مراسم الزواج في تركيا.. تنتهي بضرب العريس!

لا يعرف الأتراك عموما مسألتي المهر والمؤخر خصوصا في المدن الكبيرة كإسطنبول وأزمير وأنقرة

 

الأعراس وعادات الزواج والاحتفالات التي تقام بهذه المناسبة الجميلة من أكثر المناسبات الاجتماعية التي تحظى بالكثير من الاهتمام ، وتتمتع بقدر لا يستهان به من الدقة في كافة تفاصيلها التي تخضع في معظمها لمجموعة من الموروثات الثقافية والاجتماعية والدينية لكل مجتمع من المجتمعات الإنسانية عموما، وإن كان هناك تشابه ظاهري في الإطار العام لتلك التفاصيل إلا أن هناك بعض الأمور الصغيرة التي تكمن فيها الاختلافات في تلك العادات من شعب لآخر، والتي يبدو بعضها غريبا أو مثيرا للدهشة، وربما مضحكا وأحيانا قد يكون مستهجنا .

القهوة المالحة

والشعب التركي مثله مثل معظم الشعوب الشرقية الإسلامية التي تتبع الكثير من الخطوات نفسها عند البدء في اتخاذ قرار الزواج ، أذ إنه يجب على الشاب المقدم على هذه الخطوة القيام بزيارة بيت العروس التي وقع عليها الاختيار لتكون زوجة له وأما لأبنائه ، مصطحبا معه أفراد أسرته وكبار السن في عائلته لطلب الفتاة من ولى أمرها، حيث يتم إكرام الضيوف بتقديم العصائر والشيكولاتة ثم القهوة لهم ، وهو تقليد متبع لدى كافة الأسر الشرقية ، لكن في تركيا حينما يتم تقديم القهوة للضيوف أثناء هذه الزيارة ، يتم إعداد فنجان من القهوة التي يضاف إليه مقدارا من الملح عوضا عن السكر ، وهو الفنجان الذى يقدم للعريس لاختبار مدى صبره وقدرته على التحمل ومواجهة االأمور السلبية التي يمكن أن تصادفه في حياته المستقبلية ، فإذا ما شرب الفنجان دون أن تتغير ملامحه أو يظهر على وجهه الضيق والتأفف فإن ذلك يعنى قدرته على تحمل الصعاب ، ومواجهة الظروف الصعبة التي قد يتعرض لها في حياته المستقبلية ، أما إذا لم يحتس ما في الفنجان كاملا أو بدا عليه الضيق سريعا دل ذلك على قلة صبره وعدم قدرته على تحمل مسئولية أسرة تضم زوجه وأطفال ، وقد يكون ذلك سببا في رفض العروس وأهلها إتمام الزواج .

في حال الموافقة على طلب العريس فيتم إعلان الخطبة ويقوم “العروسان” بلبس خاتمي “الخطوبة” اللذين يتم ربطهما سويا بشريط من الستان الأحمر، ويسمح فقط إما لوالد العروس أو والدتها بالقيام بقص هذا الشريط الستان إعلانا عن موافقتهم على الخطبة، وإيذانا ببدء مرحله جديدة في حياة ابنتهما العروس التي تتحلل بذلك من القيد الأسرى داخل منزل أسرتها لتنتقل إلى حياة جديدة وتكوين أسرتها الخاصة في منزل زوجها.

الزواج بدون مهر

لا يعرف الأتراك عموما مسألة المهر والمؤخر خصوصا في المدن الكبرى كإسطنبول وأزمير وأنقرة، لكنها توجد في بعض مناطق شرق وجنوب شرق تركيا وفى منطقة الأناضول، وهى أماكن ريفية، حيث يتم الاتفاق بين العائلتين على قيمة المهر وتحديد ماهيته؛ فقد يكون قطعة أرض أو منزلا أو حصانا أو عددا من رؤوس الماشية أو الأغنام، تقدم للعروس قبل الفرح وغالبا في يوم الحناء.

 أما في المدن والحضر فلا يلتزم العريس بشيء من ذلك، إلا أنه ملزم بشراء هدية من الذهب يقوم بتقديمها لعروسه يوم الزفاف، وتلك الهدية تمثل ما يعرف في بلداننا الشرقية بالشبكة، قد تكون ذهبا خالصا أو مرصع بحبات من اللؤلؤ أو الألماس وفق رغبة العروس، حيث أصبحت الفتيات التركيات يملن إلى أن تكون الشبكة عبارة عن خاتم من الذهب الأبيض المرصع بالألماس ومعه محبس من الألماس أيضا.

تحضير منزل الزوجية وتجهيز محتوياته تتم في الغالب مناصفة بين العريس والعروس وفق اتفاق مسبق بينهما، حيث يقوم أحدهما بشراء الأجهزة الكهربائية والسجاد وجزء من غرف المنزل، ويقوم الطرف الثاني بشراء أدوات المطبخ كاملة والستائر وباقي الغرف، أما المنزل ففي الغالب يبدأ الأتراك حياتهم في منازل مستأجرة تناسب دخل العروسين، ولا يتدخل الأهل في تحديد مكان السكن أو مساحته، فذلك يتم تقديره وفق الدخل الشهري للعروسين معا.

بعد الانتهاء من تجهيز عش الزوجية، يتم اجتماع أفراد الأسرتين للاتفاق على موعد إقامة العرس وتحضيراته، وهو اليوم الذي تسبقه ليلة الحناء، وغالبا ما تتم حفلات الأعراس في تركيا يومي السبت والأحد، العطلة الأسبوعية في تركيا.

حضور الإمبراطورية العثمانية

تتكفل أسرة العروس بعمل ليلة الحنة في منزلها وعلى نفقتها ، حيث ترتدى العروس ثوبا مطرزا باللون الأحمر يطابق في تصميمه أثواب أميرات القصور العثمانية سواء من ناحية القماش المستخدم أو الرسومات والتطريز الذى غالبا ما يحوى الكثير من الزهور والورود خصوصا زهرة الألى المرصعة بالكثير من الأحجار البراقة الملونة ، كما يتم تغطية وجه العروس بوشاح أحمر اللون أيضا ومطرز هو الأخر برسومات وأشكال تنتمى إلى فترة الإمبراطورية العثمانية ، وهو الوشاح الذى يقوم العريس برفعه عن وجه عروسه معلنا بدء الاحتفال بيوم الحناء ، الذى يحضره أهل العريس والأقارب والأصدقاء والجيران، الذين يقومون بالرقص والغناء حول العروس وهم يحملون في أيديهم صينية كبيرة تحيطها الشموع وفى منتصفها يتم وضع طبق الحنة حيث تحاول أم العريس فتح يد العروس لوضع الحنة بها إلا أن الأخيرة ترفض ذلك ولا تقبل إلا بعد أن تقوم أم العريس بوضع قطعة ذهبية في يدها ، وهنا تقوم العروس بفتح يدها وتبدأ أمها بوضع الحنة على أطراف أصابعها الخمس وفى منتصف كف اليد ، ليتسابق بعد ذلك صديقات العروس وجيرانها في وضع الحناء على أيديهن وهن ينشدن الأغاني ويرقصن على أصوات الموسيقى ويتناولن ما لذ وطاب من المأكولات والحلويات التي يتم إعدادها خصيصا لهذه المناسبة. وفى ختام ليلة الحناء يبدأ الجميع في إنشاد بعض الأغنيات الحزينة في وداع العروس لبيت أبيها وانتقالها إلى بيت زوجها حيث يبدأ الجميع في البكاء حزنا على رحيل العروس وانتقالها من كنف أسرتها لكنف زوجها وعائلته .

يوم العرس

وفى صباح اليوم التالي وهو يوم الزفاف يستيقظ الجميع مبكرين، إذ على العريس وأهله التوجه إلى الأسواق لشراء بعض المستلزمات الخاصة للعروس من ملابس وأدوات تجميل وعطور، كما تتوجه العروس وأسرتها إلى الأسواق أيضا لشراء بعض الهدايا للعريس خصوصا البيجامات والعطور وأنواع من الصابون ذات الرائحة العطرية، ثم يتوجه الجميع إلى منزل العروسين لوضع تلك الهدايا، ومن هناك ينطلق كل من العروس وصديقاتها والعريس وأصدقاؤه للاستحمام في الحمام التركي الشهير استعدادا لحضور الزفاف.

تعود العروس وصديقاتها إلى منزل أسرتها حيث ترتدى فستان الزفاف الأبيض، ثم تقوم بكتابة أسماء صديقاتها المقربات اللائي لم يتزوجن بعد أسفل حذائها، حيث يعتقد الأتراك أن الفتاة التي يمحى أسمها من تلك القائمة أثناء العرس هي التي سوف تلى العروس في الزواج ، ويقوم شقيق العروس الأكبر أو عمها بلف شريط من الستان الأحمر على خصرها قبل أن يأتي العريس وأصدقاؤه لاصطحابها إلى مكان إقامة العرس ، وذلك تأكيدا على أن العروس عذراء لم يسبق لها الزواج من قبل . تتأبط العروس يد عريسها ويهمون بالخروج من بيت أسرتها حيث يقوم أفراد أسرتها بإلقاء النقود المعدنية  والمكسرات عليهما ، بينما تصدح أصوات الطبول والمزامير وهما في طريقهما إلى ركوب سيارة العرس المزينة بالأزهار والورود التي تأخذهما إلى مكان الاحتفال الذى غالبا ما يقام في منتصف النهار ، حيث ينتظرهما مسئول البلدية الذى يقوم بعقد قرانهما أمام الجميع ويعلنهما زوجا وزوجة لتبدأ الحفلة بالأغاني والموسيقى التي يرقص عليها الجميع ويتم تغيير مكان دبل الخطوبة من اليد اليمنى إلى اليسرى ويقوم العريس بإهداء الشبكة إلى عروسه وتقطيع قالب الحلوى وافتتاح البوفيه ، حيث يقضى الجميع وقتا ممتعا خلال ساعات العرس ، ثم يقوم أهل العروسين بوضع شريطين طويلين من الستان الأحمر على كل من بدلة العريس وفستان العروس ، وذلك لتلقى الهدايا العينية من الحضور ، والتي تتراوح ما بين قطع ذهبية وأوراق نقدية يتم تعليقها على تلك الأشرطة ، أثناء تقديم التهاني للعروسين ، وهى المبالغ المالية التي تساعدهما في بداية حياتهما الزوجية وما تتطلبه من مصروفات لتوفير التزامات البيت الجديد .

ضرب العريس

ثم يصطحب العريس وأصدقاؤه العروس وصديقاتها في جوله بشوارع المدينة وهم يتناوبون الرقص الغناء والتقاط الصور التذكارية في المناطق الأثرية وعلى شاطئ البحر وعند الكباري وداخل الحدائق والغابات الشهيرة ، ومن ثم يتوجهون إلى حيث عش الزوجية الخاص بالعروسين حيث يقف أصدقاء العريس متراصين على جانبي الطريق إلى المنزل ويسمحون للعروس بالمرور بمفردها أولا، وحينما يأتي دور العريس يبدأ أصدقاؤه في توجيه اللكمات والضرب له أثناء مروره من بينهم في طريقه إلى منزله الجديد ، وهم يوصونه خيرا بزوجته وبضرورة حسن معاملتها ، ويحذرونه من إساءة معاملتها أو ضربها ، متمنين لهما حياة جديدة تملؤها البهجة وتظلل عليهما فيها السعادة .

 وفى بعض المناطق من تركيا يتعرض العريس للكثير من المواقف المضحكة من جانب أصدقائه الذين يختبرون صبره وقدرته على تحمل مسؤولية البيت الجديد، فيجبرونه على القيام ببعض الأعمال التي قد تستفزه أو تتسبب في غضبه مثل جمع القمامة من الشارع الذي يسكن فيه، أو تجهيز نوع من الطعام في الشارع على مرأى من المارة، وذلك وسط ضحكاتهم وتعليقاتهم الساخرة قبل أن يسمحوا له بدخول بيته والانضمام إلى عروسه في بيتهما الجديد.

 إنها عادات وتقاليد اجتماعية متوارثة من الأجيال القديمة في مناسبة نعتبرها أهم المناسبات الاجتماعية في حياتنا جميعا، ولايزال الكثير من الشباب الأتراك حريصين عليها، بل ويفخرون بوجودها كتقاليد خاصة بهم في الأفراح ويصرون على القيام بها وإحيائها فيما بينهم، استمرارا لربط حاضرهم بماضيهم الذي يحترمونه ويقدرونه إلى درجة التقديس، مهما واجهوا من انتقادات أو سخرية بسبب ذلك.                       

 

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه