ممدوح الولي يكتب: الاقتصاد التركي يتحمل العقوبات الروسية

في حالة اتجاه روسيا لوقف مشروع بناء محطات توليد كهرباء نووية في تركيا، فإن ذلك سيضر بروسيا وسيدفع تركيا للاتجاه إلى دول أخرى.

ممدوح الولي*

في ضوء تهديد الرئيس الروسي بوتن لتركيا، بأن العقوبات الاقتصادية عليها لن تقتصر على منع استقبال روسيا للمنتجات  الزراعية التركية ، ووضع بعض القيود على البناء والصناعات  ، يظل السؤال الجوهري هل يتحمل الاقتصاد التركي هذه العقوبات الاقتصادية وغيرها ؟

في البداية يتطلب الأمر التعرف على حجم العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وحسب البيانات التركية فقد بلغ حجم التجارة السلعية، بين  البلدين بالعام الماضي 31 مليار دولار ، لتحتل روسيا  مركز الشريك التجاري الثاني لتركيا، بعد ألمانيا بنصيب 8 % من التجارة الخارجية التركية .

فقد بلغت قيمة الصادرات التركية لها 5.9 مليار دولار، ووارداتها من روسيا 25.3 مليار دولار ، لتحقق روسيا فائضا تجاريا بلغ 19.3 مليار دولار ، وهكذا احتلت روسيا المركز السابع بالصادرات التركية، في حين احتلت روسيا  المركز الأول بالواردات التركية .

وتصدر تركيا لروسيا منتجات زراعية وغذائية ومواد بناء وملابس وأقمشة، وهى سلع يمكن أن تجد أسواقا بديلة، خاصة مع جودة المنتجات التركية والتي تتجه أغلبها لدول متقدمة.

أما كبر حجم الواردات التركية من روسيا ، فيعود الى استيراد كميات ضخمة من الغاز الطبيعي بالإضافة الى القمح وبعض الخامات، وتعد مشكلة الطاقة في تركيا عاملا رئيسيا في العجز المزمن بالميزان التجاري التركي ، حيث لا يكفى انتاجها المحلى من الغاز الطبيعي سوى نسبة 1 % من الاستهلاك ، كما تقل نسبة اكتفائها الذاتي من النفط إلى أقل من 7 % من استهلاكها .

ويشير التوزيع النسبي لموارد الطاقة في تركيا إلى اعتمادها الرئيسي على الغاز الطبيعي بنسبة 35 % يليه الفحم بنسبة 29 %، والبترول بنسبة 27 % والطاقة الكهرومائية بنسبة 7 % ، والطاقة المتجددة بنسبة 2 % ، حيث لا توجد بها طاقة نووية بعد .

ويأتي المأزق التركي في ضوء استيراد أنقرة خلال العام الماضي 44.8 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي ، نسبة 56 % منه من روسيا ، وتستورد تركيا الغاز الطبيعي من روسيا كله من خلال الأنابيب إلى جانب كميات أقل بالأنابيب أيضا بنسبة 18% من إيران و11 % من أذربيجان، بينما تستورد 13 % من وارداتها من الغاز الطبيعي من الغاز المسال من الجزائر ونيجيريا وقطر والنرويج وترنداد وتوباغو.

ورغم تصريح مسؤول روسي بأن صادرات الغاز لتركيا لن تتوقف، إلا أن تركيا قد تحركت بسرعة للتفاهم مع أذربيجان لضخ المزيد من الغاز من خلال خطوط الأنابيب التي تربطها بها.

كما سعت للاتفاق  مع قطر على زيادة كميات الغاز المسال في  حالة توقف الغاز الروسي. أما ايران التي ترتبط بخطوط أنابيب للغاز بتركيا، فإن الخلاف بين  البلدين بشأن المشكلة السورية قد يجعلها بديلا غير مضمونا.

ويختلف الأمر في الواردات  البترولية التركية، والتي لا تعتمد على البترول الروسي سوى بنسبة 3 % فقط من وارداتها ، حيث تعتمد على العراق بنسبة 27 % من وارداتها، و26 % من إيران و10 % من السعودية، التي تربطها بها حاليا  علاقات جيدة واتفاقا حول المشكلة السورية، و8 % من كلا من نيجيريا وكازاخستان .

أما فيما يخص منع روسيا السياح الروس من التوجه إلى تركيا مع بداية العام  الجديد، فتشير البيانات التركية إلى قدوم 41 مليون سائح إلى تركيا بالعام الماضي، منهم 3 ملايين و452 ألف سائح روسي، بنسبة 8.3% من إجمالي عدد السياح، واحتل الروس المركز الثاني لعدد السياح بتركيا بعد الألمان.

بينما  تذكر البيانات الروسية أن 4 ملايين و381 ألف سائح روسي، قد اتجهوا إلى تركيا خلال العام الماضي ،بنسبة 11.6% من عدد السياح الخارجين من روسيا، لتمثل تركيا الوجهة الثانية للسياح الروس بعد فنلندا، وعلى الجانب الآخر فقد بلغ عدد السياح الأتراك الذين ذهبوا إلى روسيا بالعام الماضي 361 ألف سائح.

والمأزق الأكبر للسياحة التركية ليس فقط عدم قدوم السياح الروس، ولكن وضع عدم الاستقرار الذى ينجم عن استمرار التهديدات الروسية، واحتمالات خروجها عن الإطار الاقتصادي، أما  في حالة استمرار وضع الاستقرار الأمني بتركيا، فإن السياح من دول الخليج يمكن أن يعوضوا قدرا من الايرادات السياحية.

بالنظر إلى شراء الخليجيين آلاف الوحدات السكنية بتركيا مؤخرا، وبالأخذ بالاعتبار كبر حجم إنفاق السائح الخليجي ، بالمقارنة بضعف انفاق  السائح الروسي، وبما يعنى أنإانفاق مائة ألف سائح خليجي يمكن أن يعادل انفاق مليون سائح روسي.

وتؤثر العقوبات الاقتصادية الروسية على الاقتصاد الروسي أيضا ، فهناك علاقات شراكة بين شركات سياحية روسية وشركات سياحية تركية، وهناك مصارف روسية تعمل بتركيا، ومصنع لإنتاج شاحنات روسية بتركيا وشركة تعدين روسية بتركيا، وهكذا فالضرر الاقتصادي يقع على الطرفين.

ونفس الأمر لشركات البناء والتشييد التركية التي تعمل في روسيا، وإذا كانت روسيا قد علقت مشروع خط أنابيب الغاز تركش ستريم، الذى كان سيسير عبر تركيا إلى جنوب شرق أوربا، فإن المشروع أصلا يواجه عقبات وكان سيحقق فوائد لروسيا أيضا.

 ومن هنا فإنه في حالة اتجاه روسيا لوقف مشروع بناء محطات توليد كهرباء نووية في تركيا، فإن ذلك سيضر بروسيا أيضا وسيدفع تركيا للاتجاه إلى دول أخرى.
________________________________

*كاتب مصري وخبير اقتصادي 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه