مشايخ السلطان ومتلازمة العبودية: من خالد الجندي إلى علي جمعة!

 

متلازمة العبودية مرض نفسي أعراضه الجسدية متفاوتة وغير واضحة الملامح، تكتسب الأعراض خصوصيتها من الشخص الحامل لفيروس المرض، لكنّها في المجمل تتسم بعدّة صفات توحّد بين حامليها وتعرّف بهم.

أعراض المتلازمة تتركز عادة في الجانب الحركي والصوتي، ولا تصيب الملامح العامة للشخصية؛ لأنّها لا تتعلق بالصبغيات أو الوراثة.

وقد تكون الأعراض التشنجية في حركات اليدين والوجه وتلونات الصوت شديدة أو بسيطة حسب المقدرة التي يتمتع بها الشخص من مقدرة على ضبط الانفعالات وهذا عائد إلى قوة المرض.

والملفت للنظر في متلازمة العبودية أنّه كلّما استفحل المرض ودخل في مرحلة الخطر أصبحت أعراضه الجسدية أقلّ ظهوراً وأبسط، وتكون أشدّ وأعنف في مراحله الأولى.

في المرحلة الأولى يستخدم العبد الحركات للتعبير عن مدى طاعته وخنوعه، في المراحل المتقدمة من المرض يصبح أشدّ هدوءاً وأكثر ثقة ومقدرة على ضبط انفعالاته بشكل عام.

يهمنا من هؤلاء العبيد المرضى فئة مؤثرة في الشّعوب وهي المشايخ، فهم حملة راية الدين الذي يسوقون بسلطته قطعان البشر ويسوطون رقابهم من مشرق الوطن العربي إلى مغربه.

شيطنة أعداء الحاكم:

أوّل شيخ من شيوخ السلطان “خالد الجندي” الذي صرّح في أكثر من حلقة تلفزيونية من برنامج “لعلّهم يفقهون” أنّه من مشايخ السلطان، متمثلاً بسيد شباب الجنة الحسن بن علي بن أبي طالب الذي بايع معاوية وكان يأخذ الأعطيات منه. يقول الشيخ خالد: (ليست مسبة ولا عيبة، قلها بفخر، قلها باعتزاز، أنا شيخ السلطان؛ لأنّك إن لم تقل ذلك يبقى لا نسب لك، اللي محروم منها فهو لقيط، هذا هو النسب طاعة كلام السلطان).

وصف الشيخ خالد الجندي الخارجين على الحاكم بأنّهم يستغلون الدين الإسلامي وهم أعداء الإسلام، وهم خوارج وتتار وهم السبب في ضياع البلد! الشيخ خالد ينفي أنّه منتفع لا بوظيفة ولا بالمال وأنّه يعيش في الستر! إذن كيف ظهرت عليه أعراض المتلازمة؟

براءة اختراع:

اختراع غير مسبوق للشيخ خالد الجندي “نضّارة الدين” يقول الشيخ خالد: “إحنا بنلبس نضّارة عشان نشوف بيها ممكن تلبس نضّارة الدين فكرة حلوة ايه؟ …. نضّارة الدين… تعال نعملها كده ونعملها حلقة بعد كده إن شاء الله، نضارة الدين، إيه نضارة الدين دي؟ العدسة اللي أنت بتشوف فيها كلّ حاجة، بتعامل مراتك البس نضارة الدين، بتعامل جيرانك البس نضارة الدين، أقول إيه؟ نحنا محتاجين نضارة الدين دي في كل حاجة، جالك ضيف البس نضارة الدين، البس نضارة الدين وأنت بتتعامل مع صحابك، دي نضارة الدين دي نضارة لو لبسناها ح نلاقي الدنيا مختلفة عن الدنيا التي نحنا عايشنها يا جماعة والله دنيا غريبة”

تبين من خلال هذه الفقرة التي أذاعها الشيخ خالد أنّه يمتلك موهبة الدعاية والإعلان، لم يكن ينقصه موسيقى تصويرية ترافق الحديث لتبدو موهبته فهو قادر على تلوين صوته بما يتوافق مع الإعلان الذي يقدّمه! والشيخ خالد امتلك هذه الموهبة بعد طول معاناة مع المرض في العهود السابقة من خدمته للطغاة وتوّجها الآن في عهد السيسي بأن استقى من كلمات الحاكم عبارة يرددها ليتماهى مع شخصه وهو مظهر من مظاهر متلازمة العبودية.

في برنامجه الديني “لعلّهم يفقهون” الشيخ خالد الجندي يقول: “(صحيح) العبارة التي يرددها السيسي أصبحت على لسان الشيخ خالد الجندي وهو يتحدث عن رحلة السيسي إلى أمريكا والذي رفع قدر مصر أمام العالم.

إشارات الأيدي ومعناها:

تابعت الشيخ خالد الجندي في أحد أحاديثه فرأيته كثير الحركة على الرغم من جلوسه وراء طاولة، يحرّك يديه أثناء الحديث عن أعداء الدولة من الشّعب وكأنّه يحمل “كرباج” ويضرب بكلّ قوته، أو يكور قبضته ويرميها وكأنّه يرمي إبليس بالجمرات!

أمّا الشيخ أحمد حسون مفتي الدولة السورية أكثر المشايخ غرقاً في المتلازمة، في كلمته التي ألقاها الشيخ أحمد حسون أمام البرلمان الأوربي وضع يديه على جانبي الطاولة قبل البدء وحيا الحضور بجميع اللغات وختمها بشالوم اللغة العبرية! ولا شكّ _ومن معرفتي بالشيخ أحمد منذ ثمانينات القرن الماضي__ أن لامتلاكه لغة فصيحة وتبحره في علوم الدين ودراسته في “الخسروية” وهي المدرسة الشرعية في حلب.. كل ذلك ساعده ليكون مؤثراً في السامعين ومسيطراً عليهم.

أمّا خطيب الجامع الأموي مأمون رحمة والذي ظهر بعد الثورة السورية وقد قطعت أذنه فهو أشدّ المدلسين وأكثرهم نفاقاً وكذباً، ومشكلته الأساسية أنّه كلّما أوغل في الكذب وفي إظهار ولائه للنظام المجرم في سوريا بدا غير مقنع؛ وذلك لأنّه لم يأتِ إلى المشيخة من باب الدين ويرتقي إلى رتبة مخبر بل العكس ارتقى منبر المسجد من غرف المخابرات، فتلونت خطبه بأقوال لمحمود درويش، وتشي جيفارا، وكاتبة بريطانية وأخرى أمريكية! وقد بالغ في إظهار أعراض مرضه بحركات يديه ووجه ونظراته وصوته المرتفع حتى كاد يقول “هل اقتنعتم بنفاقي أم أبذل المزيد؟”.

في السعودية وبعد عهود طويلة من تحريم الغناء وأمور أخرى كثيرة ظهر إمام الحرم المكي السابق عادل الكلباني ليقول: (لا أحد ينكر وجود الغناء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، يجب تدريس الموسيقى إجبارياً في المدارس والإسلام لا يرفض ذلك، الرسول لم ينهَ عن غناء السيدات وحضر عرساً كان فيه مطربة. زمن النبي كان فيه الكثير من أدوات الغناء مثل العود). مجموعة الأقوال هذه في عهد ابن سلمان نسفت كلّ المفاهيم التي قامت عليها سياسة المملكة في العهود السابقة، وأوغل المشايخ في غيهم فقال أحد الدعاة: “لا تلوموا الحكّام على رفع الأسعار الله هو الذي يرفعها وينزلها

والاعتراض على الله كفر!

أمّا مخرجات مؤتمر الفقه الإسلامي الدولي الذي اجتمع فيه نخبة من خيرة الفقهاء في العالم الإسلامي برعاية خادم الحرمين الشريفين وجاء رداً على الذين أرادوا اختطاف الدين الإسلامي _كما جاء على ألسنة الإعلام السعودي_ فقد كانت قوية جداً وتتلخص في عدم الخروج على ولاة الأمر وتكرار البيعة لسمو ولي العهد! وكما قال أحد العلماء: “الخروج على ولي الأمر محرّم بنص الكتاب والسنة سواء أكان ذلك بالقول أو بالفعل أو بالإيماء أو بالإشارة أو بالكتابة أو بالسكوت”.

تتبدى متلازمة العبودية في أشدّ صورها قتامة عند مشايخ الإمارات، فالمرض المستفحل اتخذ له مظهراً غريباً يمكن أن يعدّ فتحاً جديداً في هذا المجال إذا قمنا بدراسة “ابتسامة” الشيخ علي الجفري. وعلي الجفري الشيخ المجاز في استلام الدين الجديد من زعيم الدعوة ناظم الحقاني وهو من الفقهاء الأحناف ومن النقشبندية وأسلم على يديه آلاف الأجانب في أوروبا وآسيا الوسطى وهو في التسعين من عمره وكما قال علي الجفري إنّه أسلم على يديه بعض أبناء الأسر المالكة في بريطانيا!

ومتلازمة العبودية عند المشايخ المأجورين لحكّام في بلاد غير بلادهم تظهر في صورة باهتة لا تحتاج من الشيخ المأجور أن يكلّف نفسه اتخاذ لبوس معين ما دام المال هو الغاية الوحيدة، وهذا ما ظهر على الشيخ علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق الذي جنّدته الإمارات للهجوم على قطر، فخرج بنظرية غريبة ومضحكة في آن واحد.

قال: “قطري بن الفجاءة وكان فصيحاً وكان إماما للخوارج الأزارقة وبها سميت قطر، وقطر دي نسبة إلى إيه؟ نسبة إلى قطري بن الفجاءة الذي نزل قطر فأصبحت الخوارج في قطر، وجاء المهلّب بن صفرة وقتل قطري بن الفجاءة”.

ألا نحتاج بعد كلّ ذلك إلى دراسة علمية نفسية تلقي الضوء على هذه المتلازمة؟ أم أن علم النّفس توقف عند فرويد وتلميذه يونغ؟

 

 

 

 

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه