مع القرضاوي (15) الشيخ يهاجم أفكار القذافي وجها لوجه

 

علاقة العلامة القرضاوي بالحكام منطقة مجهولة لدى البعض، وهناك تفاصيل للقاءات جمعت بين القرضاوي وعدد من الحكام، بدت فيها مواقف له مهمة أن تعرف، منها زيارتان قام بهما لليبيا وقت حكم القذافي، وقد التقى القرضاوي القذافي وجها لوجه، ودار حوار مهم ونقاش أهم.

كانت الزيارة باقتراح من الدكتور علي الصلابي، والذي قاد مراجعات مع الجهاديين وقتها، في حوار له معهم للإفراج عنهم، وأطلع القرضاوي على جهده، وفي هذا الإطار جاءت دعوة جمعية الدعوة الإسلامية الليبية والتي كان يترأسها الدكتور الشريف فقبل القرضاوي الدعوة.

وفي المرة الثانية كانت بدعوة من أوقاف ليبيا، بمناسبة مسابقة القرآن الكريم، وكانت هذه الزيارة الأخيرة له في ظل حكم القذافي حوالي عام 2009م، وقد زار فيها عدة مناطق من ليبيا منها: مصراتة، إضافة لطرابلس. وطلب أن يزور في مرة أخرى بنغازي وبقية المناطق لحق بقية مناطق الشعب الليبي في الزيارة.

في الزيارتين انتقد القرضاوي أفكار القذافي، وتوجهاته، سواء وجها لوجه مع القذافي، أو في المحاضرات العامة التي نظمت له، فعند لقائه بالقذافي ناقشه في أفكاره التي يخالف فيها جمهور المسلمين، والثوابت، في موقفه من السنة النبوية، والقرآن الكريم، وموقفه من التقويم الهجري.

التقويم الهجري:

وكان مما انتقده عليه القرضاوي في التقويم الهجري مثلا، أنه قال له: إن جمهور المسلمين أخذ بالتقويم الهجري المؤرخ بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك دول تأخذ بالتقويم الميلادي، وأنت خالفت الجميع وأخذت بتقويم ثالث، وهو وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكني ألاحظ أنك تعلن الأخذ بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولكنك لا تطبق هذا التاريخ، بل هناك فيه تلاعب، فبين هجرة النبي ووفاته من عشرة أعوام إلى أحد عشر عاما تقريبا، لكن التقويم الذي أخذت به بالوفاة، فرق بينه وبين الهجري حوالي (33) سنة، فمن أين أتى هذا الفرق؟!

ثم أنت غيرت أسماء الأشهر، فلا هي أشهر عربية، ولا هي أشهر إفرنجية، فما العلة في ذلك؟ فأجاب القذافي بإجابات مضحكة، لا تدل على أي فكرة وراء ما يفعل، سوى هوس حكم العسكر بمخالفة المألوف، متوهما الحكمة والعبقرية فيما يفعل.

لكن القرضاوي لم يتركه يتكلم، دون أن يعقب على كل أفكاره، وتعقيبات كلها مخالفة ونقد، لدرجة المواجهة، والتي غالبا لا يقبل بها الحكام العسكر، ولكن أشهد أن القرضاوي قال كل ما يمكن أن يقوله عالم يخشى الله تعالى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القذافي، وأن القذافي سمع كل ما قاله، دون أي تعقيب فيه إساءة، أو عدم ترحيب.

ثم إذ بالقرضاوي في محاضرة عامة لطلبة كلية الدعوة وهي محاضرة عامة، واحتشد الطلاب في المدرج الكبير، وإذ بالقرضاوي يهاجم القذافي في موقفه من صوم رمضان في اختيار يوم رؤية الهلال، فقد كان في هذا العام 2009م، أن فعل القذافي شيئا غريبا، فقد صامت معظم الدول العربية في يوم، وبعضها في يوم آخر، فجاء القذافي وجعل الشعب الليبي يصوم بعد كل الدول بيوم أو يومين، وكان أمين لجنة الأوقاف الشعبية، أي وزير الأوقاف، فقد كان القذافي يرفض تسمية الوزارات بوزارة كذا، بل اللجنة الشعبية لكذا، قد كان الوزير حاضرا ووقع في حرج وهو قريب للقذافي كذلك، وكان رجلا مهذابا، فاضطر أن يعقب بتوضيح وجهة نظر القذافي.

ولكنها وجهة نظر غير مقنعة، بل تدل على أن القذافي يأمر والجميع ينفذ فقط، فقد كانت الحجة وقتها التي أخبرهم بها القذافي: أن القمر ظهر في استراليا في هذا اليوم، فقال القرضاوي متعجبا ومنتقدا أكثر للقذافي: وهل تربطكم باستراليا أي روابط دينية، أو جغرافية؟! لستم معها على خط استواء واحد، ولستم جيران في الحدود، ولستم معها في قارة واحدة حتى، وقال القرضاوي كلامه ممتزجا بالسخرية من وجهة النظر، والجمهور يضحك معه.

الخطوط الحمراء:

أحسست أن القرضاوي قد أكثر من النقد، وأنه ربما تجاوز بذلك الخطوط الحمراء التي يسمح بها مثل هؤلاء الحكام، فقلت للدكتور محمد القرضاوي وقد كنا سويا مرافقين للشيخ في هذه الرحلة: يا دكتور رجاء انصح الوالد يخف شوية، القذافي رجل مجنون ربما قام بقتلنا جميعا. فقال لي: كلم أنت الوالد.

فجلسنا نتكلم لنقنع الشيخ بأن يخف قليلا في كلامه، وقلت له: يا مولانا هذا رجل تاريخه في قتل المعارضين معروف، لقد قام بقتل الإمام الصدر من قبل ولم يبال، أتريد أن يقتلنا؟ فقال القرضاوي: وفيها إيه لما أختم حياتي بالشهادة؟! قلت له: يا مولانا، مفيهاش حاجة لما تختم حياتك بالشهادة، لكن ما ذنبنا أن نختم معك، لقد جئنا معك مرافقين في الرحلة، ولسنا مرافقين لك في الشهادة، ثم ما ذنبنا نحن شباب أن نبدأ حياتنا بالشهادة، من حقك أن تختم حياتك بالشهادة، لكن لماذا نبدأ نحن بما تختم به أنت؟!

قلت له ذلك وكان قصدي المزاح معه كما تعود مني، فابتسم الشيخ وقال: يا أبنائي هذه فرصة ليسمع هذا الرجل مثل هذا الكلام الذي لا أدري متى يمكن أن يسمعه مني أو من غيري، وأما عن الأعمار فهي بيد الله وحده، لا يملك القذافي ولا غيره أن يمد فيها، ولا أن يقصر. وقد كان الهدف من نصحنا الرفق بالشيخ وسنه، ولكنه أخذ بالعزيمة ولم يأخذ بالرخصة، ليظل هذا الموقف وغيره شاهدا على قوله الحق دون خشية من حاكم أو محكوم.

لم يطلب القرضاوي في زيارة ليبيا والقذافي أي شيء خاص به، ولم يطلب سوى طلبا واحدا، أذكره بتفاصيله في المقال القادم إن شاء الله، وبماذا رد عليه القذافي في هذا الطلب.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه