مغامرات “الفتوة”!

” قيادة دولة فيها 100 مليون، موضوع مش بيتحل بالأكل والشرب، قسما بالله لو كان الموضوع وجبة واحدة في اليوم لبناء أمة.. أقسم بالله لأقعد بقية عمري كله آكل وجبة واحدة”.

 هذه الجملة قالها الجنرال السيسي خلال كلمته في افتتاح عدد من مشروعات قطاع الكهرباء، وسابقا قال أيضا من مطار شرم الشيخ عندما سألته صحفية عن الرد على الشائعات، فقال “مش هنلاقي ناكل.. إيه المشكلة يعني! هنجوع.. مش مهم!”، ومرة يتحدث عن ثلاجته التي ظلت لمدة عشر سنوات لا يوجد بها سوى الماء!!

ترى.. لماذا يتعامل معنا الحكام الجنرالات على أن الشعوب عالة عليهم، وأنهم ما وجدوا على رأس دولهم إلا ليمنوا عليهم بالمأكل والمشرب، وكأنهم يأكلون من بيوتهم، وما تفيض به أيديهم السخية؟!

عبد الناصر وكوب الشاي

وبما أن العسكري بالعسكري يُذكر؛ فلم يكن الحكام السابقون – وإن اختلفوا كثيرا عنه –  بعيدا عن استخدام هذا الخطاب الشعبوي الذي يخاطب البطون لا العقول، فقد قال عبد الناصر في إحدى خطاباته، وذلك ردا على مراوغة الولايات المتحدة الأمريكية في دفع المعونة: “إن الشعب المصري على استعداد ألا يشرب “كوباية الشاي” من أجل توفير ثمن المعونة!”

ومن بعده قال السادات جملته المشهورة عن “شد الحزام”، في خضّم عصر الانفتاح الذي أثرى طبقة من المصريين على حساب الطبقات أخرى، ولم يكن المخلوع مبارك ببعيد عن هذه الكلمات فقد قضى ثلاثين عاما يحدثنا عن مرورنا بمرحلة صعبة، وأننا سنخرج من عنق الزجاجة قريبا، ولم نخرج من هذه المرحلة الصعبة التي استمرت ثلاثين عاما حتى يومنا هذا!

فتوة الحرافيش!

إذن هى سياسة الفتوة الذي يفرض نفسه على الحرافيش بقصد حمايتهم بالقوة من الفتوات الآخرين، وفى سبيل ذلك عليهم السمع والطاعة، وإلا فإن الفتوة سوف يسلكهم سبل الهوان والعذاب، تذكرت الفتوة كما صوره “نجيب محفوظ” وهو يكتب روايته عن “الحرافيش”، والتي تم تجسيدها في فيلم سينمائي، وكلما ظهر فتوة يفرح به الحرافيش البسطاء ويقولون هذا هو بطلنا الذي ننتظر، ويتخيلون أنه سوف يحقق لهم العدل والمساواة ولا يفرض عليهم مزيدا من “الإتاوات”، إلا أنه سرعان ما يتغير طبع الفتوة الجديد ويصير مثل سابقيه، ثم ما يلبث أن يظهر فتوة آخر يقوم بمحاربته وعندما ينتصر عليه يهللون ويكبرون فرحين كما يفعلون مع كل حاكم يأتي ليحكمهم متصورين أنه الأفضل ويصيحون في فرح “سليمان الناجي اسم الله عليه ..سليمان الناجي اسم الله عليه”، ليقف تابعه وكان يجسد دوره الفنان الراحل صلاح قابيل قائلا لهم في خطبة عنترية مثل خطب الجنرالات : “اصحوا يا حرافيش ..ده سليمان الناجى سيدكم وابن سيدكم .. جوعوا علشان هو يشبع ..اتعروا علشان هو يلبس ..موتوا علشان هو يعيش ..اصحوا  ده سليمان الناجى فتوتكم وابن فتوتكم”.

عندما يفشل الفتوة

وهكذا فالمطلوب من أهل الحارة أن يسمعوا الكلام ويطيعوا وليس من الضروري أن يأكلوا من أجل أن يشبع الفتوة، وليس عليهم أن يلبسوا من أجل أن يرتدي الفتوة أجمل الثياب وأغلاها سعرا طالما هو الذي يحكم الحارة، وما عليهم إلا أن يرددوا بصوت عالي ” اسم الله عليه.. اسم الله عليه “، وهكذا يعيش الفتوة مع رجاله حالة من الغنى والبطر في الوقت الذي لا يجد أهل الحارة ما يسدون به رمقهم من الجوع، ولا يجدون ما يستر عوراتهم سوى الملابس البالية التي تفيض عن حاجة الفتوة.

نعم إنها مشكلة الجنرالات عندما يحكمون؛ لأنهم لا يعترفون أبدا بالفشل، ولكن يصدرون إلينا دائما أن الشعب هو السبب، تارة بسبب زيادة عدد السكان، وأخرى بسبب أننا نستهلك كثيرا من الطعام، ومرة لأننا كسولين وغير جديرين بحكمهم، لذا فنحن لم نر أيا منهم يقول ولو مرة واحدة أن الخطأ كان من عنده؛ سواء في اختياراته لمن يحيطون به أو في سياساته التي تخرب البلاد سواء بقصد أو دون قصد، ففي عهدهم تم التنازل عن أجزاء كثيرة من أرض الوطن إما بسبب المغامرات غير المحسوبة كما فعل جمال عبد الناصر وانتهت بنا إلى هزيمة منكرة ما زالت مصر والوطن العربي كله يعاني آثارها الكارثية، فعلى إثرها فقدت مصر جزء كبيرا من أرضها الغالية في سيناء، وفقدت لبنان مزارع شبعا وفقدت سوريا هضبة الجولان وتم احتلال فلسطين كلها بما فيها القدس والمسجد الأقصى، وحتى بعد عودة سيناء مازالت أم الرشراش واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي وبالطبع مزارع شبعا والجولان وكامل فلسطين، وهذا ما جنته مصر والأمة العربية من مغامرات الفتوة.
 فمن حروب في اليمن إلى حروب في الكنغو حتى جاءت نكسة يونيه 1967 التي هزم فيها الفتوة في 6 ساعات رغم التفوق العسكري والعددي على جيش الصهاينة، ولكن يبدو أن الفتوة وجنرالاته كانوا مشغولين بأمور أخرى غير حماية الحدود والدفاع عن الأرض والعرض ضد الأعداء .

الفتوة الذي فرط في الأرض والنهر

ولأن الفتوة بالفتوة يذكر… ففي عهد الجنرال الحالي تم التنازل طواعية عن تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، كما تم التنازل عن حق مصر التاريخي في النهر بعد الموافقة على الاتفاقية الإثيوبية في بناء سد النهضة، وتم بيع جزيرة الوراق وماسبيرو ببولاق أبي العلا لدولة الإمارات، وتم التنازل عن حقول الغاز وحقنا في المياه الإقليمية لقبرص واليونان نكاية في تركيا، ولم يكتف الفتوة الذي يطالب المواطنين بأكل وجبة واحدة بذلك، بل إنه وبعد وعوده الكثيرة بتحسن الوضع والتي تقلصت من سنتين إلى سنة إلى 6 شهور، عاد وقال سنضحى بجيلين من أجل أن يعيش الجيل القادم؟!!
وهو في هذه الطامة الكبرى لم يكذب؛ فالديون الخارجية زادت عن الـ 100 مليار دولار، ناهيك عن الديون الداخلية التي اقتربت من 4 تريليونات جنيه، بعد مشروعات وهمية كبدت مصر والجنيه المصري خسائر كبيرة، وأكبر مثال على تخبطه الواضح للعيان؛ مشروع تفريعة قناة السويس أو ما أطلق عليه هو وإعلامه من المطبلين أصحاب مقولة ” اسم الله عليه ..اسم الله عليه ” قناة السويس الجديدة، والتي أصبحت تستدين حاليا من البنوك الداخلية والخارجية، ولأن الفتوة يخشى ثورة أهل الحارة عليه؛ اختلق مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، وهو عبارة عن مباني في الصحراء الجرداء التي لا زرع فيها ولا ماء لن تحسن من دخل المواطن ولن يستفيد منها لا متوسطي الدخل ولا محدودى؛ إذ إن أقل شقة فيها بمليون ونصف مليون جنيه!!، ولن تكون للسكن ولكنها منطقة معزولة للطبقة الحاكمة الحالية خوفا من ثورة الحرافيش القادمة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه