متى تضع مصر حملها؟

تجمعت نذر الانفجار، وتصاعدت الدعوات للنزول يوم 20 سبتمبرأيلول في الذكرى الأولى لموجة سبتمبر من العام الماضي التي دعا لها الفنان والمقاول محمد علي

 

مصر حبلى، وهي في شهورها الأخيرة، هكذا تقول الشواهد، وهكذا تقول صرخات المصريين، وهكذا تقول تحركاتهم التي بدأت تظهر رويدا دفاعا عما تبقى من مساكنهم، ومن لقمة عيشهم، وهكذا تقول السجون المصرية وأقسام الشرطة ومديريات الأمن، ومشرحة زينهم، بل هكذا يقول السيسي بفلتات لسانه وانفعالاته، وتصريحاته وقراراته، التي كان آخرها “استخدام القوة الغاشمة” ضد الشعب المسكين، وتدمير مساكن المصريين التي بنوها من “اللحم الحي” ومن “شقا العمر” والتي حصلوا على تراخيص لإنارتها وإمدادها بباقي المرافق الحكومية من مياه شرب، وصرف صحي، وغاز طبيعي، وتليفونات، وإنترنت .. إلخ من الجهات الرسمية.

خلال الأيام القليلة الأخيرة ارتفعت سخونة الأوضاع في مصر، وخاصة بعد قرارات الإزالة التي بدأت شرطة السيسي تنفيذها، وهدد باستخدام الجيش لإبادة المناطق المخالفة!!، سبقها فرض ضرائب ورسوم جديدة على رواتب المصريين وحتى معاشاتهم التقاعدية، وعلى الكثير من الخدمات العامة، وزيادة أسعار الوقود (البنزين-السولار الخ)، وسبق ذلك إلغاء الدعم عن السلع والخدمات الرئيسية تنفيذا لروشتة صندوق النقد الدولي دون أي اعتبار لمعاناة المواطنين الذين ظلت رواتبهم ودخولهم كما هي دون زيادة.

وخلال الأيام الماضية أيضا زادت وتيرة القروض الأجنبية لتنفيذ مشاريع لا حاجة للشعب بها، وسداد ديون لا مسؤولية للشعب عنها، لقد بلغت تلك الديون الخارجية حدا لم تبلغه عبر التاريخ المصري كله، في العهدين الملكي والجمهوري، وقد أعلن البنك المركزي المصري، مطلع مايو/أيار الماضي ارتفاع حجم الديون الخارجية المستحقة على مصر إلى نحو 112.67 مليار دولار بنهاية ديسمبر2019، مقابل 96.61 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2018، محققة ارتفاعاً نسبته 16.6%، وقدره 16.1 مليار دولار، وهذا الرقم لا يتضمن القروض الروسية الخاصة بمشروع الضبعة النووي وهي تتجاوز الثلاثين مليار دولار، وتجاوزت الديون الداخلية حاجز 4 تريليونات جنيه، كما بلغ مجموع ما تم سداده لخدمة الديون  الداخلية والخارجية خلال 5 سنوات عقب انقلاب الثالث من يوليو 2013 ما مجموعه 3.2 تريليون جنيه تشكل حوالي 65% من الموازنة العامة للدولة.

توقف الرز:

وإزاء توقف “الرز” الخليجي، ومع زيادة ضغوط الدائنين الأجانب لسداد الأقساط المستحقة لم يجد السيسي أمامه سوى الشعب المصري، ففرض عليه تلك الضرائب والرسوم، وأخيرا لجأ إلى فرض إتاوات بدعوى “التصالح” على المصريين بحجة مخالفة قوانين البناء لمباني يزيد عمرها على عمره، وقد تعهدت حكومته بجباية مائة مليار جنيه لصالح الصندوق السيادي الذي لا يعرف المصريون كيف يدار، وأين تنفق  أمواله بسبب قوانين السرية التي استصدرها السيسي من برلمانه، كما أن السيسي أمر بضم مباني مجمع التحرير وغيره من مبانٍ حكومية ثمينة إلى هذا الصندوق، والتي سيكون بمقدوره التصرف فيها لسداد القروض الباهظة التي اقترضها.

وإلى جانب الشاب إسلام الأسترالي الذي لقى حتفه  بسبب التعذيب في مركز شرطة المنيب(الجيزة)، فقد قتل النظام خلال الأيام الماضية بالإهمال الطبي والمنع من التداوي العديد من السجناء السياسيين، وكان آخرهم الدكتور عمرو أبو خليل استشاري الطب النفسي (المستقل)، ومن قبله الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، ومصطفى الجبروني القيادي بحركة 6 إبريل، ليتجاوز العدد 50 شهيدا في السجون المصرية، ولا يزال الكثير من السجناء معرضون لخطر الموت نتيجة الكورونا، أو إهمال علاجهم من أمراض أخرى ألمت بهم في محابسهم أو كانت تلازمهم قبل الحبس.

الجرائم الكبرى

ومع هذه الجرائم بحق الشعب فهناك أيضا الجرائم الكبرى بحق الوطن، فبعد التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير رغم صدور حكم قضائي نهائي باعتبارهما مصريتين، أخفق النظام في الحفاظ على حقوق مصر في مياه النيل. لم يكن ذلك محض إخفاق بل هو خيانة، لأن السيسي هو الذي وقع بنفسه اتفاق إعلان المبادئ مع إثيوبيا والسودان مارس/آذار 2015 متضمنا إقرارا منه ببناء السد الذي ظلت إثيوبيا عاجزة عن البدء في بنائه لفترات طويلة بسبب رفض جهات التمويل الدولية تمويله لوجود تنازع يغل يدها عن التمويل وفقا لقوانينها، ولكن السيسي أزال بتوقيعه لإعلان المبادئ تلك القيود على التمويلات الدولية فانهالت على إثيوبيا لتنتهي من بناء غالبية السد في زمن قياسي، ولتبدأ في ملء خزانه دون اتفاق مع مصر.

لقد تحمل الشعب المصري الكثير والكثير من الجرائم بحقه وبحق الوطن، ولكن لم يعد في القوس منزع، ولم يبق للصبر رصيد، ورغم أن القمع الأمني الفظيع هو الذي حال دون انفجار المصريين خلال الفترة الماضية، حيث كان ثمن التحرك هو الموت، فإن هذا القمع الأمني لا يستطيع الصمود كثيرا في وجه شعب غاضب خاصة عندما تستوي عنده الحياة مع الموت، وماذا يتبقى للإنسان بعد بيته الذي يؤويه لكي يتحرك دفاعا عنه وعن حقه في الحياة الذي هو أسمى الحقوق؟!.

تجمعت نذر الانفجار، وتصاعدت الدعوات للنزول يوم 20 سبتمبر/أيلول في الذكرى الأولى لموجة سبتمبر/ أيلول  من العام الماضي التي دعا لها الفنان والمقاول محمد علي، وهو نفسه الذي دعا مرة أخرى للنزول يوم 20 المقبل، والحقيقة أن الدعوات للنزول عبر صفحات التواصل الاجتماعي سبقت المقاول نفسه، كما تصاعدت الحركة السياسية التقليدية بدعوة الدكتور أيمن نور لتوحيد الكيانات المعارضة أو إيجاد إطار تنسيقي بينها، بينما أعلن نشطاء أكاديميون آخرون عما وصفوه بحكومة منفى، ولكن الأهم من كل ما سبق هو النزول الفعلي في بعض الأماكن للتظاهر والاحتجاج على هدم البيوت وعلى قتل الشاب إسلام، وكان الملاحظ أن الهتافات التي انطلقت في تلك المظاهرات تستند إلى روح ثورة يناير، ما يعني أن الثورة لم تمت في نفوس المصريين ولكنها تنتظر اللحظة المناسبة، وما هي عنا ببعيدة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه