مصر بين عدل غائب وانتهاك حقوق الإنسان

مازالت مصر تعاني منذ أن ورث العسكر عرشها في 23 من يوليو/تموز 1952وبعد تأسيس عبدالناصر لديكتاتورية الحاكم الفرد والدولة البوليسية.. يتبع.

 

محمد الشبراوي*
عامان مضيا منذ الانقضاض على حلم المصريين بالحرية والإطاحة بأول تجربةٍ ديمقراطيةٍ عرفها المصريون وما زالت سجلات التاريخ تزداد ثقلا يوما بعد يوم لتنوء بحمل صفحات لأحداث ملتهبة ووقائع سوداء جعلت مصر بين شقي رحى عدل غائب وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان، حتى أصبحت مقبرة  للعدل والديمقراطية وكرامة الأنسان.
مازالت مصرتعاني منذ أن ورث العسكرعرشها في الثالث والعشرين من يوليو/تموز 1952وبعد تأسيس  عبدالناصر لديكتاتورية الحاكم الفرد والدولة البوليسية عاش المصريون فصولا من الظلم والقمعية والاستبداد أٌهدِرَ خلالها حريتهم وحقوقهم الأساسية وغُيّبَ في السجون والمعتقلات كل صاحب رأي، وتصادم النظام مع هوية المجتمع الإسلامية ونكل بدعاتها فكانت المعتقلات والسجون مقابر رسمية قضى فيها الكثيرون نحبهم على يد زبانية التعذيب في هذا العهد وسجل التاريخ صفحاتٍ حالكة السواد فيما يخص العدالة والديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وكانت هزيمة الإنسان المصري والشخصية المصرية على أصعدة ومستويات مختلفة نتيجة طبيعية انعكست أجلى صورها في نكسة الخامس من يونيو/ حزيران 1967 التي مازالت مصر والأمة العربية تتجرع آثارها حتى الوقت الراهن.
غير أن هذه الانتهاكات على الأصعدة المختلفة لم تتوقف عند حدود فترة جمهورية العسكر الأولى بل صارت ميراث نظام ومنهجية سلطة وممارسات طبيعية لمؤسسات سيادية وسلوكيات مبررة لتابعيها تتصاعد أوتهبط  من فترة إلى أخرى مرورا بعهد السادات ثم لتصعد بقوة في عهد مبارك وأخيراً تلامس أعلى مستوياتها- بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي- في عهد السيسي. ولم تشهد مصرخفوتا ولا تواريا للانتهاكات وكشفا لها وانتعاشا للحرية واحتراما لحقوق الإنسان إلا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 و حتى نهاية الفترة القصيرة لحكم الدكتورمرسي.
لقد استطاع نظام الثالث والعشرين من يوليو/تموز 1952 أن يؤسس جمهورية الخوف في نفوس المصريين عبر الظلم و التعذيب وانتهاك الحريات والكرامة الإنسانية وها هو يعود بقوة ردا على كسر المصريين حاجز الخوف بثورتهم في 25 يناير 2011 لتشهد مصر بعد انتكاسة الديمقراطية في 30 من يونيو و3 من يوليو 2015 تغولا في التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان لكل أصحاب الرأي ومعارضي النظام بل ولكثير ممن وقعوا تحت يد السلطة من غير هؤلاء من الجنائيين.
إن النظام في مصر عبر اعتماد منهج السياسات القمعية  وتصعيد حدة التعذيب يعتقد أنه يستطيع ان يفرض استقرارا ما لنظام الحكم في بلد كمصر معتمدا لاستراتيجية التوتر (وهي القائمة على تصنيع الخوف من الإرهاب الوهمي والتي كانت دعوات محاربة الإرهاب والإرهاب المحتمل أحد أدواتها) ليبرر بها الاستبداد والقمع والتعذيب في حق معارضيه ويجعل منهم عبرة لكل من يريد أن يعترض على ممارساته وإخفاقاته. لكن التاريخ يحفل بكثير من العبر لنُظم حكم سقطت وهُزمت يوم أهدرت حقوق شعوبها فذهبت هذه النظم وبقيت الشعوب.
إن نظاما  يقنن للاستبداد عبر قوانين مايسمى مكافحة الإرهاب ويسكت على ممارسات التعذيب طوال عقود ويتلطف بممارسيه في حق البشر ويجعل عقوبة ذلك في المادة 129 من قانون العقوبات المصري “الحبس لمدة سنة أو غرامة لا تزيد عن 200 جنيه” لهو نظام يحتقر كرامة مواطنيه وإنسانيتهم .
إن مصر قد وقعت هذه المرحلة من تاريخها  بين شقي رحى (عدل غائب وانتهاك لحقوق الإنسان سائد) تطحن وتسحق ما بقي من حقوق المصريين وكرامتهم وتقدم مؤنة متجددة لعجينة الإرهاب وقد أصبح خبز النظام الذي يقتات عليه ليحيا ويستمر فى الوجود.
إن مصر في ظل خلطة نظام الحكم الحالية وقوانينه الصارخة في القمعية وآخرها قوانين (مكافحة مايسمى بالإرهاب) لا يمكن أن يستقيم لها حال ولا أن يشتد لها عود، كما أن مصر ما بعد الخامس والعشرين من يناير 2011 ليست كما كانت في عهد عبدالناصر ومبارك فكثير من الحواجز كُسرت واخُترق جدار الصمت وإن سهام الظلم والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان  التي يرميها  النظام (تحت دعاوى مواجهة الأرهاب المحتمل والذى صار واقعا بيد النظام) سترتد لا محالة  في نحره وإن طال الزمان.
قديما كانوا يقولون إن مصر مقبرة الغزاة؟  لكن عاما من غياب العدل وفقدانه وتصاعد الانتهاكات والتعذيب تحت حكم السيسي جعل الكثيرين يقولون إن مصر في عهد الانقلاب صارت مقبرة للديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان وإن نظام السيسي هو حفار القبور لطالبي العدل ورافضي الظلم والاستبداد. وبرغم مأساوية الواقع وضبابية المستقبل الذي يشكل ملامح هذه المرحلة  فإن مقتضى السنن الكونية يؤكد أن نظاما كهذا من المستحيل أن يدوم وحتمًا  لا بد أن يزول، ولكن من يعقل أويسمع قبل فوات الآوان؟

____________________

*كاتب مصري 
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه