مبعوثو الأمم المتحدة لحل المشاكل أم لتعقيدها؟

مما لا تدركه القوى العالمية المهيمنة أن استخدام الأمم المتحدة لمناصرة الثورات المضادة، والوقوف ضد إرادة الشعوب والاستمرار في مساندة الحكام المستبدين يصب في عزلة هذه المنظمات.

عامر عبد المنعم*

أصبح مبعوثو الأمم المتحدة في دول الثورات محور اهتمام الإعلام العربي والعالمي، بسبب دورهم في السيطرة على عمليات التحول التي تشهدها عدة دولة عربية، وباتت الجولات المكوكية لهؤلاء المبعوثين محط أنظار أطراف الصراع في منطقتنا خلال السنوات الأخيرة عسى أن تضع نهاية مرضية للأوضاع السياسية المتدهورة؛ لكن مبادرات هؤلاء المبعوثين للحل بددت الآمال التي صاحبت مجيئهم وأشاعت حالة من الشك في دور المنظمة الدولية وقدرتها على إنصاف الشعوب ضد الثورات المضادة والحكومات المستبدة.

القاسم المشترك بين رؤى مبعوثي الأمم المتحدة لحل الأزمات في أكثر من دولة عربية تعاني من عدم الاستقرار، هو انحياز المنظمة الدولية للأقليات العرقية والسياسية والوقوف ضد تمكين الأغلبيات من الحكم، وظهر جليا مساندة المبعوثين الأمميين للثورات المضادة وتوفير المظلة الشرعية للانقلابات المسلحة.

لقد بدا من المسودات والوثائق التي أصدرها مبعوثو الأمم المتحدة أنهم يعبرون عن إرادة قوى عالمية بعينها، تريد تشكيل أو فرض أنظمة حكم لا تعبر عن الإرادات الشعوب، وليس تعبيرا عن الإرادة الدولية ومصالح الشعوب المظلومة.

ولأن مبادرات مبعوثي الأمم المتحدة التي طرحت ليست في صالح الشعوب فلم ينجح أي مبعوث حتى الآن في الوصول إلى صيغة تنهي المشكلات في أي دولة تدخلت فيها المنظمة الدولية، بل انقلبت الشعوب على الأمم المتحدة ومندوبيها، ورأينا مظاهرات في ليبيا واليمن وفي سوريا تهتف ضد هؤلاء المبعوثين.

في اليمن كانت تجربة مبعوث الأمم المتحدة المغربي جمال بن عمر كاشفة؛ فمنذ البداية كان دوره مؤيداً وداعما للانقلاب الحوثي، وتوفير الغطاء الدولي لنقل السلطة بالقوة المسلحة، والإرهاب من الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى ميليشيا طائفية.

لم يصدر من بن عمر أي تصريح يدين الانقلاب الطائفي، وقام بتضليل الرأي العام الدولي بالحديث عن الشراكة والحوار، وتقديم صورة وردية زائفة وغير حقيقية عن الوضع في اليمن، وظل يتحدث عن نجاح الحوار، واقتراب الوصول إلى حل حتى بعد اعتقال وتحديد إقامة الرئيس هادي ووزير دفاعه محمود الصبيحي ورئيس الوزراء خالد بحاح!

وظل بن عمر يوفر المشروعية للحوثيين حتى بعد أن طالب مجلس الأمن بإطلاق سراح الرئيس الأسير وأفراد حكومته!

بل والمثير للاندهاش أن بن عمر واصل دعمه للانقلاب الحوثي حتى بعد انتهاء مهمته وتعيين الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد مبعوثا جديدا لليمن، حيث زعم أن المشكلة اليمنية كانت قريبة من الحل لولا عاصفة الحزم التي اعتبرها زادت الأمور تعقيدا في اليمن!

وفي ليبيا كان دور مبعوث الأمم المتحدة برناردينو ليون هو عرقلة الحل، والعمل لتعقيد الوضع وليس حله بشكل موضوعي وعادل، فبعد استجابة “فجر ليبيا” والمؤتمر الوطني الليبي للجلوس على مائدة الحوار في مدينة مغربية خرج المبعوث ألأممي بتصوره للحل بمسودة انحاز فيها لانقلاب حفتر وأعطى لبرلمان طبرق سلطة إدارة البلاد وتشكيل الحكومة، وأهدر حكم المحكمة العليا ببطلان برلمان طبرق، ولم يعترف بالمؤتمر الوطني الليبي، وفي المقابل اعترف بجيش حفتر على أنه جيش الدولة الليبية، وأخرج قوات فجر ليبيا من دائرة الشرعية، ودعا لإخراجها من طرابلس وتسليم العاصمة لجيش حفتر!

وأعطت وثيقة ليون للحكومة التي سيقرها برلمان طبرق الحق في “تصنيف أي كيان ليبي بأنه مجموعة إرهابية” أي إعطاء فريق حفتر ما عجز عن تحصيله بالقوة المسلحة.

وفي بيان رسمي لعملية فجر ليبيا فإن ليون “أوقع عمدا بعضا من شرائح المجتمع الليبي السياسية والاجتماعية والسياسية, و شق صفها بالاستفراد بكل شريحة من هؤلاء على حدا محاولا إسقاط الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي وهو المؤتمر الوطني العام”.

هذا الانحياز الكامل من مبعوث الأمم المتحدة لفريق حفتر أثار حالة من الصدمة في ليبيا لمخالفته للمنطق وطبيعة الأمور، وأثبت عن تحيز المنظمة الدولية لفريق دون فريق، فأعلن المؤتمر الوطني الليبي الذي يفرض سيطرته على معظم الأراضي الليبية أن وثيقة ليون “مرفوضة تماما وغير قابلة للنظر، وتعد ناسفة لجهود الحوار الجاد، وتفرغ جولات الحوار السابقة في الصخيرات من مضمونها وتحولها إلى ضرب من العبث” وطالب بـ ” سحبها وتقديم بديل عنها”.

وفي سوريا لم يكن أداء المبعوث الأممي الدبلوماسي السويدي والحاصل على الجنسية الإيطالية ستافان دي ميستورا يختلف عن سابقيه، حيث عمل على استمرار الصراع ومد أمد الحرب دون تقديم إدانة واضحة لنظام الأسد الذي يمارس الإبادة والإرهاب المنظم ضد الشعب السوري بالبراميل المتفجرة والصواريخ التي تستخدم في الحروب النظامية.
وكان أخطر مما صدر عن دي مستورا تصريحه في فبراير الماضي بأن “بشار الأسد جزء من الحل في سوريا” وأن أي اتفاق لوضع نهاية للوضع في سوريا يجب ألا يستبعد من قتل مئات الآلاف وشرد الملايين من النازحين داخل سوريا واللاجئين في دول الجوار.

وعبرت المعارضة السورية بكافة فصائلها رفضها لخطة دي مستورا للحل واعتبرتها إنقاذا للأسد ومحاولة التفاف على ما تم الاتفاق عليه في جنيف، وهذا ما جعل مهمة المبعوث الأممي لا تحظي بأي تأييد من القوى السياسية، علاوة على تخطي الوضع على الأرض لمثل هذه المبادرات التي لا تلبي طموحات الشعب السوري.

إن ممارسات مبعوثي الأمم المتحدة المنحازة للثورات المضادة، والأنظمة القمعية الاستبدادية يزيد من عزلة المنظمة الدولية، ويجعلها تفتقد التأثير على عمليات التحول التي تشهدها المنطقة، فالواقع اليوم يؤكد أن الشعوب لا تنتظر التغيير بصك من مبعوثين غير محايدين، بل إن التغيير العنيف الذي ينتشر في أكثر من منطقة بالعالم العربي يأتي بعد فشل الحلول السياسية، ورفض الأقليات التي يساندها الخارج، ويستخدم المنظمات الدولية لفرض تصورات مرفوضة من الشعوب.

مما لا تدركه القوى العالمية المهيمنة أن استخدام الأمم المتحدة لمناصرة الثورات المضادة، والوقوف ضد إرادة الشعوب، والاستمرار في مساندة الحكام المستبدين يصب في عزلة هذه المنظمات ويضعها في مواجهة مع الشعوب الثائرة التي لم تعد تقبل أي وصاية خارجية، أو وساطات من أطراف منحازة

_________________

*كاتب وصحفي مصري

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه