متشابهات جنرالات الحكم في مصر

 

في مقالي السابق تحدثت عن أزمة الحكم والمعارضة في مصر وكيف أن اختفاء البديهيات الليبرالية أضعفت بشكل كبير من قدرات المعارضة وحولت الصراع من صراع خارجي مع الفاشية إلى صراع داخلي بين المجموعات المعارضة متباينة الأفكار، في مقابل تقوية المعسكر الحاكم الفاشي.

الأسبوع الماضي شهدت مواقع التواصل الاجتماعي والساحة السياسية المعارضة حالة استنفار كبيرة تنوعت ما بين الاستهجان والإدانة والسخرية، بعد أن قامت السلطات باعتقال عناصر ناشطة سياسية اشتراكية بتهمة التعاون مع جماعة الإخوان ومشاركتها في خطة لتدمير الاقتصاد المصري اسمها خطة الأمل، وكان مبعث الاندهاش والاستهجان أن المعتقلين يحملون معتقدات فكرية متعارضة تماما مع معتقدات الإخوان وبينهم كراهية متبادلة للأسباب التي ذكرتها في المقال السابق وحالة الاحتراب الداخلي بين قوى المعارضة في مصر.

ولكني لم أندهش ورأيت أن هذا التناقض في تصرف السلطة إنما هو سلوك متسق تماما مع الواقع وليس جديدا عليه، وكما يقولون في المثل الشعبي المصري إذا عُرف السبب بطل العجب. فلو أننا عرفنا طبيعة الظالم وعلة المظلوم لما اندهشنا من موضوع قضية الشيوعيين على قوائم الإخوان.

علة المظلوم كما ذكرت من قبل غياب البديهيات الليبرالية والتشرذم والاختلافات الشديدة بين عناصر هذا المعسكر والتي تصل إلى حد الكراهية القاتلة، أما طبيعة الحكم الظالم الفاشي والذي غالبا ما يكون في بلادي حكما عسكريا، هي التوحد والالتفاف حول هدفه وعدم انقسامه إلى فرق ونحل، مستفيدا بكل لحظة خلافية بين عناصر معسكرات الشعب المختلفة!

والحقيقة أن الحكم المستبد لا بد أن يكون حكما فاشيا سواء كان فأشيأ دينيا يعتمد على السمع والطاعة والتبعية المطلقة لأوامر وتعليمات القادة والزعامة، أو كان فاشيا عسكريا قائم على سلسلة من الالتزامات الخاضعة للأوامر العسكرية والالتزام بالتعليمات حتى لو كانت متعارضة مع المنطق، وكلا من المعسكرين لا يعترف بإرادة الشعوب والديمقراطية وتداول السلطة.

والحقيقة أن مصر لم تشهد حكما فاشيا دينيا، في حين أنها ظلت واقعة سنوات طويلة تحت هيمنة وسيطرة الحكم الفاشي العسكري وما زالت.

العسكر والديمقراطية

وطبيعة الإدارة العسكرية والمنطق العسكري متعارضة تماما الديمقراطية والحكم الشعبي ومبادئ الشورى والحرية والليبرالية وكل ما يتعلق بهذه الأمور، وكلنا يعلم أن الفرد العسكري يقدم الالتزام بتعليمات القائد عن الالتزام بالحقائق والمترتبات المنطقية وبصرف النظر عن خطورة النتائج، ومعظم جيوش العالم تخضع الجنود لتدريبات قاسية للالتزام الحرفي بالأوامر، فلو قال القائد لجندي تحت قيادته أن الشمس تشرق في المساء والقمر يغرب ظهرا، لكانت إجابة الجندي المتوقعة والمأمولة «تمام افندم»، وهذا تماما مايريده الحكام العسكريين من شعوبهم، ولهذا فإن مؤسسات الحكم الفاشي العسكري دائما ما تخضع شعوبها لضغوط وممارسات بشعة من أجل إخضاعها للهيمنة والسيطرة، والتي تستهدف تنازل الشعوب تماما عن حقها في المشاركة في الحكم ومناقشة أمورها والمطالبة بحقوقها المسلوبة.

وهذا ما يفعله تماما النظام الفاشي الحكم في مصر الآن من ممارسات قمعية لا تستند على أي مبررات منطقية أو وهمية مثل حملات الاعتقال المتفرقة لشخصيات متباينة المواقف ومتعارضة الاتجاهات، أو إصدار قرارات غير منطقية مثل وضع أملاك شخص مفلس تحت الحراسة، ويراه البعض تخبط عشوائي وأراه أنا تعمدا بقصد كسر إرادة الشعب وتدجينه، ليضمن استجابته وقبوله لقرارات تحدد مصير الوطن مثل التفريط في السيادة على الأرض، أو تطبيق سياسات اقتصادية تسهل استغلال فئات قليلة لغالبية لشعب وإخضاعه لهموم الفقر والاستبداد والاستغلال.

وإحقاقا للحق هذا السلوك الفاشي العسكري الذي يخضع الشعوب لضغوط القبول والتسليم بأي تصرفات أو سلوكيات أوقرارت غير منطقية، بهدف ضمان قبول الشعب لسياسات الحكم وقراراته وأحكامه، هو سلوك قديم لا يختص به النظام الحاكم في مصر الآن بل هو امتداد لمتوالية حكم الجنرالات التي كانت وظلت جاثمة على أنفاس الشعب المصري

مسيحي في زنازين الإخوان

في حقبة حكم جنرال الستينيات تعرضت الجماعات السياسية في مصر لحملات اعتقال وتعذيب بشعة وخاصة الشيوعيين والإخوان المسلمين، وكانت معظمها حملات موسعة تشمل حتى المتعاطفين مع هذه الجماعات وكان من نتائج ذلك هو اعتقال العديد ممن ليس لهم علاقة بالعمل السياسي أصلا، دون الاهتمام بالتحريات والمعلومات وحدث أن تعرض أحد المسيحيين، بسبب أو بغير سبب، للاعتقال وضمه لصفوف الإخوان المسلمين، وممارسة أبشع أنواع التعذيب عليه للاعتراف بانتمائه لجماعة لإخوان وموقعة التنظيمي، وصمد الرجل رافضا الكلام إلا أمام وكيل النيابة، وكاد يفقد حياته، وأمام وكيل النيابة فجر المفاجأة بأنه مسيحي ولا يمكن أن يكون عضوا في جماعة الإخوان المسلمين، وبدلا من أن يطلق وكيل النيابة سراحه، أمر بضمه إلى أحد القضايا الشيوعية، ولم يهتم وكيل النيابة ولا رجال الشرطة والنظام بمنطقية الأحداث بقدر ما كان غرضهم خلق حالة من التوتر والانكسار والخوف تسهل مهمة الحكم والحاكم وتمكينه من السيطرة دون معارضة تذكر.

التفاحة

دائما ما تبحث الأنظمة الفاشية عن فزاعة لتصبح مبررا تعلق عليها أسباب سياستها القمعية والفاشية، وكما هي فزاعة اليوم جماعة الإخوان فقد كانت بالأمس الجماعات الشيوعية وخاصة في فنره حكم جنرال السبعينيات، وكان سلوكيات الأنظمة الحاكمة في كل الفترات تجاه المعارضة متشابهة إلى حد يقترب من التطابق سواء كان في التضييق على المعارضة أو تشويهها أو مطاردتها ومن المتشابهات هذا التشابه بين قضية الأمل التي فجرها الأمن اليوم لعناصر معارضيه واتهامهم بالإضرار بمصالح لوطن، وقضية التفاحة عام 1979. ففي هذا العام وعشية انتخابات مجلس الشعب داهمت قوات الأمن منزل العديد من الشخصيات المعارضة للسادات والتي كان معظمها محسوبا على اليسار المصري حتى لو لم يكن كذلك، وتم اتهامهم بالتخابر مع دولة بلغاريا وتقاضي مبالغ مالية بهدف تسريب معلومات تضر بأمن الوطن، وتم صرف الملايين على الدعاية لهذه القضية وترويجيها لتشويه معارضي السادات وخاصة بعد اتفاقية السلام مع إسرائيل، إلا أن القضية تم إجهاضها في المحكمة حيث كان القضاء ما زال محترما، واستمر النظام على سلوكه القمعي وكرر الحملة الموسعة في سبتمبر (أيلول) 1981 حيث اعتقل معظم رموز المعرضة بكل اختلافاتها، بهدف أرباك المعارضة وتنفيذ مخطط وخطوات اتفاقية السلام مع إسرائيل، ومن المفارقات أنه كان من ضمن المعتقلين السفير محمد عبد السلام الزيات والذي كان السادات قد عينه نائبا لرئيس الوزراء عقب انقلاب مايو (أيار) 71 واستمر في الوزارة طوال عام 1972. ويبدو أن من سمات الجنرالات هو الانقلاب حتى على حلفائهم.

ما علينا فقد مات الجنرال ناصر عقب هزيمة يونيه وقبل استرداد الأراضي المحتل، ومات الجنرال السادات عقب اعتقال كل رموز المعارضة من كل الاتجاهات، وتم عزل الجنرال مبارك بعد أن نخر الفساد عظام الوطن، وما زال مقعد الحكم في مصر مشغولا بجنرال يسير على نهج السابقين، وهو ليس موضوعنا فمنظومة الحكام الفاشيين منظومة محددة الهدف طوال الوقت، وسقوط رموزها دائما يكون بفعل الأقدار وليس الإرادة الشعبية، وحتى التصور بأن حكم مبارك زال بثورة شعبية أصبح محاطا بالعديد من علامات الاستفهام بعد تبرئة مبارك ورجاله وإلقاء رموز الثورة وشبابها في السجون.

الأزمة دائما وكما قلت من قبل تتعلق بمنظومة تشكيلات المعارضة التي فرقتها الخلافات والاختلافات واختفاء البديهيات الليبرالية، والتي سهلت ومهدت الطريق للمنظومة الفاشية الاستخفاف بها والتلاعب بمقدرات الشعب واستغلاله.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه