محمد منير يكتب: النقاب

بل إن كل العمليات الإرهابية الكبيرة فى العالم لم تظهر فيها منتقبات ولم يكن فيها النقاب وسيلة فعالة.. يتبع.

محمد منير*

 
أعقد ما يواجه أي مجتمع هو التناقض وعدم المصداقية، وخاصة إذا ما نخرت هذه الحالة عقول صفوة هذا المجتمع ورموزه.
ما دفعني لما كتبته في السطور السابقة هو خبر بالصور انتشر على المواقع الإخبارية في مصر يعلن عن حملة من بعض الرموز السياسية والفكرية، تطالب الدولة بمنع ارتداء النقاب!
قبل عام حاول أحد الكتاب الصحفيين الدعوة لمليونية تدعو لمنع ارتداء الحجاب والنقاب، وفشلت المليونية فلم يشارك فيها أي من غير المحجبات أو المنتقبات في إشارة إلى أن هذه الدعوة هي افتئات على الحريات الشخصية.
لست من دعاة إجبار الفتيات على ارتداء الحجاب ولا النقاب ولست من المناهضين لارتدائهما، ولهذا كان من الطبيعى أن يخرج الموضوع كله عن دائرة اهتمامي، ولكني رأيت فيه ساحة حرب خطيرة يتبارى فيها أطراف مستخدمين القضية كسلاح لحسم صراع بينهم متعدد المصالح والأهداف.
الخطورة أن الطرف المؤيد لارتداء النقاب والحجاب يتضمن فرق متباينة التشدد، ابتداء بمن يتعامل معهما بإعتبارهما واجبا دينيا وعقائديا يجب الالتزام به بشكل فردي، نهاية بمن يراه إلزاما دينيا يجب إجبار الفتيات عليه، بل تعدى الأمر إلى التعامل معه كأداة للتفريق بين المسلمة وغير المسلمة لوضع الأخيرة في مرتبة أدنى في المواطنة والحقوق والامتيازات، وهذا واقع تؤكده الأدلة المجتمعية كل يوم.
والمتابع لتطور الحياة الاجتماعية في مصر يتأكد له أن هذه ليست قضية أصيلة في المجتمع المصرى، وهي أزمة مستحدثة بلا جذور وهو ما يشير إلى أن هناك أسبابا أخرى وراء إثارتها كفتنة تضرب المجتمع ربما في مقتل، وهذه الفتنة ليس المسؤول عنها أصحاب الدعوة لارتداء هذا الزي، وإنما أيضا من يدعون إلى منعه بقوة الدولة ليدعم حق السلطة الغاشمة في التحكم في الحريات الشخصية.
ليست المرتديات لهذا الزي كلهن مدفوعات بدوافع سياسية ولا منتميات لجماعات متطرفة كما يريد البعض أن يصور، ولا الرافضات لارتدائه كلهن من غير المؤمنات أو الكافرات كما يريد أن يصور الطرف الآخر للصراع، ولكن الحقيقة أن الأطراف المتصارعة لأسباب سياسية استخدمت هذه القضية كأدوات لها، وكما قلت فإن هناك من يؤمن بهذا الزي ويرتديه بدوافع ذاتية وشخصية محضة، وعلى سبيل المثال الأمريكية عارضة الأزياء “سارة بوكر” والتي أعلنت إسلامها ارتدت الحجاب بدوافع بعيدة كل البعد عن فكرة التميز في مجتمعها الذي يعيش حرية مجتمعية لا تدفع للتمييز .  تقول سارة: “غالبية النساء المرتديات للنقاب اللاتي أعرفهن هن من نساء الغرب، وما يجمعنا كلنا على ارتداء النقاب أنه خيار بمحض إرادة كل منا وأن كل منا يجمع على رفض قاطع لأي إنكار لحقنا في ارتدائه”.
الأمر كما تشرحه “سارة بوك”ر هو خيار شخصي وأي افتئات عليه تحت أي مبرر هو افتئات على حق الحرية الشخصية، والتي هي الأساس الذي يبني عليه أصحاب دعوة مناهضة الحجاب فكرهم الليبرالي!! هذا هو التناقض الذي يؤكد لنا أن مواقف هؤلاء ليست نابعة من موقف فكري وعقائدي بقدر ماهي تعبير عن أغراض وكما يقولون في الأمثال “الغرض مرض”  .
ومما يدعو للسخرية الأسباب التي يسوقها أصحاب الدعوتين بمنع الحجاب أو إجبار الفتيات عليه، الفريق الأول يدعو لمنعه لأسباب أمنية وإمكانية تخفي الإرهابي في زي المنتقبة !! كما يرى اأه يعيق التأكد من شخصيتها،  في حين أن الإرهابي يمكن أن يتخفى في زي امرأة غير محجبة ولا منتقبة، بل إن كل العمليات الإرهابية الكبيرة فى العالم لم تظهر فيها منتقبات ولم يكن فيها النقاب وسيلة فعالة، أما عن التأكد من الشخصية من دون التعارض مع الحرية الشخصية فكفيلة به الأجهزة الحديثة، وإن لم تتوفر فإن الأمر لا يحتاج أكثر من امرأة إدارية تقوم بكشف وجه من ترتدي النقاب، فالموضوع ليس بهذا التعقيد. كذلك ما يسوقه أصحاب الدعوة للإجبار على ارتداء النقاب من أنه وسيلة لحماية المرأة من التحرش (النقاب في زمن الذئاب)  فهذا سبب ساذج مردود عليه بأن السمو بالقيم والأخلاق ليس مبعثه النقاب ولا الحجاب بدليل أن المجتمع المصرى فى الستينيات كان لا يعرف التحرش ولم يكن منتشرا فيه لا النقاب ولا الحجاب.
المشكلة أن هذه المعركة المفتعلة تشوش على شيء أكثر أهمية وهو الثقافة والمعرفة والحياة الكريمة، وكلها تشكل عوامل أساسية للاختيار بحرية. ولكنه الغرض اللعين .
______________________________

*كاتب وصحفي مصري

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه