مرتضى منصور.. الوظيفة والدور!

 

منذ ظهر مرتضى منصور على الساحة الرياضية المصرية عبر بوابة نادي الزمالك منتصف تسعينيات القرن الماضي، والكل يتعامل مع تصرفاته وأفعاله ومواقفه على أنها لا تصدر عن شخص مكتمل النمو، سليم التفكير، مسؤول التصرف، فهي مواقف وأفعال خارج حدود المنطق وضد كل الأعراف، ولا يوجد له خلال مشواره بالوسط الرياضي الممتد لربع قرن من الزمان، قرار واحد أو موقف يتيم، يمكن وصفه بالعقلاني، أو المتزن، بل كلها تصرفات ومواقف تجعل من يتابعها يظن أن صاحبها، مجنون!

والجنون مرض وصفة ينفيها أي إنسان عن نفسه حتى وإن كان مجنونا بالفعل ويحمل شهادة معاملة الأطفال، إلا مرتضى منصور فهو يقبلها ويتعايش معها، بل ويسعى لإبرازها وإثباتها على نفسه، لأنها من ناحية أثبتت نجاحها معه، ومن أخرى تبدو وكأنها مسوغ مهم من مسوغات الرضا عنه لدى من يوظفونه ويحركونه لتحقيق أهداف ومآرب سياسية كبرى على رأسها بطبيعة الحال شغل الرأي العام بمعارك وقضايا تافهة، تلهيهم عن التفكير في قضاياهم السياسية والحياتية المهمة.

فالجنون لدى مرتضى ليست صفة أو مرض، إنما هو وظيفة مهمة يحصل مقابلها على مناصب اجتماعية وسياسية رفيعة، مثل رئاسة نادي الزمالك، وعضوية البرلمان، وهي مناصب يستحيل أن ينالها كبار العقلاء من العلماء والمفكرين.

أزمة نادي القرن

والحقيقة أن مرتضى منصور على مدار تاريخه الطويل بالوسط الرياضي، لا يعدم الحيلة في ابتكار القضايا والأزمات التي يثيرها من وقت لأخر، وفي أغلب المرات ينجح في شغل الرأي العام بها والالتفاف حولها، ولعل مهارته في ذلك هي أحد أبرز الأسباب والدوافع التي تجعل السلطة تحافظ على بقائه واستمراره كل هذا الوقت، بل وتوفر له الحماية والحصانة، وعلى الرغم من أنه لا توجد قضية واحدة من ألاف القضايا التي أثارها حقق نجاحا فيها، أو حتى أكمل فيها للنهاية، إلا أنه لا يتوقف عن افتعال المزيد وتقديم الجديد، وجديده اليوم هو فتحه لملف لقب نادي القرن الأفريقي في كرة القدم، وهو اللقب الذي حصل عليه النادي الأهلي منذ عشرين عاما بناء على معايير محددة وقواعد معلومة للجميع وضعها الاتحاد الأفريقي منذ أكثر من عشرين سنة وارتضتها أندية القارة الأفريقية بالكامل، وهو ملف أغلق في حينه قبل عقدين، وكل ما فعله الزمالك وقتها هو أن مسؤوليه أطلقوا بعض التصريحات الصحفية الرافضة للقرار بهدف حفظ ماء الوجه أمام جمهور النادي ليس أكثر، حيث لم يتم تقديم أي احتجاج رسمي، والطريف أن مرتضى نفسه كان وقتها عضوا بمجلس إدارة نادي الزمالك، ولم يسجل له أي موقف أو حتى تصريح صحفي وقتها يثبت رفضه للقرار أو اعتراضه عليه.. وإذا افترضنا أن وجوده الآن على رأس السلطة بنادي الزمالك هو الذي دفعه لإثارة القضية، فلماذا لم يثرها السنة الماضية مثلا وقد كان هو الرئيس أيضا؟ أو لماذا لم يثرها منذ 15 سنة وقت أن كان رئيسا للنادي أيضا، وكان الاحتجاج وقتها سيبدو أكثر منطقية وقبولا من الآن، حيث كان إعلان القرار قد مر عليه خمس سنوات وليس عقدان كاملان، فلماذا تذكرها الآن وقد مر كل هذا الوقت؟ الإجابة ليست عند أحد بما في ذلك مرتضى نفسه، وإنما عند من يستخدمونه بالساعة، وبالطلب!

تفاعل بالأمر

والمهام التي يقوم بها مرتضى منصور تتطلب أدوات وعدة شغل، وهي تختلف حسب القضية والزمن، إلا أن الأداة الدائمة والثابتة في القضايا هي الوسائل الإعلامية التي يطل منها مرتضى ليطرح قضاياه ويفتح من خلالها ملفاته، وبدون الإعلام لن تتحقق الأهداف المطلوب أن يحققها، وطبقا لتوزيع الأدوار بينه وبين الأجهزة التي تحركه، فإن مرتضى عليه طرح القضية وتحريكها وتسخينها وشغل الرأي العام بها، فيما توفر له الأجهزة الوسائل الإعلامية اللازمة لذلك، وبالرغم من أن كل القضايا التي يثيرها والملفات التي يفتحها ليس لها أصل على أرض الواقع، بل وتتنافى مع منطق الفهم والعقل، إلا أنه يجد معظم الوسائل الإعلامية وعلى رأسها القنوات الفضائية وقد سخرت له كل الإمكانيات وأتاحت له الظهور في كل البرامج حتى يتحقق المراد، فيتحول الهراء إلى قضية رأي عام، تماما كما هو الحال الآن في لقب نادي القرن الذي كاد الجميع ينساه بما في ذلك الأهلاوية أنفسهم أصحاب اللقب، لولا أن مرتضى أثاره، وكأنه أراد أن يعيد تذكير الناس بأمجاد غريم الزمالك وهو الأهلي.

وعلى الرغم من النجاح المذهل الذي حققه مرتضى في تلك القضية التي أحياها من العدم، إلا أنه بدا على من يحركونه وكأنهم غير مقنعين بالنجاح، فهم يريدون للمشهد التمثيلي المزيد من الواقعية، تماما مثل المخرج الذي يريد من البطل أن يعيد ضرب الكومبارس مرات عديدة، وهو يصرخ، عاوز ضرب طبيعي، ولا يتوقف المخرج عن إعادة المشهد مرات حتى يجد الكومبارس وقد أصبح غريقا في دمائه وأوشك على الموت.. هذا ما فعلته تلك الجهات مع هذه الأزمة، حيث أصدرت تعليماتها، لمسوؤلي النادي الأهلي، بالتفاعل مع ما يقوله مرتضى والتظاهر بالانشغال بالقضية، سعيا لتحقيق المزيد من الاهتمام الجماهيري بها، وانقسام الرأي العام حولها، فتصبح قضية نادي القرن هي القضية المصيرية للشعب، وينسى فشل الدولة في التعامل مع الأزمات الراهنة وعلى رأسها أزمة فيروس كورونا.. وبالفعل استجاب النادي الأهلي للتعليمات وبدأ يجاري مرتضى في التلاسن والجدل، ورأينا قناة النادي الأهلي التي تدار حاليا بمعرفة شركة استادات المملوكة لجهاز المخابرات، وهي ترد على ما يقوله مرتضى، بل وتسخر برامجها لاثبات أحقية النادي بلقب هو في حوزته من عشرين سنة ولا توجد قوة على الأرض تسحبه منه، بل المدهش أن القناة أقامت احتفالية كبرى بمناسبة فوز ناديها باللقب، وكأن الفوز تم الآن، وليس منذ عقدين!

القضية أكبر من مرتضى بكثير.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه