محمد منير يكتب: العدالة الكاذبة والثورة المخدوعة

محمد منير*

الجميع يتحدث عن العدالة الاجتماعية.. المحرمون يتحدثون عن العدالة الاجتماعية باعتبارها وسيلة تنقذهم من الضياع وفقدان أبسط قواعد الحياة الإنسانية.. والنهَّابون المغتصبون يتحدثون عن العدالة الاجتماعية باعتبارها أداة حماية لهم من انفجار غضب المظلومين والمحرومين.

عندما خرج غالبية المصريين في 2011 رافعين شعار “حرية.. تغيير”  وتوجوه بشعار “عدالة اجتماعية” كان الدافع  التخلص من حالة الظلم التي عاشها المصريون هذه الفترة، وحالة التفاوت الطبقي وحالة الاستئثار والانفراد بمفاصل الحياة السياسية في مصر، بشكل غبى، قطع أي أمل في التغيير أمام المصريين أو حتى بالتعبير الشكلي عن همومهم ومشاكلهم، وأغلق صناع القرار آنذاك كل منافذ التنفيس عن الغضب، وهو ما فجر الحالة الثورية المجتمعة في الشارع المصري عام 2011.

الشائع أن الغالبية ينظرون نظرة سلبية لحالة الاحتكار الطبقي والسياسي الغبي الذى أدى للتفجير الثوري، والحقيقة أنها كانت لحظة إيجابية قضت على الميوعة في العلاقات الطبقية، والتي توفر حالة من السلام والأمن للنظام الحاكم الفاسد والمحيطين به من أصحاب المصالح، وهذا بالضبط ما كان حادثًا قبل 2011 بأكثر من 10 سنوات، حيث كان يُسمح بدرجة من الديمقراطية الوهمية في التشكيلات النيابية والمحلية، وكان يُسمح أيضًا باستحواذ المعارضة على جزء من مقاعد البرلمان والمجالس المحلية والتشكيلات النقابية، بالقدر الذى يضمن تفريغ الغضب الناتج عن الاحتكار والهيمنة للنظام الحاكم والمحيطين به، ولكن في حدود سقف لا يمكن تجاوزه، ولا يمثل أي مخاطر على استمرار النهب والفساد والبطش والاحتكار، وعندما تولى الأمر في السنوات القليلة السابقة عن 2011 زمرة من الحمقى السياسيين أغلقوا صمامات التنفيس، فانفجر الشارع بغضبة عارمة كادت تنقلب لثورة. 

واليوم وعى أصحاب المصالح في الاحتكار الدرس، ولهذا كثرت الحوارات الديماجوجية عن العدالة الاجتماعية وعن حقوق الفقراء وعن التمثيل السياسي الشكلي لكل الفئات الطبقية في البرلمان، وفى نفس الوقت وبشكل مواز تشديد القبضة الأمنية الباطشة على المعارضين الجذريين، وخاصة من الشباب، كل ذلك في محاولة لإعادة الوضع إلى المربع الأول، وإعادة مشاهد الحياة السياسية المائعة، واستعادة وإصلاح صمامات الأمان الضامنة لاستمرار النظام الحاكم الفاسد والمحيطين به من أصحاب المصالح، ولتوفير سياج أمنى حول التفاوت الطبقي الشديد يمنعه من التفجير، ولهذا فلا مانع من بعض المشاهد في الفضائيات لمواجهة الظلم والفساد، والإكثار من الحديث عن العدالة الاجتماعية، وتوفير بعض مشروعات من الفتات للفقراء المهدرة حقوقهم لضمان عرقلة لحظة الغضب من جهة، ومن جهة أخرى تجديد طاقاتهم للاستمرار في العمل كوقود لإنتاج الثروة للمحتكرين والفاسدين.

كلامي السابق كله ينصب على أصحاب المصالح النهابة الذين يهيئون المناخ لاستقرار أوضاعهم، ولتكتمل الحقيقية فإننى لا أبرئ من نصّبوا أنفسهم كقيادات ومعبرين عن مصالح الفقراء والمظلومين، والذى اصطلح على تسميتهم بالنخب، هذه النخب كانت شريكة في مشاهد الميوعة التي تم فرضها على الصراع السياسي في مصر فترة حكم حسنى مبارك، وربما من قبلها، خاصة بعد إعادة أنور السادات الحياة الحزبية الشكلية لمصر، ووجدت النخبة في الاستجابة لمظاهر الديمقراطية الشكلية والحوارات واللقاءات الفوقية نوعًا من التميز لها بعيدًا من مصالح من يعبرون عنهم، وربما كانوا مدركين أو غير مدركين للهدف من هذه الحالة التي تضمن توفير أفضل وضع آمن للنظام الفاسد، إلا أنهم من المؤكد كانوا شركاء في هذه الحالة، وهى الحالة التي امتدت بعد 2011 والتي أنتجت مشاهد التقارب مع المجلس العسكري، صنيعة النظام السابق، وحالة الموائمة والموازنة، وما أحاط بها من اتفاقات فوقية انتهت بما نحن عليه بسبب خدعة كبرى، كل الأطراف شريكة فيها.

الدرس وعاه النظام الفاسد، ويحاول إعادة حالة التوازن الآمن مرة أخرى، والنخبة ما زالت على ميوعتها، وإن كان تأثيرها قد تقلص، أما الحقيقة الإيجابية فتتعلق بأن الأجيال الجديدة استوعبت الدرس جيدًا، وأيقنت أنه لا تفاوض ولا موائمة ولا موازنة مع مغتصب، وأن قيادات التغيير لن تدير الصراع بعيدًا عن جبهة الشعب ومعسكره.

لن نصدق كلامكم الأجوف عن العدالة والحرية وحقوق الفقراء، ولن نصدق أن مشروعاتكم تستهدف توفير الرخاء والعدالة للأمة، ولن نقبل بأقل من أن يكون الحكم للشعب يعلو على كل المؤسسات وتخضع له.

 _______________

*كاتب وصحفي مصري

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه