مطالب مصر: إجراء النيل وعزل الرئيس

 

عرف الأقدمون قيمة أمرين مهمين، في استقامة الحياة بكافة مناحيها في مصر، وهما حسن إدارة الثروة وكفاءة السلطة، وبعيدًا عن الأشعار وما تراكم لدينا من تراث أدبي حول أهمية نهر النيل في حياة المصريين، وكذلك ضرورة وجود حاكم عادل ، فقد لخص فقيه مصر النابه سيدنا الليث ابن سعد هذا الأمر في مطلع القرن الثاني الهجري، عندما سأله هارون الرشيد، ياليث ما صلاح بلدكم.

فأجاب الفقيه المصري النابه “يا أمير المؤمنين صلاح بلدنا بإجراء النيل وإصلاح أميرها، ومن رأس العين يأتي الكدر، فإذا صفي رأس العين صفت السواقي. فقال الرشيد صدقت” وأمر هارون الرشيد ألا يتصرف أحد في مصر إلا بأمر الليث ابن سعد.

والليث ابن سعد أجاب عن سؤال الرشيد، بلسان المصري الواعي بحاجة بلاده، فهو بجوار كونه فقيها نابها، فهو فلاح من أبناء القليوبية، ولديه مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، جعلته امتدادًا لثراء أبيه وأسرته، وأغنته عن أن يتملق الأمراء والحكام.

وكان الليث ثريًا من طراز خاص، فعلى ما وهبه الله عز وجل من سعة في الرزق، قدرت بدخل سنوي حوالي 20 ألف دينار، فإنه على مدار عمره الذي عاشه، وهو 82 عامًا، لم تجب الزكاة في ماله، لأنه كان ينفق كل دخله على طلاب العلم والفقراء، وحياة طيبه لشخصه وأسرته.

وفي نفس الوقت كانت قيمة العدل في حياة الليث بجوار فقهه في الشريعة، واستحضار العدل كقيمة حضت عليها الشريعة، وجعلتها من أركانها، يعي ضرورتها لاستقرار المجتمع المصري، وكافة المجتمعات.. ولم يكن الليث ممن يسعون للسلطة أو طلبها.

فقبل أن يجيب الرشيد بضرورة إصلاح الأمير في مصر، كان الخليفة المنصور من قبل قد عرض عليه أن يتولى إمارة مصر، واعتذر بحجة تفرغه للعلم والفقه، فأمر الخليفة المنصور بألا يقضي ولي مصر ولا و قاضيها أمرًا دون الرجوع لليث.

وكثيرًا ما كان الليث ابن سعد سببًا، في عزل ولاة مصر الظالمين، أو القضاة الذين يخالفون روح الشريعة، أو الذين يلمس فيهم تعنتا في الفتوى، والتضييق على حياة الناس، فكان يوصي الخلفاء بعدم صلاحية القضاة والولاة غير الأكفاء.

حاجتنا لليث جديد

ما أحوج مصر الآن لليث جديد، من بين الفقهاء أو الساسة أو رجال الأعمال، ليكشف للمجتمع زيغ حاكم مصر الدكتاتور السيسي، الذي أهدر ثروات مصر المتعددة من مياه وغاز طبيعي، وكذلك الموارد المالية الذاتية والمستجلبة عبر الديون.

الماء في مصر قضية أمن قومي، وجريان النيل في مصر، هو أمر لا يمكن الاستغناء عنه، أو استبداله بمقترحات المعتوهين في حكومة السيسي، فلا المياه المعاد تدويرها تصلح لأن تكون بديلًا لمياه النيل، ولا كذلك المياه المالحة من مياه البحر، ففضلًا عن ارتفاع تكاليفها الاقتصادية، فهي لا تكفي لحاجات شعب مصر، لا حاليًا، ولا مستقبلًا.

ففي الوجه البحري ليست زراعة الأرز، مجرد عادة لأهالينا في هذه المنطقة، لكون الأرز وجبتهم الرئيسة، ولكن زراعة الأرز في هذه المنطقة محافظة على تربة الأراضي الزراعية بها، بغسلها عبر زراعة الأرز مما يتسرب إلى تربتها من مياه البحر المتوسط، الذي يقع على مقربة من أراضيها الزراعية.

وفي ظل سياسة السيسي بتقليل المساحات المزروعة بالأرز في الوجه البحري، تتضرر الأراضي الزراعية بشكل كبير. وسياسات السيسي في هذا الشأن مكملة لتفريطه في مياه النيل، والعمل على حرمان المصريين من نعمة مياه النيل التي من عليهم بها الله سيحانه وتعالى عبر القرون.

أما حاجتنا لليث جديد، يكون معنيا بشان “أمير مصر” أو رئيسها، الذي ابتليت به البلاد، فمبعثها ما ابتليت به البلاد من ظلم وجور، فضلًا عن سوء الإدارة، والعمل على توريط مصر في دوامة الديون، والتي قد تؤدي عما قريب في التفريط في العديد من الأصول الرأسمالية المملوكة للدولة لسداد هذه الديون الخارجية، فضلًا عن الديون المحلية.

إن السيسي، الذي عير المصريين غير مرة بكونهم فقراء، زاد الفقر في عهده لدرجة غير مسبوقة على مدار أكثر من 7 عقود، ولا يتوقع أن تتحسن الأوضاع في ظل سياساته الاقتصادية والاجتماعية الحالية. ومما يؤثر عن الفقيه المصري الليث ابن سعد “أنه ليس من حق أحد أن يحتفظ بمال إلا إذا بلغ الناس حد الكفاية، والحكام والولاة مسؤولون أمام الله عن أن يوفروا للناس جميعًا حد الكفاية لا حد الكفاف”.

فهل من بين علماء مصر الآن، من يبلغ حاكمها الديكتاتور، أن دوره ألا يعاير المصريين بالفقر، وانما واجبه أن يوفر لهم احتياجاتهم لحياة كريمة، دون من أو أذى. وإذا عجز فعليه أن يرحل.. ليس هذا واجب علماء الشريعة فقط ولكنه فرض عين على الجميع.

الغرور والجهل

وليس المطلوب فقط من علماء مصر أن يبلغوا رسالة الليث للسيسي فقط كحاكم ديكتاتور ومفرط في حقوق شعبه وبلده، ولكن عليهم أن يعلموا الشعب أيضًا بحقوقهم، وواجبهم في ألا يقبلوا هذا الظلم، ووجود هذا الحاكم غير الكفء. 

ولم يعد الأمر في شأن السيسي، كما جاء في قول الليث “إصلاح الأمير” فالسيسي بلغ به الغرور والجهل، بأنه طبيب الفلاسفة، وتدل تصرفاته الفرعونية على سوء طوية وقرارات غير سليمة، لذلك فإصلاحه في عزله.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه