرة لحفظ السلام تتألف من نحو 200 جندي أمريكي في سوريا لفترة من الوقت،  وبعدها بأيام قليلة يفاجئ الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الجميع بقراره الإبقاء على 400 جندي، مقسمين بين المنطقة الآمنة التي يجري التفاوض بشأنها في شمال شرق سوريا وبين القاعدة الأمريكية قرب الحدود مع العراق والأردن، مؤكدا أن ذلك لا يعني تراجعا عن قراره الخاص بسحب قواته.

ظهور النوايا الحقيقية تجاه سوريا وتركيا

لتبدأ حقيقة النوايا الأمريكية تجاه سوريا وتركيا في الظهور تدريجيا، وهى النوايا التي أفصح عنها بوضوح بيان وزارة الدفاع الامريكية، الذى أعلن أن واشنطن ستٌبقي بضع مئات من جنودها شمال شرقي سوريا، من دون تحديد عدد هذه المرة، لكن مع تحديد لمهمتها وطبيعة عملها، وهي – وفق اعلان البنتاجون- النواة الاولى في القوة الدولية التي سيتم تشكيلها من حلفاء الناتو لإقامة المنطقة الامنة! وذلك لضمان إرساء الاستقرار، ومنع عودة تنظيم داعش.

وبينما تجنب بيان البنتاجون الإفصاح عن هوية دول الناتو التي ستشارك في القوة التي سيوكل إليها حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة الآمنة، فإن أحد المسؤولين العسكريين أوضح لوكالة أنباء الأناضول أن القوة المذكورة ستٌشكل من قوات من كل من ألمانيا وفرنسا، وأن القوات التركية “لن تدخل المنطقة الآمنة”، هكذا وبصورة قاطعة.

 ما يعني أن جميع الاتصالات والزيارات والمباحثات التي كانت تٌجرى منذ اعلان ترمب الانسحاب من سوريا وحتى الآن كانت مجرد مناورة، الهدف منها منع القوات التركية من القيام بالعملية العسكرية التي أعلن عنها الرئيس أردوغان لتطهير شمال شرق سوريا من التنظيمات الإرهابية المسلحة، والانتهاء من كافة الاستعدادات اللوجستية والتقنية التي تتطلبها إقامة مثل هذه المنطقة على اتساع مساحتها، واستكمال الاتفاق مع دول حلف الناتو التي ستشارك بقوات في هذه المهمة، مثل عدد قوات كل دولة ونوعية تسليحهم وطبيعة دورهم في هذه المهمة على وجه التحديد.

استبعاد تركيا لصالح التنظيمات المسلحة

استبعاد تركيا من القوة العسكرية التي يتم تشكيلها حاليا لإقامة المنطقة الآمنة، رغم تأكيد الخارجية الأمريكية التزامها الكامل بالتعاون مع أنقرة حول الانسحاب والمنطقة الآمنة، في نفس الوقت الذى تسربت فيه معلومات مؤكدة عن قيام مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية بعقد 3 لقاءات خلال اسبوع واحد في واشنطن مع قادة تنظيم وحدات حماية الشعب والاتحاد الديمقراطي والعمال الكردستاني، تحت عنوان ” منطقة آمنة من دون تركيا”، أكدت للدول المعنية بالأزمة السورية ( روسيا وتركيا وإيران ) أن واشنطن ليس لديها نية حقيقية للانسحاب من الاراضي السورية، وأنها لن تدعم المحاولات التي تٌبذل من جانبهم للتوصل لحل سياسي للازمة السورية، وأنها تواصل دعمها للخطط الانفصالية التي تتبناها التنظيمات المسلحة التي تصنفها دول المنطقة بالإرهابية.

لافروف يفضح الخطط الامريكية

 وفي هذا الإطار يمكننا فهم الاتهامات التي وجهها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف للولايات المتحدة الامريكية بصورة علنية، حيث اتهمها بالسعي لتقسيم سوريا، وإقامة دويلة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، مشيرا إلى أن مهمة استعادة السيادة والسلامة الإقليمية لسوريا، والتي وقع عليها المجتمع الدولي برمته، بما في ذلك الولايات المتحدة، كانت في واقع الامر بالنسبة لواشنطن مجرد مناورة لتشتيت الانتباه.

هكذا رد الرئيس أردوغان

” نحن من سيكون هناك “هكذا كان رد الرئيس أردوغان على المخططات الامريكية – الأوربية المشتركة بشأن المنطقة الآمنة،  في تصريح لا لبس فيه، تأكيدا على إصرار أنقرة على تولي مهمة إقامة المنطقة الامنة والاشراف الكامل عليها بمفردها، وذلك لتحقيق عدة اهداف أساسية ، أولها وأهمها ضمان تطهير المنطقة من التنظيمات المسلحة مثل وحدات حماية الشعب والعمال الكردستاني، ووفاء واشنطن بوعدها المتمثل في جمع كافة الاسلحة الثقيلة والخفيفة التي قدمتها لهذه التنظيمات، والتصدي لأية محاولة تستهدف إقامة كيان سياسي بها يفتت الوحدة الترابية للأراضي السورية، ويمثل تهديدا حقيقيا للأمن القومي التركي، متوعدا باتخاذ مواقف وقرارات مغايرة في حال استشعر أن هناك محاولة من جانب واشنطن لإلهاء تركيا.

الرئيس أردوغان بدأ فعليا في اتخاذ مواقف اكثر تشددا تجاه التحركات الأمريكية – الأوربية، أعلن أن بلاده لن تستطيع تحمل العبء بمفردها في حال حدوث موجة هجرة جديدة، وأن الصيغة التركية للمنطقة الآمنة هى الأنسب لعودة اللاجئين السوريين، وأن الدعم المالي واللوجيستي الأوربي للمنطقة الآمنة سيمثل إسهاما في أمن أوربا، من خلال الحيلولة دون تدفق اللاجئين إليها، مهددا في حال الفشل في إعادة ملايين اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا لمناطقهم عبر المنطقة الآمنة، فإن المشكلة ستمتد إلى أبواب أوربا عاجلا أم أجلا، وأنه على الجميع أن يعي ذلك جيدا.

إشهار ورقة اللاجئين في وجه أوربا

 وهو الأمر الذى يعني أن تركيا قد تضطر في مرحلة لاحقة إلى اللعب سياسيا ودبلوماسيا بورقة اللاجئين لوقف محاولات تقسيم الأراضي السورية، وتهديد أمنها القومي، ومنع الولايات المتحدة من إقامة دويلة في الشمال السوري تكون بمثابة الشوكة في خاصرتها، مستعينة في ذلك بالأوربيين الذين يخشون فعليا من مسالة تدفق اللاجئين إلى أراضيهم، وهي المهمة التي تقوم بها تركيا على أكمل وجه، رغم عدم وفائهم بتعهداتهم المالية المقررة بـ6 مليارات يورو للمساعدة في توفير بيئة مناسبة للاجئين داخل تركيا الدولة المضيفة، التي لم تتسلم سوى مليار و750 مليون دولار فقط، فيما قامت تركيا بصرف اكثر من 37 مليار دولار لصالح اللاجئين.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه