ممدوح الولي يكتب: مبنى ماسبيرو والحلول الفهلوية

بلغت خسائر اتحاد الإذاعة والتلفزيون المتراكمة حتى يونيو من العام الماضي 27.7 مليار جنيه، منها 4.5 مليار جنيه تخص العام المالي الأخير وحده، بمتوسط شهري للخسائر 375 مليون جنيه، على أقل تقدير 31 مليار جنيه. يتبع

*ممدوح الولي

بلغت خسائر اتحاد الإذاعة والتلفزيون المتراكمة حتى يونيو/حزيران من العام الماضي 27.7 مليار جنيه، منها 4.5 مليار جنيه تخص العام المالي الأخير وحده، بمتوسط شهري للخسائر 375 مليون جنيه، أي أن الخسائر المتراكمة قد بلغت حتى شهر فبراير/شباط الحالي ، على أقل تقدير 31 مليار جنيه،
إن لم تزد على ذلك.
فالخسائر السنوية في ارتفاع مستمر، فقبل خمس سنوات كانت الخسائر 2.7 مليار جنيه بالسنة، لتزيد بالعام التالي إلى 3.3 مليار جنيه ، ثم تصل قبل ثلاث سنوات إلى 3.8 مليار جنيه، لتواصل ارتفاعها قبل عامين إلى 4.3 مليار جنيه ، ثم  إلى  4.5 مليار جنيه قبل عام.

ولا تقتصر كارثة الاتحاد على خسائره السنوية المتزايدة، إذ بلغت ديونه المتزايدة أيضا خاصة من بنك الاستثمار القومي، والتي بلغت قبل عامين 16 مليار جنيه، ولا أمل في سداد كل من القروض والخسائر، في ضوء الفجوة الضخمة بين الإيرادات والمصروفات، وضعف المردود الإعلاني وخسائر الإنتاج.  ففي العام المالي الأخير 2014 / 2015 بلغت المصروفات 6.1 مليار جنيه، بينما بلغت الإيرادات 1.6 مليار جنيه.

وتقوم الدولة بتحمل تلك الفجوة ، من خلال المساهمة السنوية التي تقدمها للاتحاد بالموازنة العامة، ثم بالدفع الشهري لأجور العاملين به بنحو 220 مليون جنيه شهريا، والبالغ عددهم 43 ألف موظف، منهم 4500 موظف بقطاع الأمن، وخمسة آلاف في القنوات الإقليمية الست، وأربعة آلاف بالقنوات المتخصصة الأربعة عشر، وبقطاع الهندسة الاذاعية أكثر من  12 ألف موظف.
ولقد حاولت عدة وزارات الاقتراب من ملف ماسبيرو لإيقاف النزيف، ولكن اعتبارات ما يسمى بالأمن القومي التي تحققه سيطرة الدولة على المبنى بما فيه من قنوات تلفزيونية وإذاعات وعربات بث كان دائما يعطل الحل.
 وكان وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف عندما يطلب تمويلا إضافيا من بنك الاستثمار القومي، يضع عنوانا على طلب التمويل تحت مسمى الأمن الإعلامي، سرى للغاية، وبالطبع لا يستطيع أي مسؤول ببنك الاستثمار القومي أن يتهاون عن حماية الأمن الإعلامي!
وحاولت الدولة عام 1996 وشكلت لجان وعقدت اجتماعات، وأعادت الكرة عام 2008 ، ثم في ابريل من العام الماضي ، وتولى وزير التخطيط ملف إصلاح ماسبيرو ، وعقد اجتماعات عديدة ، تحت رعاية رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب، لكنه لم يسفر عن شيء انتظارا لانتخاب البرلمان الجديد.
وأعطى تردد الحكومة في علاج ماسبيرو عبر سنوات طويلة الفرصة للعاملين به، لرفض أي حل يمس مكاسبهم المتراكمة عبر السنين، وخاصة خلال هوجة ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، والتظاهر المتكرر أمام مكتب الوزير لزيادة المكتسبات.

شروط الحل
وهكذا أصبحت شروطهم للحل ، ألا يضار عامل واحد بالمبنى في راتبه ومكافآته ، أو يتم نقله الى مكان آخر ، وألا يطبق المعاش المبكر ، وألا تتم إعادة هيكلة إدارية ، وتصبح الحلول المطروحة هي رفع المبالغ الذى يتم تحصيلها على فاتورة الكهرباء الشهرية للمواطنين ، من مليمين إلى عدة قروش، لتدبير حصيلة أكبر للمبنى للإنفاق على الإنتاج .
والمطلب الثاني هو إلغاء الحكومة لديون الاتحاد، حتى يستطيع ممارسة نشاطه بكفاءة، حيث إن المبالغ الشهرية التي تدفعها وزارة المالية تتجه كلها إلى الأجور ولا يخصص منها شيء للإنتاج ، مما يعوق ممارسة النشاط الإنتاجي .
أما الحل الثالث في تصورهم فهو بيع جزء من الأراضي الوفيرة التي  يستحوذ عليها الاتحاد بالمحافظات المختلفة، والمنتشرة في 194 موقعا  بأنحاء البلاد بكافة عواصم الوجه القبلي والبحري والإسكندرية والقناة وسيناء والساحل الشمالي، ولكن تلك الأراضي تخصيص ولا يكمن بيعها ، ولذلك مطلوب من الدولة إصدار قرار بملكية اتحاد الإذاعة والتلفزيون لها ، تمهيدا لبيع جزء منها .
وهكذا تبتعد المقترحات عن المشاكل المزمنة للاتحاد والمتمثلة في كثرة العمالة التي لا يحتاجها العمل، وكثرة  القنوات التلفزيونية إلى 23 قناة، وضعف مستوى العمالة فنيا ، حيث تلتقط القنوات الخاصة العمالة الجيدة وتتبقى غير ذوي الكفاءة .
 كما تراجعت نسب المشاهدة للبرامج التلفزيونية الرسمية، وبالتالي ضعف المردود الإعلاني لها ، وسط اتهامات لبعض العاملين بأخذ عمولات من القنوات الخاصة لتحويل الإعلانات الواردة للقنوات الرسمية إلى القنوات الخاصة.
كما لا يقترب أحد من ظاهرة العمالة التي تنتمي إلى أسر معينة توزع أفرادها على قطاعات الاتحاد الاثنتي عشر، والتي تكشفها اعلانات التعازي التي يتم تعليقها أثناء حالات وفاة أحد العاملين ، إذ يحتوى الإعلان على العديد من فروع العائلة موزعين على الإدارات المختلفة .

أيضا المجلة الأسبوعية التابعة للاتحاد والتي تخسر سنويا أكثر من 18 مليون جنيه، كما أن شركة صوت القاهرة التابعة للاتحاد تخسر سنويا ، واذا كان قد تم بيع الحقوق الإعلانية لقناة النيل الرياضية بنحو 45.5 مليون جنيه ، فالمطلوب تكرار التجربة مع قنوات أخرى،  وتوزيع قطاعات الاتحاد على شركات اقتصادية ،  أسوة بما تم مع تجميع عدد من الإذاعات تحت إطار شركة النيل الاذاعية.

إذن الحلول معروفة منذ سنوات، ولكن لا أحد لديه الجرأة للاقتراب من ملف ماسبيرو ، ليستمر نزيف الخسائر التي يتحملها المواطن البسيط دافع الضرائب.
*نقيب الصحفيين المصريين السابق والخبير الاقتصادي
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه