مصر: معارك الماضي تقضي على مستقبل وطن

انتشرت خلال الأيام القليلة الماضية تدوينة (بوست) على فيسبوك نشره الناصريون من أجل الدفاع عن جمال عبد الناصر، والذي اعتقد أنه لا يحتاج دفاعا من أحد.

حجم التمايز والخلافات التي تتصاعد بين فرقاء القوى السياسية في مصر كل يوم ومن خلال معارك انتهت وباتت جزءا من الماضي البعيد، أصبحت للأسف ملمحا خطيرا من ملامح الحياة السياسية، ومع حلول ذكرى ثورة يوليو تتصاعد الحملة بين الفرقاء السياسيين وخصوصا التيار الناصرى والإخوان المسلمين.  وتبدأ معركة تستهلك قوى الطرفين فيما بين مدافع عن التجربة الناصرية، ومهاجم لها، تبدد أي محاولات لرأب الصدع.
والحقيقة أن هذه المعارك المجهدة للطرفين والمدمرة لأي محاولات تقارب بين أكبر قوتين سياسيتين على مستوى مصر والأمة العربية -شئنا أم أبينا- تتجدد في مواسم محددة ترتبط ارتباطا مباشرا بثورة يوليو أو مناسبات خاصة بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

موقعة هزائم وانتصارات يوليو

انتشرت خلال الأيام القليلة الماضية تدوينة (بوست) على فيسبوك نشره الناصريون من أجل الدفاع عن جمال عبد الناصر، والذي اعتقد أنه لا يحتاج دفاعا من أحد، فهو الآن بين يدي التاريخ وتجربته انتهت منذ عام 1970 برحيله، وتولى أنور السادات الحكم بعده في أكتوبر 1970، وحدثت ردة على ما خطه عبد الناصر سواء اتفقنا معه أو اختلفنا. 

حاول من نشر البوست أن يؤكد على زعامة ناصر القومية والعربية ونجاحه في أغلب معاركه، وفي اعتقادي أن هذا لن يغير من مواقف من يحملون الفكره الناصرية فيصبحون أكثر ناصرية من ذي قبل، ولن يجعل آخر لا يؤمن بالتجربة والفكرة يميل إليها؛ فكل شخص كون قناعات عبر تاريخ طويل من التفكير والمعرفة، وسواء كانت هذه المعرفة موثوق فيها أو غير موثوق في مصادرها فلن تغيرها تدوينة على مواقع التواصل.

وكنت شاهدا على تأثير هذه التدوينة على مجموعة مصرية تجمعت من كافة الاتجاهات مثلت لسان حال المظلومين في مصر من معتقلين ومسجونين، ومظلومين في أعمالهم وهو جروب فريد في نوعه أسسه الصحفي النبيل والإخواني محمد عبد القدوس؛ ورغم هذا فالجروب يضم ناصريين ويساريين وإخوان ووفديين، وقد قام قيادة ناصرية كبيرة في الجروب بنشر التدوينة الخاصة بناصر أبو الهزائم على الجروب فما كان من قيادة إخوانية إلا أن قامت كالت لناصر كل الاتهامات، فكانت المحصلة لهذه المعركة الغريبة التي تنبش في الماضي إلا انسحاب أحدهما.

وعقب ذلك نشبت معركة حول عبد الناصر والإخوان، وهي معركة سنوية تدور رحاها في شهري يوليو وسبتمبر ذكرى وفاة ناصر، فماذا كانت النتيجة المؤكدة لموقعة يوليو السابقة؟

 من المؤكد أن الناصريين في الجروب لن يلعنوا ناصرا كما يفعل من يعادون التجربة الناصرية، وخصوصا أن كان كاتب التدوينة من التيار الناصري، ولا أستطيع أن أتخيل أن هدفه من منها أن يقنع أحدا من التيارات الأخرى، وخاصة الإخوان، أن عبد الناصر كان زعيما فريدا؛ ولكن المحصلة النهائية للتدوينة والردود عليها هي مزيد من الانشقاق ومزيد من تقطيع أواصر علاقة بين معتقدي أفكار مختلفة، ربما تسمح في المستقبل بتوافق على قيم ومبادئ مستقبلية بعيدا عن معارك ماض انتهى.

من يستفيد من هذه المعارك؟

عندما تظهر في حياتك مجموعة من الأشياء الغامضة والتي لا تجد لها تفسيرا تحاول دائما أن تبحث عن المستفيد من تلك المعارك، وحينما يتعلق الأمر بالحياة السياسية في مصر وبالقوى الثورية فيها، وبخاصة في ظل الأوضاع التي تمر بها، يصبح من الطبيعي عليك أن تتساءل عن صاحب المصلحة فيما يحدث، وقد أبادرك قبل أن تبادرني، وتقول لي إن صاحب المصلحة هو النظام، وهو الذي يؤجج هذه المعارك ويشعل فيها النار في محاولة لزيادة الفرقة بين القوى المناهضة له.

ونظريا تبدو الفرضية صحيحة، وما أقوله أنا وما تؤكده أنت صحيح؛ ولكن يبقى سؤال غائب بلا إجابة: إذا كنا جميعا ندرك أن صاحب المصلحة في الموضوع هو النظام القائم والذي نعارضه جميعا كما ندعي، فلماذا ننجر جميعا: قيادات وجماهير، نخبة وطليعة، ومواطنون عاديون لمثل هذه المعارك؟!

وتصوري أن النظام ليس هو المستفيد الوحيد من تأجج مثل هذه المعارك؛ بل إن هناك مستفيدا بيننا نحن من استمرار مثل هذه المعارك قد يكون أناس في ذلك التيار أو آخرين فى التيار الآخر أو بين القوى التي تدعي معارضتها للنظام.

قد يكون المثال الذي طرحته هنا حول جمال عبد الناصر مثالا قويا، أو إن شئت الدقة مثالا لمعركه فكرية ربما يأتي حينها في زمن ووقت آخر، وقد يكون كذلك التعامل مع فكر الإخوان المسلمين وأفكارها محور أيضا لمعركة فكرية كبيرة وممتدة.  

ولكن المؤكد حاليا أن تلك المعارك لا وقتها ولا زمانها الآن في ظل ما يتعرض له المصريون من ظلم يومى مرير على كافة المستويات: سياسية واجتماعية واقتصادية؛ فلا مجال الآن لتقنع، وأنا ناصري الهوية أن عبد الناصر كان طاغوتا ومستبدا وأنه كان مدعي قومية وعروبة، وأنه لم يكن مناصرا للقضية الفلسطينية، فلن اقتنع ولو جئت لي بناصر نفسه ليعلن لي ذلك. وكذلك لن تقنع شخصا يعتنق فكر الإخوان أنهم ليسوا كما يدعون.

إذن لماذا نفتح هذه المعارك؟! وإذا كان النظام وراءها فلماذا ننجر؟!

العجز محرك أساسي في المعارك الصغيرة

حينما تعجز عن مواجهة واقع ففي أغلب الأحيان أنت تهرب لخلق معارك أخرى تستطيع النزال فيها وتثبت لنفسك أنك تستطيع أن تخوض المعارك حتى ولو كانت معارك وهمية، وفى ظني أن هذه الفكرة هى التى تسيطر على قوانا السياسية فى مصر، فغالبا تفتتها وملاحقة النظام لها واستبداده بكل قوة على حدة هى واحد من تلك الاسباب والتى بدأها النظام بالإخوان ثم التيار الاشتراكي ثم التيار الشعبي الناصري، وأخيرا وصلت إلى حملة (احنا اسفين ياريس لأبناء مبارك) فلم يعد النظام المصري متحملا حتى هؤلاء الذين يحكمون الى عصر مبارك.

ولكن هل يقف العجز هو السبب الوحيد في قيام هذه المعارك بين القوى السياسية في مصر؟  في ظني (وبعض الظن إثم ) وبعضه ليس كذلك، أن هناك مستفيدين فعليا من تلك الحالة من القوى السياسية الوطنية وفى هذا قد نرى كثيرا من الظواهر ولكنها ليست مثبتة، ولكم دليلها الظاهر أنك حين تعارض وتقف فى مواجهة نظام بهذا الاستبداد فليس أمامك ولا لديك وقتا لتدخل معارك مضت وانقضت عليها سنوات، وكما قلت لصديق : لتكن يناير بداية تاريخ جديد للمصريين بعيدا عن كل معارك الماضى بكل انتصاراته وهزائمه، وتعالوا نتفق على معايير للمستقبل نواجه بها النظام ونطرحها على الشعب علنا نثقب فى النفق المظلم ثقبا نذهب به إلى المستقبل؛ ولكن هل هذا متاح الآن تلك هى المعضلة التى تواجه كل القوى السياسية والوطنية المصرية فهل من طريق؟

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه