مزيد من تكميم أفواه الإعلاميين والمواطنين المصريين

منذ قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الصادر في أغسطس/آب 2018، لم تعد عقوبات المجلس الأعلى قاصرة على الصحفيين والإعلاميين وحدهم.

 

لم تكتف السلطات المصرية بوجود سبعة قوانين زاخرة بالعقوبات للصحفيين والإعلاميين والمواطنين وللمؤسسات الصحفية والاعلامية، ليخرج علينا المجلس الأعلى للإعلام التابع للنظام مؤخرا، بلائحة جديدة للجزاءات التي يمكن توقيعها على المؤسسات الصحفية والإعلامية والمواقع الإلكترونية والعاملين بها.

وتتدرج تلك الجزاءات حسب نوع المخالفة من لفت النظر إلى الإلزام بتقديم اعتذار ثم إلى الإنذار، ثم إلى الغرامة التي تتراوح أيضا من خمسين ألف جنيه إلى مائة ألف جنيه ثم 250 ألف وتنتهي بخمسة ملايين جنيه.

وإلى جانب الغرامات المالية هناك منع البث أو النشر للمادة الصحفية أو الاعلامية المخالفة، ويمكن أن يمتد هذا المنع للبث والنشر إلى الصفحة أو البرنامج، وهو منع قد يكون مؤقتا أو بصفة دائمة، وقد يصل المنع إلى حجب الموقع الإلكتروني نفسه..

أو للصفحة الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي التي يزيد عدد متابعيها عن خمسة آلاف متابع، كما يمكن الوصول بالمنع إلى إلغاء ترخيص الوسيلة الإعلامية، أيضا، ويمكن كذلك إحالة الصحفي والإعلامي للمساءلة التأديبية أمام نقابته.

وبجانب الغرامة المالية السابقة فهناك عقوبة أخرى تتمثل في سداد تعويض مالي، وكذلك عقوبة منع الظهور للإعلامي، أو لأحد الأفراد بالوسيلة الإعلامية أو بالمواقع الإلكترونية لفترة محددة، ولم يكتف المجلس الأعلى للإعلام الذي أصدر تلك اللائحة للجزاءات بذلك، بل فتح المجال بأن تلك الجزاءات السابق ذكرها لا تخل بأية عقوبة أشد منصوص عليها في قانون أو لائحة أخرى، كما أكد أن توقيع تلك الجزاءات لا يحول دون المساءلة الجنائية.

  جزاءات مخففة لأنصار النظام

وهكذا أصبح المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أحد أدوات النظام لتأديب مخالفيه جنبا إلى جنب مع الجهات الأخرى، وهو ما يمثل إضافة لأدواره كالصمت منذ تكوينه عما لحق بكثير من الصحفيين من حبس واعتقال وحجب للمواقع الإلكترونية، وتعطيل للفضائيات الإسلامية، وإغلاق للمكاتب المصرية لفضائيات عربية والاستيلاء على معداتها.

والخطير في الأمر أنه مع تعدد المخالفات الموجبة لتلك الجزاءات أن هناك عمومية في نصوص تلك المخالفات، ومنها: نشر مادة تتعارض مع أحكام الدستور أو تخالف النظام العام والآداب العامة، ومثل: إلقاء اتهامات تؤذى مشاعر الجمهور، ومثل: نشر أخبار كاذبة أو شائعات أو ما من شأنه الإساءة الى مؤسسات الدولة والإضرار بمصالحها العامة أو إثارة الجماهير أو إهانة الرأي الآخر..

 أو استضافة الوسيلة الإعلامية لشخصيات غير مؤهلة، أو تقديم شخصية للجمهور على غير الحقيقة، إضافة إلى عدم الالتزام بقواعد التغطية الصحفية للعمليات الحربية والأمنية أو الحوادث الإرهابية، وأيضا إثارة الجماهير والإضرار بمصالح الدولة.

ولقد بينت الممارسة العملية للمجلس الأعلى للإعلام خلال الشهور الأخيرة، أن الجزاءات المخففة مثل لفت النظر والإنذار كانت من نصيب الوسائل الإعلامية الموالية للنظام، في حين كانت العقوبات المغلظة من نصيب الوسائل الأخرى، بل إن الأهم من ذلك هو غض الطرف عن المخالفات التي تتم من قبل الفضائيات الموالية للنظام، والتي تعتمد برامجها اليومية على سب وتجريح معارضي النظام والنيل منهم.

  قانون الإعلام يعاقب المواطنين

ومنذ قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الصادر في أغسطس/آب 2018، لم تعد عقوبات المجلس الأعلى قاصرة على الصحفيين والإعلاميين؛ بل امتدت إلى أصحاب الحسابات الإلكترونية التي يزيد عدد متابعيها على خمسة آلاف متابع، وهو عدد من السهل إيجاده خلال فترة قصيرة من خلال توجيه الكتائب الإلكترونية التابعة للنظام لمتابعة الحساب المستهدف.

وهكذا أصبح المواطن والإعلامي معا محاصرين من خلال العديد من القوانين، نذكر منها سبعة قوانين هى: قانون العقوبات الصادر في عام 1937 والذي ما زالت كثير من نصوصه الخاصة بالصحافة مطبقة حتى اليوم، وقانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين والإدراج بقائمة الارهاب، الصادر في فبراير/شباط 2015 والذي بمقتضاه تم إدراج صحفيين على قوائمه..

وقانون مكافحة الإرهاب الصادر في أغسطس 2015 والزاخر بالعديد من المواد المتعلقة بنشر الأخبار وأسلوب نقل البيانات الرسمية لأعمال الإرهاب، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الصادر في أغسطس 2018، إلى جانب قانون الهيئة الوطنية للصحافة وقانون الهيئة الوطنية للإعلام، وهذا بالطبع بخلاف قانوني نقابة الصحفيين ونقابة الإعلاميين..

وهو ما يتطلب دورة تدريبية للصحفيين والإعلاميين للتعرف على تلك المواد التي تجرم كثير من مقتضيات عملهم اليومي، أو تتيح لبعض المحامين من هواة الشهرة تصيد أو تفسير ما يقومون به على أنه مخالف للقوانين، مما يوقعهم في تلك المصيدة بما بها من غرامات مالية باهظة لا تقدر إمكاناتهم المالية أو إمكانات التي يعملون بها على سدادها..

حيث إن الإدراج بقائمة الإرهاب كما حدث لبعض الصحفيين يعنى أيضا بالتبعية: الإدراج على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول، وسحب جواز السفر أو إلغائه أو منع إصدار جواز سفر جديد، وفقدان شرط حسن السمعة والسيرة اللازم لتولى الوظائف والمناصب العامة والنيابية، وتجميد الأموال والتحفظ عليها ومنع مالكها أو حائزها من التصرف فيها، وحظر ممارسة الأنشطة الأهلية أو الدعوية تحت أي مسمى.

    نصوص عقابية منذ عام 1937

وكذلك مطلوب من الإعلاميين الإلمام بنصوص الباب الرابع عشر من قانون العقوبات تحت عنوان الجرائم التي تقع بواسطة الصحف وغيرها، والمحتوى على 21 مادة نذكر منها، المادة 178 مكرر (ثانيا) التي تعاقب بالغرامة المالية كل من حاز صور غير حقيقية من شأنها الإساءة إلى سمعة البلاد، والمادة 179 التي تعاقب بالحبس كل من أهان رئيس الجمهورية بالكتابة أو الرسم أو الصور.

والمادة 181 التي تعاقب بالحبس أو الغرامة كل من عاب بالكتابة أو الصور أو الرسم ملك أو رئيس دولة أجنبية، والمادة 182 التي تعاقب بالغرامة كل من عاب بالكتابة أو الرسم أو الصور في حق ممثل لدولة أجنبية معتمد في مصر، والمادة 184 التي تعاقب بالحبس والغرامة كل من سب مجلس الشعب أو مجلس الشورى أو غيره من الهيئات النظامية أو الجيش أو المحاكم أو السلطات أو المصالح العامة.

والمادة 185 التي تعاقب بالغرامة كل من سب موظفا عاما أو شخصا ذا صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة، والمادة 186 التي تعاقب بالحبس والغرامة كل من أخل بمقام قاض أو هيبته أو سلطته في صدد دعوى، والمادة 201 التي تعاقب بالحبس والغرامة كل شخص ولو كان من علماء الدين أثناء تأدية وظيفته، ألقى بأحد دور العبادة أو في محفل ديني مقالة تضمنت قدحا أو ذما في الحكومة أو في قانون أو في مرسوم أو في قرار جمهوري أو في عمل من أعمال جهات الإدارة العمومية.

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه