مصر: متي تنتهي حالة الثأر بين قواها السياسية؟

 

الجرافات تواصل هدم بيوت الفقراء

واصلت جرافات النظام في مصر ممثلة في الشرطة المصرية هدم بيوت الفقراء بجوار الأماكن الغنية..

كانت البدايات مع مثلث ماسبيرو وجزيرة الوراق، وهدم أماكن أثرية في وسط المدينة، والهجمة على كبائن المنتزة بالإسكندرية والتي شهدت أيضا بناءات جديدة على الكورنيش التاريخي مما منع الجمهور من التمتع بالشاطئ ووصولا إلى قاعة قايتباي، واستمرار البناء عليه وحجب البحر عن الشارع.

ومنذ أيام هدمت الجرافات بيوت أهالي نزلة السمان، وصدر قرار بهدم حوالي ٣٠٠ منزل، وأعلن النظام أن الهدف تطوير المنطقة السياحية بمشاركة شركات إماراتية، وانفجر غضب الأهالي وحدثت مواجهات وإطلاق قنابل الغاز، ولا يزال الصراع مستمرا.

الغريب أن الحكومة حين قررت ذلك لم تفكر في إيجاد بديل لهؤلاء السكان؛ أي أن الهدم قائم فوق الرؤوس وهي عادة حكومة تدمن التضحية بالفقراء لصالح رجال الأعمال والمستثمرين سواء مصريين أو أجانب أو جنسيات دولية متعددة لا تعرف هويتها إلا بالشك في الأعداء الطبيعيين للوطن.

وربما كان المشهد اللافت للنظر في كل هذه الأحداث التي أصبحت تتكرر بشكل شبه يومي في مصر هي حالة الشماتة غير الطبيعية وغير المقبولة لدي قطاع عريض من شباب ثورة يناير في أهالي نزلة السمان.. والكارثة أن بعض الثوار اتهموا الأهالي جميعا بأنهم كانوا جزءا من موقعه الجمل التي جرت أحداثها في الثاني من فبراير أثناء أحداث ثورة يناير وتحولت صفحات كثير من الشباب إلى نوع من الثأر من هؤلاء الناس والتي نعتقد أن الثورة قامت من أجلهم جميعا. فالثورة التي قامت من أجل العيش والحرية الكرامة لا يمكن أن تستثني أبناء من الشعب؛ وخاصة إن كانوا من فقراء هذا الوطن بعيدا عن كون ظروفهم تحت حكم نظام مبارك أو نظام السيسي فكلهم ضحايا..

وبالتالي ظهرت محاولات من بعض الشباب والثوار تدعو للفصل بين من تم استغلاله في موقعة الجمل، وبين الناس الذين تُهدم منازلهم فوق رؤوسهم في محاولة لإعادة الأمور إلى طبيعتها حيث إن المشوار لم ينته بعد في ظل سياسات تهدف إلى تحويل أماكن كثيرة الى مناطق استثمارية أو مناطق نفوذ للمال والعملاء وبالتالي فاليوم هم، وغدا أنت.

هكذا أظهرت تلك الحالة والتي اختلف فيها التعاطف عن حالة جزيرة الوراق الحالة التي نالت تعاطفا كبيرا ربما لأن أهالي الوراق لم يشاركوا في موقعة الجمل أثناء ثورة يناير.

لقد أظهرت حالة سكان ومنازل نزلة السمان عن تفشي حالة الثأر بين القوي السياسية في مصر بدرجة خطيرة على مستقبل هذا الوطن..

لقد أصبح هناك نوع من التفشي والشماتة كلما وقع جزء من قوي الثورة المصرية في مأزق وصار الثأر شعار الجميع.

الثأر عادة مصرية قديمة

انتشرت عادة الثأر في صعيد مصر في بدايات القرن العشرين نتيجة تفشي الجهل والعصبية في العائلات المصرية، ونتاج حالة انتماء متعصب لصالح عائلات ضد عائلات..

وكلما ازداد التعصب والكراهية و”الأنا”، ازداد الثأر.. ومن أغرب الأشياء والتي عايشت جزءا منها صغيرا أن هناك حالات ثأر قامت وراح ضحيتها أناس كثيرون بسبب أشياء صغيرة لو حُكم العقل فيها والعلم والوعي لما نتج عنها كل هؤلاء الضحايا.

الآن صار الثأر بين القوي السياسية في مصر هو المهدد الحقيقي لمستقبل الثورة المصرية وحالة الشماتة بين قوي الثورة التي ربط بينها الميدان أياما وأياما صارت في أقصي درجاتها.

فلا عجب أن تمضي في شارع بمصر فيقابلك شخص وتتحدث معه عن شخصية مصرية تتعرض لظلم طاغ من قبل النظام فيرد عليك بكل قسوة: أحسن لأنه أيد النظام في ٣٠ يونيو.. يستأهل!

وحينما تتوالى أخبار عن تلك الأحكام غير الطبيعية التي يتعرض لها الإخوان المسلمين والتي لا يمكن أن تتقبلها على الأقل إنسانيا؛ فلا عجب أيضا أن تجد من يقول: يستحقون لقد باعونا في محمد محمود ومجلس الوزراء واتفقوا مع عمر سليمان.

لقد أصبحت الحالة تلك مطلوبة وبشدة من جانب النظام لدرجة أن هناك من يشعلها من جانبه، ولعل ما يشاع عن اللجان الإلكترونية في هذا الشأن، وأنها تلعب لصالح استمرار حالة الفرقة حقيقيا أو مصدقا

ولكن هل تلك حالة مصطنعة فعلا؟

الحقيقة أنها حالة حقيقة ربما كان من أسبابها حالة الإحباط العام من التغيير الذي نأمله جميعا.. ربما استطاع النظام أن ينفرد بكل قوة على حدة فكان كل فصيل بعيدا عن معركة الآخر، وأُكلنا يوم أُكل الثور الأبيض.

لكن الحقيقة الأكبر هي أن كل القوى بلا استثناء أخطأت، ولا أحد يستطيع الاعتراف بخطئه حتى حين أدلى المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي بحوار أعلن فيه أنه أخطأ مع تياره في بعض الأحيان أو في أحيان كثيرة كانت أغرب التعليقات: بعد إيه؟  وكأنه المفروض ألا نقبل الاعتراف بالخطأ لمجرد أنك أخطأت.  وهكذا سيكون الأمر إذا حدث واعترف أحد قيادات الإخوان، أو التيار المدني، أو اليساريين، أو الليبراليين.

اعتراف بالخطأ

مثلا هل نقبل من محمد البرادعي اعترافه بخطأ، سواء قبل ما حدث في يونيو أو ما قبلها أو بعدها..

لا شك سيكون الجميع في انتظار البرادعي ما بين تحمله ما حدث في يناير، أو في يونيو أو ما بعدهما أو حتى مجرد خروجه من مصر مكتفيا بوجوده خارج مصر، وهو ما يعيبه فيه بعض الشباب اليوم ويتندرون على تغريداته على تويتر.

إن هذه الحالة المرضية وحالة الثأر بين القوي السياسية في مصر لابد لها من نهاية استمرار حالة التفتت ،الصراع الشكلي واللفظي لا يصب إلا في مصلحة نظام يعمل بكل قوة في إنهاء مهامه بنجاح مستغلا ومشعلا حالة الثأر بين قوي يناير.

الخلاصة للجميع لن يستطيع فصيل سياسي مهما كان أن يحل المعضلة المصرية، ولن يستطيع فصيل أن يقدم روشتة علاج لكل ما تعاني منه مصر من مشاكل وصعوبات …

الآن، ونحن نستعيد أحداث الثورة المصرية وأيامها التي شهد لها العالم بأنها أعظم ثورات العالم، هل يستطيع عقلاء هذا الوطن أن يتحلوا بالعقل والحكمة، ويتقدموا خطوة أو يعودوا خطوة من أجل إنقاذ الوطن؟  هل نجد مبادرة تسامح ونسيان للثأر المتبادل بين قوي الثورة؟

هل نجد من يؤمن بين كل قوى الثورة بأنه منفردا لا يستطيع أن يفعل شيئا؟  وأن ما يفعل يزيد عن كونه مساعدا للنظام ومعاونا له في تثبيت أركانه؟

على قوي الثورة المصرية أن تفيق فإن استمرار حالة الثأر وحالة الفرقة تعني غياب مصر وغياب الثورة المصرية الي اجل غير مسمى..

مشهد قديم لحوادث قد تتكرر كثيرا

ربما لا يتذكر كثير من الناس ذلك المشهد الدرامي الذي رسمه الكاتب المصري الكبير أسامة أنور عكاشة أحد كبار كتاب الدراما المصرية صاحب أشهر المسلسلات المصرية الشهد والدموع و ليالي الحلميه ..والمصراوية . والحب و أشياء أخري … رسم أسامة أنور عكاشة مشهدا في نهاية مسلسله التليفزيوني ( الرايا البيضا) من إخراج المخرج محمد فاضل وبطولة الممثل المصري العالمي جميل راتب وهشام سليم وسمية الالفي وهو المشهد الذي يصور الجرافات وهي تتجه الي فيلا السفير المصري مفيد ابو الغار وهي فيلا ذات تراث قديم في العمارة والتاريخ وتحتوي علي تحف واثار جمعها السفير المثقف الواعي عبر تاريخه وفي هذا المشهد يتجلى الصراع بين الثقافة والمال بين الجمال والتاريخ والقبح حينما تتحكم تاجرة السمك في أدوات الحكم المحلي فيقرروا هدم الفيلا لبناء برج الحاجة فضة المعداوي تاجرة السمك في السوق .. وتبقي صورة النهاية حينما يجلس السفير مع جبهته على رصيف فيلا ابو الغار وينزل النداء

الجالسون على رصيف فيلا ابو الغار يناشدونكم الانضمام معهم في هذه المعركة قبل أن يرفع الدكتور مفيد ابو الغار.. الراية البيضاء.. توقف المسلسل عند هذه اللقطة ولكن لم تتوقف محاولات الطفيليين والمستغلين لهدم التاريخ والحضارة في كل أرجاء الوطن ولازالت محاولات الهدم مستمرة فهل نعي النداء هل تعي قوي الثورة النداء لينضموا الي كل قوى تقف في وجه هدم التاريخ. بعيدا عن الثأر المتوارث من ثماني سنوات من الأخطاء المتبادلة..

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه