ممدوح الولي يكتب: كيانات ديكورية

يدرك النظام الذى يعتمد على كيانات ديكورية، أنه نظام هش يسهل تداعيه في أي وقت، وأنه لم يقم على أسس قوية، ويفتقد إلى التأييد الشعبي الحقيقي، لذا تراه دائما مضطربًا وخائفًا، ويمعن في التنكيل بمعارضيه بكل الممارسات الشاذة، لإخافة الناس، كي يُغطى على حقيقة كيانه الهش. يتبع


*ممدوح الولي

لخص الناشط جمال عيد موقفه من بعض أعضاء  المجلس القومي لحقوق الإنسان ، عند منعه من السفر ، بتغريدته ” حقوقيون ديكور لدولة الاستبداد ” ذاكرا أسماء بعض أعضاء ذلك المجلس الديكوري.

ولعل سكوت المجلس القومي لحقوق الإنسان عن ممارسات الشرطة والجيش الشاذة تجاه المواطنين العزل، بل وتبريره لها أحيانا، وادعاءاته عن حسن معاملة المعتقلين بالسجون، ومزاعمه بعدم وجود تعذيب، قد أكد ذلك الموقف الديكوري منذ بدايات الانقلاب وحتى الآن.

وفى تصريحات صحفية لرئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان ، لجريدة الجمهورية في العاشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي ، قال إن ” الديموقراطية ليست صناديق انتخابات بل إنها ممارسة”، والسؤال له ولزملائه بالمجلس، هل ما حدث من النظام الحاكم من تعطيل عملي لنصوص الدستور السابق والحالي، واقتحام البيوت وقتل المتظاهرين، يتماشى مع الديموقراطية التي يتشدق بها؟

ملكي أكثر من الملك
وعندما سأله الصحفي عما يقوله البعض عن التصالح مع المعارضين للنظام ، قال “تصالح مع من؟ الإخوان يهددون الناس ويتظاهرون عل طول الخط، ويرفضون مخاطبة الشعب والتنظيم الدولي يشوه سمعة مصر، لذلك لا تصالح”، وهكذا فهو ملكي أكثر من الملك، وكان يفترض أن يتظاهر ولو شكليا بالحياد.

ومع سؤاله عن موقف ثورة يوليو من الديموقراطية، قال ” ثورة يوليو 1952 كانت حريصة على إقامة ديموقراطية سليمة، لأن الديموقراطية التي كانت موجودة قبل الثورة لم تكن حقيقية وكان الملك يتلاعب بالجميع”.

والواقع أن النظام الاستبدادي الحالي في مصر قد حول كل الكيانات إلى مجرد ديكور يزين به المشهد السياسي، وها هى الأحزاب المصرية يتم منع نشاط كل من عارض النظام منها، والزج بقياداتها إلى السجون منذ بدايات الانقلاب وحتى الآن، والسماح فقط للمطبلين.

وفى انتخابات الاتحادات الطلابية بالجامعات ، تم منع ترشيح كل من يُشْتّم منه مجرد اتصال بقوى سياسية مناوئة للنظام، وتم تشكيل الاتحادات في كثير من الكليات بالتزكية لقلة عدد المرشحين، وعندما أسفرت نتائج انتخابات قيادات اتحاد الطلبة عن أشخاص لا يرضى عنهم النظام ، تم تجميد الاتحادات.

ولقد شاهد المصريون عبر شاشات الفضائيات خلو لجان الانتخابات الرئاسية من الناخبين، وهو الأمر الذى تكرر في انتخابات البرلمان، وفى كل مرة يفاجئ الناس بأرقام رسمية عن إقبال على  التصويت بالملايين، ولا يعرف أحد من أين جاءت تلك الملايين؟

وها هو الدستور الذى أتوا به، تم وضعه على الرفوف، حسب تصريحات معلنة من أنصار النظام أنفسهم، بل والتصريح بتعديله، لتخرج تصريحات من بعض نواب البرلمان الجديد، بأن مهمتهم الأساسية هي تعديل الدستور، لتقليل صلاحيات البرلمان، وتوسيع صلاحيات الرئيس!

وما ينطبق على المجلس القومي لحقوق الانسان ، ينطبق على كيانات عديدة ، منها المجلس الأعلى للصحافة ، الذى لم يتحرك مرة للدفاع عن صحفي أو إعلامي تم منعه، ونفس الأمر لمجلس نقابة الصحفيين الذى لم يقم بزيارة المسجونين من الصحفيين، بل لقد صدرت تصريحات من بعض قياداته تطعن في بعض الصحفيين المسجونين.

اختفاء المعارضين
وها هى صفحات الرأي في  الصحف الحكومية تخلو تماما من آراء المعارضين، وكل إعلامي فضائي أحسوا أنه خرج عن النص أحيانا رغم تأييده للنظام، تم الاستغناء عنه.

وكان تغيير مجالس نقابات المهندسين والصيادلة والمعلمين، دليلًا واضحًا على اتجاه النظام لترويض النقابات، وهو موقف لم يفعله نظام مبارك بتلك الفجاجة ، وها هى الاتحادات العمالية التي يتم إبعاد رئيسها ثم إعادته مرة أخرى، ليتعلم الدرس وليعرف أن من أتى به للمنصب، هو النظام وليس العمال، ولذا عليه أن يتصرف بما يضمن له الاستمرار في موقعه.

وها هو البرلمان الذى تم التشهير إعلاميا بكل مرشح، يشكون في وجود مجرد اتصال له بالمعارضين، ثم التغاضي عن التجاوزات في عمليات شراء الأصوات رغم تصوير الكثير منها، وكان النتائج عملية موافقة غير مسبوقة على كل القوانين التي تم إصدارها من خلال قيادات الانقلاب، رغم صنع تمثيلية عدم الموافقة على قانون الخدمة المدنية، حيث كان ذلك مقصودا حتى يمر يوم الخامس والعشرين من يناير، لتتم الموافقة بعدها على القانون بزعم إجراء بعض التعديلات به.

ويدرك النظام الذى يعتمد على كيانات ديكورية، أنه نظام هش يسهل تداعيه في أي وقت، وأنه لم يقم على أسس قوية، ويفتقد إلى التأييد الشعبي الحقيقي، لذا تراه دائما مضطربًا وخائفًا، ويمعن في التنكيل بمعارضيه بكل الممارسات الشاذة، لإخافة الناس، كي يُغطى على حقيقة كيانه الهش.
_______________
*نقيب الصحفيين السابق وخبير اقتصادي

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه