معكم “أبو لمعة الأصلي” في جمهورية “التابلت!

وزير التعليم المصري

 

جاءت أزمة التابلت وفشل المنظومة التعليمية مثل كرة اللهب المشتعلة، كل مسؤول يلقي بها على جهة أخرى خوفا من أن يحرقه نارها ، وخوفا من تحمل المسؤولية ، خاصة بعد مظاهرات الطلاب وسحلهم أمام الوزارة ومديريات التربية والتعليم ، والقبض على بعضهم وتهديدهم بمعاملتهم معاملة المجرمين ، والتحرش بالطالبات والاعتداء عليهن بالضرب فى صور مهينة نشرتها منصات التواصل الاجتماعي ، حيث يلقي وزير التعليم بالخطأ على وزارة الاتصالات ، ونسي تصريحه فى شهر أبريل الماضى الذى كشف فيه عمن يقف وراء فرض تلك المنظومة دون الاستعداد لها جيدا ، عندما قال : ” إن هيئة التسليح الخاصة بالجيش المصري هي التي اختارت أجهزة التابلت” .

خارج التصنيف

إذا ظهرت الخبايا عندما علمنا أن الجيش يقف وراء هذه ” السبوبة” ولكن عندما نعلم أن دولة قطر التى يحاصرونها ويتهمونها بمساعدة الإرهاب ، حصلت فى مؤشر دافوس لجودة التعليم على المركز الأول عربيا و الرابع عالميا ،وبقية الدول العربية في أسفل الترتيب أو غير مصنفة ، وجاءت مصر فى المركز الـ 139 عالميا والـ 13 عربيا ، لابد أن نعلم أن 60 عاما من الفساد والحكم العسكرى كان لابد لها أن تجعل مصر تخرج من التصنيفات العالمية فى جودة التعليم فى المدارس والجامعات ، بعد أن كانت قبلة التعليم فى الشرق الأوسط وأفريقيا .

بل إن دولة الاحتلال ” إسرائيل ” جاءت  في المركز الأول في البحث العلمي ومصر رقم‏129‏ من بين ‏148‏ دولة على مستوى العالم ، حيث ترصد دولة الكيان المحتل أكثر من3.5% من دخلها القومي للبحث العلمي الحقيقي ، في الوقت الذي  تنفق فيه مصر أقل من نصف بالمئة من دخلها القومي، ولن أكون مبالغا إذا قلت إن60% على الأقل من الباحثين المصريين العاملين في البحث العلمي كوادر غير مؤهلة ولا تصلح للعمل في هذا المجال، ولإيضاح الصورة مثلا حوالي80% من ميزانية البحث العلمي في مصر تصرف علي مرتبات العاملين والباقي15% تصرف على الإنشاءات ،ولا يتعدي5% من الميزانية في أحسن الأحوال تذهب للبحث العلمي حسب رأي كثير من الخبراء فى مجال البحث العلمي ..

أبو لمعة الأصلي

لا أحد ضد التطور الحضاري، أو ضد النهوض بالوطن وخاصة في مجال التعليم، حيث الطلاب والتلاميذ هم عماد الوطن الحقيقي، ووسيلة أي دولة للنهوض والتقدم لن تأتي إلا من خلال التعليم والبحث العلمي، ووفق منظومة تعليمية متقدمة ومتطورة.

ولكن من طالع تصريحات وزير التعليم المصري، يشعر للوهلة الأولى أنه أمام “أبو لمعة الأصلي”، ولمن لا يعرف أبا لمعة الأصلي؛ فإنني أقول له إنها شخصية ابتدعها الفنان الراحل محمد أحمد المصري، الذي اشتهر في البرنامج الإذاعي الفكاهي “ساعة لقلبك” بهذا الاسم، وللمفارقة الكبرى فإن أبا لمعة الأصلي كان في الحقيقية يعمل ناظرا لمدرسة السعيدية الثانوية العسكرية بمحافظة الجيزة!!، وقد كان يلعب شخصية تعبر عن المصري الفهلوي الذي يضحك على الخواجات ممثلين في شخص “الخواجة بيجو” الذي كان بدوره واحدا من أعضاء فرقة “ساعة لقلبك”.

ولأن أبا لمعة غدا أيقونة لا تنتهى، فقد ابتعثه من جديد وزير التعليم المصري الدكتور طارق شوقي الذي أضحى بتصريحاته الغريبة والمتضاربة يمثل شخصيته؛ حيث خرج علينا لا فض فوه،منذ العام الماضي بقرارات وتصريحات غريبة أبرزها تغيير نظام الثانوية العامة، لتصبح تراكمية بداية من الصف الأول الثانوي ومرورا بالصف الثاني حتى الصف الثالث الثانوي، مع تغيير نظام الامتحانات بنظام “البوكليت”، وتوزيع ملايين أجهزة التابلت على الطلاب في مراحل التعليم المختلفة على أن يبدأ التوزيع على طلاب الصف الأول الابتدائي والصف الأول الثانوي ومراحل الـ  “كي جي 1  وكي جي 2 ” وذلك بداية من 1 سبتمبر 2018 ، بادئا بحوالي مليوني تابلت كمرحلة أولى.

مدارس غير آدمية

المشكلة ليست في التابلت وحده، ولكن المشكلة فى الكثافة حيث وصلت لـ 120 طالبا في الفصل الواحد، والمشكلة أيضا أن ” أبو التبالت ” أقصد أبا لمعة الجديد لا يعلم أن مئات المدارس لا يجد الطالب المسكين فيها مقعدا سليما ليجلس عليه، ولا يعلم أن بعضها لا توجد به دورات مياه نهائيا، ولا يعلم أن طلاب الصف الثالث الثانوي لا يحضرون للمدارس مطلقا ، وأن اعتمادهم الكلي يكون على الدروس الخصوصية في المراكز الشهيرة والتي تعلم الوزارة والحكومة أماكنها جيدا وهي تحصل من الطلاب والطالبات على مبالغ كبيرة عن كل مادة، في الوقت الذي لا تسدد هذه الأماكن أي ضرائب على نشاطاتها؛ فضلا عن تقنين وضعها، وهي أيضا دون إشراف من أي جهة في دولة أبي لمعة ولكن الأمر متروك للطلاب وأولياء الأمور من جانب، ومصاصي الدماء من المدرسين وأصحاب هذه المراكز والعلاقة بينهم لا يحكمها أي قانون فهم فى جمهورية “السداح مداح”.

إذن دعني أخبرك الخلاصة.. لا تحدثني عن أي تعليم في مدارس حكومية؛ لا يجد الطالب فيها مقعدا يجلس عليه، ولا معلما جيدا يشرح له ما لا يستطيع فهمه من مواد، ولكن حدثني عن “وزير التابلت” الهمام، ومشاريعه الهلامية.

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه