معركة التوكيلات

لعبة الخوف التي يمارسها نظام السيسي؛ فهو لا يرضي إلا باللعب منفردا إذ يخشي المنافسة.

قد يبدو الأمر للبعض أنها معركة في الفراغ، وقد تبدو الدعوة لجمع توكيلات لمرشح في انتخابات رئاسية، ضد قائد سابق بالجيش، ومدعوم من المؤسسة العسكرية بصفته مندوبها على كرسي السلطة ، ويملك في يده كل الأجهزة الأمنية القادرة على الفتك بكل منافسيه،  معركه عدمية، أو ربما يصفها البعض بالسذاجة. ولكن دعونا ننظر بشكل مختلف للأمر فربما وجدنا ما يدعو لتغيير وجهة النظر أو حتى ترك أصحابها وشأنهم أولا وقبل كل شيء، لا يملك أحدنا بوصلة الحقيقة حتي  يجزم بأن وجهه نظره هي الأصوب، أو رأيه هو الراجح ونظرته هي الثاقبة، فرأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، كما علمنا الإمام الشافعي.

تحريك المياه

 يرى من يتبنى وجهة النظر المؤيدة لجمع التوكيلات، ومنهم كاتب السطور، أنها فرصه جيده لإعادة بث روح التحدي والبعد عن الخمول الذي أصاب الأغلبية من أبناء ثورة يناير، وهي فرصة جيدة لتحريك ولو قدر ضئيل من مياه السياسة التي تعفنت بركودها بعد سيطرة المؤسسة العسكرية الكاملة على البلاد، بصعود عبد الفتاح السيسي للرئاسة وإزاحة الجميع واغتيالهم معنويا وإطلاق يد الأجهزة الأمنية بشكل غير مسبوق حتى في العهد الناصري، وتأميم الإعلام بالكامل وتحويل القنوات الفضائية إلى نشرات موجهه من الشؤون المعنوية للقوات المسلحة.

 ووسط هذا الجو المعتم والمتشح بسواد مناخ القهر والاستبداد والفساد الذي يزكم الأنوف، ويصم الآذان، ويصيب العيون بالعمي لا يجد النظام نفسه مضطراً لخوض معركة انتخابات على غير إرادته، بل لاستكمال الشكل الديمقراطي الضروري أمام الخارج. وهو يفضلها معركه بلا أدني صوت مختلف، ويفضل منافسين بلا صوت، ترتسم على وجوههم ابتسامه الرضا عند الخسارة، ويخفت صوتهم في الطريق إلي اليوم الموعود. يفضل النظام العسكري مرشحين-طالما اقتضت الضرورة-من اختياره وعلى عينه وبأسلوب الملقن على خشبة المسرح وبعد انفضاض المولد يخرجون مبتسمين معترفين بالهزيمة محيين العريس داعين له بالتوفيق واستمرار مسيرة القهر والاستبداد والاستحواذ على كل ما تطاله يد دولة الضباط ولا يرضى عن أولئك الخارجين عن السيطرة، الذين يتجرأون على الخروج عن النص حتى لو كان هذا النص تحت السيطرة أمنياً وإعلاميا وحتى لو كان النظام ما زال يتمتع بشعبية بين قطاعات واسعه تمكنت منها لعبة الخوف التي يمارسها نظام السيسي. فهو لا يرضى إلا باللعب منفردا يخشى المنافسة، ويهاب الكلمة الحرة ويتحسب لها الانتخابات فرصة مهمة لإثبات أننا ما زال لدينا عزيمة عدم الركوع، وما زالت لدينا الرغبة في الحياه الكريمة في وطننا الذي لا نعرف ولا نريد أن نعرف وطناً غيره، وتسكن فينا مساحة العمل العام التي تم إغلاقها بقوة السلاح والتي ستفتح لا محاله، فتلك حتمية تاريخية لا فكاك منها، صحيح أن الثورة في لحظة هزيمة-وتلك طبيعة الأشياء-ولكنها تسكن في موضع القلب منا، وهي في لحظات الحقيقة تبرز واضحة جلية في تصرفات من ظن بهم الجميع أنهم قد خلدوا إلى الراحة واستكانوا.

زمام المبادئة

قد لا يكون الأستاذ خالد علي مقنعاً للكثيرين من أبناء ثورة يناير، لكنه يكفيه شرفاً أنه من قرر أخذ زمام المبادأة في يده، وقرر التحدي متحملا تبعات هذا القرار الحر، يحتاج منا صاحب هذا القرار الشجاع أن لا نخذله بِمَا نملكه أو بالحد الأدنى منه، أمامنا مسألة مهمه في السياق-مرحلة جمع التوكيلات- وهي مسألة ليست بالهينة بالنظر لحجم التضييق من جانب الأجهزة الأمنية، أو بالنظر إلى حالة اليأس المسيطرة علينا جميعاً جراء الضربات واللكمات التي أجبرتنا على التراجع بعد أن كانت شوكتنا هي الأقوى، ولكن لا بأس، فتلك طبيعة الأشياء وسنة الله في كونه، وكما أن قوتنا قد أصابها البعض لصالح العسكريين سيأتي اليوم لا محالة الذي ترد فيه المظالم، وكبداية علينا أن نثبت لأنفسنا قبل غيرنا أننا باقون على قيد الحياة، وقادرون على أن نكون رقماً صعباً في معادلة السياسية في وطننا.

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه