محمد منير يكتب: حصانة الانحراف فى البرلمان المصرى

الخلاصة أن الحصانة فى البرلمان المصري تحولت من أداء لحماية مصالح المواطن إلى وسيلة تدعم الفساد والانحراف والهيمنة تحت رعاية ومباركة الدولة. يتبع

محمد منير*
عندما ظهرت الوثيقة الدستورية ” قانون الحقوق ” فى إنجلترا عام 1688م تضمنت حصانة برلمانية لأعضاء البرلمان ونصت الوثيقة على أن حرية القول -المناقشات- والإجراءات داخل البرلمان لا يمكن أن تكون سببا للملاحقة القضائية.

الشاهد من هذا أن الحصانة كانت بهدف حماية نواب الشعب من الحكام وملاحقات السلطة لهم فى دفاعهم عن مصالح الشعب، وهذه مبررات مقبولة ومنطقية لإقرار هذا الاستثناء.

ولهذا شهد التنظيم التطبيقى لهذه الميزة أو هذا الاستثناء قواعد محددة حيث شملت مظلة الحصانة الدعاوى المدنية وبعض الدعاوى الجنائية، أما قضايا الخيانة والإخلال بالأمن العام فلم تقع تحت مظلة الحصانة، إذا الأمر يتعلق بوضوح بالحالات التى ترتبط بالأداء البرلمانى.

أول وثيقة دستورية فى مصر1868 لم تتضمن أى إشارة لحصانة النواب، وظهرت أول إشارة لحصانة النواب فى اللائحة الأساسية لمجلس النواب 1882 فى النص الأتى (النواب مطلقوا الحرية في إجراء وظائفهم وليسوا مرتبطين بأوامر أو تعليمات تصدر لهم تخل باستقلال آرائهم ولا بوعد أو وعيد يحصل اليهم).

وظلت الحصانة فى البرلمانات المصرية تتأرجح ما بين اتساع وتضييق حسب المتغيرات الديمقرطية وانعكساتها على الحياة البرلمانية حتى دستور 1971 الذى نص مباشرة “لا يؤاخذ أعضاء مجلس الشعب عما يبدونه من الأفكار والآراء في أداء أعمالهم في المجلس أو في لجانه”.

العلاقة الوثيقة بين الحكومات المصرية المتعاقبة خاصة فى الثلاثين عاما الأخيرة وبين النواب الذين كانوا بعبرون عن النظام أكثر من تعبيرهم عن الشعب والمختارين من خلال عمليات انتخابية مشبوهة وغير منضبطة، هذه العلاقة جعلت من الحصانة حماية للنائب الذى يقدم الشرعية للنظام مقابل تمتعه بحماية من القوانين والمساءلة، والأمر خاضع لتفسير المجلس لمعنى الحصانة .. بل أن هذه الحصانة تعتبر هدفاً رئيسيا ودافعا لتهافت كثير من النواب على الفوز بمقعد فى البرلمان حتى لو دفعوا فيه ملايين الجنيهات، لإدراكهم مدى فائدة هذه الحصانة فى حماية أنشطة غير شرعية تعوضهم الملايين التى حصلوا بها على مقعد البرلمان.

الحقيقة أن فضائح النواب المصريين وتعاملهم المخالف لكل ماهو شرعى على مستوى مجالات مختلفة يؤكد مدى ارتكانهم إلى الحصانة البرلمانية وهو الأمر الذى جعلهم يمارسون المخالفات بطمأنينة وثقة
فى عام 2010 تولى النائب الوزير  محمد ابراهيم سليمان رئاسة إحدى شركات خدمات البترول بعد تركه لمنصب الوزير واستمراره كنائب فى مجلس الشعب، وهو أمر مخالف للقوانين التى تحظر على نائب الشعب حصوله على ميزة وظيفة كبرى بعد دخوله المجلس، وذلك لضمان عدم استخدام السلطة فى الحصول على مميزات ذات عوائد مالية كبرى وما يترتب على ذلك من احتمالات خلق علاقات فاسدة وانحرافات وظيفية.

والعلاقة بين فساد النواب والحكومة تحت مظلة الحصانة تجلت بوضوح فترة تولى الدكتور حاتم الجبلى، أحد ملاك مستشفى دار الفؤاد الخاصة، وزارة الصحة واستخدم نفوذه كوزير فى تحويل قرارات علاج على نفقة الدولة بالملايين لمستشفاه الخاص، هذا ما ظهر من الانحراف ناهيك عن ما بطن فى مجالات تصنيع وترخيص الدواء، وهو الأمر الذى كان واضحاً ويستلزم حماية للوزير ورجاله من أى استجوابات برلمانية.

ولهذا لم يكن عجيباً أن تشهد هذه الفترة أكبر علاقة فساد بين نواب مجلس الشعب ووزارة الصحة التى صرفت لهم قرارات علاج بالملايين لمواطنين من أبناء دوائرهم يتاجرون فيها مقابل جزء من قيمة القرارات المالية، أو مقابل نفوذ وخدمات وأصوات انتخابية. هذا بالاضافة إلى رحلات سياحية للنواب على نفقة الوزارة والعلاج المميز لهم ولأسرهم مجانا غير عمليات التجميل وخلافه، حتى أن أحد النواب استصدر قرارات علاج بقيمة 277 مليون جنيه، وجدير بالذكر أن جزءا من قرارات العلاج يكون وهميا ويتم تحويله بعمليات ملتوية دقيقة إلى نقود عبر مستشفيات خاصة.

نائب عُرف باسم نائب القمار يستغل الحصانة فى تهريب الموبايلات وبعد أن انتشرت سيرته بشكل واضح تم ضبطه وهو يهرب 550 هاتفا محمولا، وآخرون عرفوا بنواب الكيف فى التسعينيات استغلوا الحصانة فى تهريب المخدرات، أما نواب سميحة فقد دفعهم الشوق الى قضاء ليلة حمراء مع محترفة، وفى نهاية الليلة احتموا بالحصانة البرلمانية للتهرب من دفع مقابل الليل لسميحة فتاة الليل التى كانت أكثر قوة من الحكومة فلم تخف من الحصانة ولم تعرها أى اهتمام وفضحتهم على الملأ، هذا غير الحماية التى يحيط بها النواب البلطجية والمنحرفين فى دوائرهم من أجل الدعاية لهم وفرض سيطرتهم على الدائرة الانتخابية وحماية مصالحهم المنحرفة.

الخلاصة أن الحصانة فى البرلمان المصري تحولت من أداء لحماية مصالح المواطن إلى وسيلة تدعم الفساد والانحراف والهيمنة تحت رعاية ومباركة الدولة .. ولا عزاء فى الديمقراطية.

__________________________

*كاتب وصحفي مصري
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه