مع القرضاوي (7) الاحتفال بميلاد الشيخ

 

 

شيخنا القرضاوي ولد في 9/9/1926م، أي أنه يبدأ عامه الرابع والتسعين، وتاريخ ميلاده معروف ومحفوظ، وليس كما حاول علي جمعة في أحد دروسه، حين تفذلك على تلاميذه الحاضرين، فسئل عن القرضاوي، فقال: هو قيل إنه مواليد 26، وقيل: 27، وقيل: 28، وهو الصحيح، وكلام علي جمعة كان يصلح لو كان الحديث عن شخص ولد في القديم، فيشك الناس في تاريخ مولده، لكن ليس بعد وجود السجل المدني وشهادات الميلاد التي يعمل بها في مصر قبل ولادة القرضاوي.

للقرضاوي رأي علمي معتدل كفكره وفقهه، في قضية الاحتفال بيوم الميلاد، فهو يرى جواز ذلك، لأن الأمر لا يتعلق بعمل تعبدي، ولا يتعارض مع ثابت ديني ولا عقدي، فهو عمل يدخل في باب: العادات، ولا يوجد ما يمنع منه شرعا، ولا يوجد دليل يقيني يمنعه، ولذا كان من أول من أجاز الاحتفال به، من دون أن يسمى عيدا، بل يسمى: يوم الميلاد، وهو ما قال به بعد ذلك الدكتور العالم سلمان العودة فك الله أسره. وكذلك أجاز القرضاوي الاحتفال بيوم الزواج.

الذكريات العائلية

تواريخ ميلاد أبناء القرضاوي ويوم زواجه، والتواريخ المهمة في حياته، يحفظها جيدا، قلَّ من الرجال من يماثله في هذه الذاكرة من حيث الذكريات العائلية، ولم يحدث أي حوار بيني وبين شيخي حول هل احتفل يوما بيوم ميلاده، أو بيوم زواجه، فليس لدي عنه موقف أو مشهد بالنفي أو الإثبات، كما أن أعماله وأشغاله تحول بينه وذلك، فقد حدثتني زوجته المرحومة إسعاد، أم أبنائه: أنه في شهر العسل، كانت تقوم من النوم فتجده ممسكا بالورقة والقلم والكتب يقرأ ويكتب.

بل ما أعرفه أنه فعل شيئا آخر في الاحتفال بأسرته، فكتب قصيدة مطولة جدا، عشرات الأبيات، عن زوجته إسعاد، وعن أولاده واحدا واحدا: إلهام، وسهام، وعلا، وأسماء، ومحمد، وعبد الرحمن، وأسامة، لكل شخص مقطع كامل من الشعر، وقد قرأت معظم هذه الأبيات، لكنها لم تكتمل كما أخبرني وقتها. ولعلنا نفرد مساحة للحديث عن أسرته ونظرته لها، وحديثه عنها.

لا أعلم عن شيخنا احتفاله بيوم ميلاده، لكن إخوانه وأساتذته وتلاميذه احتفلوا بميلاده بشكل علمي، يتناسب مع مقامه ومكانته، فعندما سافرت للعمل مع شيخنا، كان قد تجاوز السبعين، وقد طرح الأستاذ الدكتور جمال الدين عطية رحمه الله فكرة مهمة، وهي كتابة كتاب عن القرضاوي بمناسبة بلوغه السبعين، ليسن بذلك – ومعه عدد من العلماء – سنة الحديث عن الإنسان وهو حي، وهذه لم تكن من عادة الإسلاميين، فعادتهم الحديث عن الشخص عند وفاته، من باب الخوف عليه من الفتنة، ناسين أن هناك نصوصا وأدلة تبين جواز الحديث عن الحي، لإعطائه حقه، فقد امتدح النبي صلى الله عليه وسلم أحياء في وجوههم، وكرمهم، فألقاب الصحابة: سيف الله المسلول، أمين الأمة، أعلم أمتي الحلال والحرام، الفاروق، أعلم أمتي بالفرائض، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود، كل هذه ألقاب وتكريم لأشخاص أحياء من النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد كان القرضاوي من أوائل العلماء الذين مارسوا هذا الأمر من الإسلاميين، فكتب كتابه: (الشيخ الغزالي كما عرفته.. رحلة نصف قرن)، فقد كتبه في حياة الغزالي، مخالفا عادة الإسلاميين، وطبع في حياته، ومات الغزالي وكان كتاب القرضاوي من متعلقات الغزالي رحمه الله.

بدون نشر

اقترح جمال عطية الكتابة عن القرضاوي بمناسبة بلوغه السبعين، وعمل على تنفيذ اقتراحه بالفعل، وكي يكون عملا مؤسسيا وليس فرديا، سعت كلية الشريعة بجامعة قطر لتبني المشروع، وقت أن كان عميدها الأستاذ الدكتور علي المحمدي، أحد تلاميذ القرضاوي، وتم الاتصال بعدد كبير من العلماء والمفكرين للكتابة، واستجابوا جميعا، وقد زاد عددهم عن سبعين عالما، جلهم من كبار علماء الأمة، على رأسهم: الغزالي، والندوي، والزرقا، وأبو غدة.

وقد قسم الكتاب إلى قسمين: كلمات، وبحوث، فكانت الكلمات لمعظم العلماء الكبار والسياسيين، والبحوث مشتركة بين الكبار وغيرهم، وكلهم من دون استثناء من العلماء المعروفين. وبعد انتهاء العلماء من الكتابة، ظلت البحوث لسنوات من دون نشر للأسف، وظل الأمر معلقا لسنوات، حتى نهض أستاذنا الدكتور عبد العظيم الديب رحمه الله، وأستاذنا الدكتور عدنان زرزور حفظه الله، بتحريك الأمر، ومراجعة الأبحاث وترتيبها، وعمل على تنضيدها الأستاذ محمد الطيب من سكرتارية كلية الشريعة، وسعى الديب إلى المقارنة بين المطابع لطباعة الكتاب، وتعهد بطباعة الكتاب على نفقته الخاصة السيد: عبد الله عبد الغني رحمه الله، فقد كان صديقا للقرضاوي، ومعروفا بعمل الخير في قطر وكثير من بلدان العالم الإسلامي، شأن كثيرين من أهل الخير من القطريين، وغيرهم من الأثرياء في الخليج من أهل الخير، من تبني كتاب علم نافع، والقيام بطباعته، بارك الله في الأحياء، ورحم الموتى.

في التسعين

وعندما اقترب شيخنا القرضاوي من سن التسعين، تم التفكير في عمل آخر بعنوان: التسعينية، لتكون تكريما للشيخ ببلوغه التسعين، لكن هذه المرة جاءت وقد جاء الانقلاب العسكري في مصر، وكان من المفترض أن يكون احتفالا كبيرا، لكن جدت أمور جعلت الاحتفالية تقف عند الكتابة ونشر الكتاب فقط، وأيضا كتب عشرات من العلماء والمفكرين والإعلاميين والسياسيين كتابا كبيرا، بلغ خمس مجلدات كبيرة، أشرف على إصداره وتابعه: وزارة الأوقاف القطرية، بمشاركة عدد من إخواننا من مكتب القرضاوي جزى الله الجميع خير الجزاء على جهودهم.

هذا إضافة إلى عشرات الاحتفالات والمقالات التي تكتب عن القرضاوي، كلما جاء تاريخ ميلاده، أو جاءت مناسبة للكتابة عنه، كلها احتفال بالشيخ، وعرفانا بجميله ودوره وجهوده في خدمة دينه وأمته، والإنسانية بوجه عام، وهو تكريم لشخص يستحق التكريم على جميع المستويات، نسأل الله له دوام الصحة والعافية، وطول العمر، وحسن العمل، وحسن الختام، وكل عام ومولانا القرضاوي بخير.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه