مبارك وأردوغان: قصة اللقاء الأول!

 

بمناسبة الحديث مؤخرا عن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عقب وفاته، وصداقاته مع رؤساء وملوك العالم، تلك العلاقات التي تُظهرها بعض الكتابات على أنها نموذج للصداقة الحميمة القوية، دعونا نخرج قليلا عن هذا الإطار العاطفي، الذي يتسم بالمثالية  المتطرفة، ولنتحدث عن علاقات الكراهية التي ربطت شخص مبارك ذاته بغيره من قادة الدول الأخرى، ونتناول هنا علاقة محددة، اتسمت دوما بالنفور والفتور والكراهية، والشعور بعدم الارتياح المتبادل ، وذلك لأنني كنت أحد شهودها، وأقصد بذلك تلك العلاقة الغريبة التي جمعت بين كل من مبارك وأردوغان بحكم منصبيهما.

 علاقة اتسمت دوما بالبرود، وبدا أن أحدهما لا يطيق الآخر على الإطلاق، كان ذلك واضحا لكل من تابع اجتماعاتهما رغم محدوديتها، وقصر وقتها.

بطبيعة الحال كان لكل منهما أسبابه الخاصة لهذا الشعور تجاه الآخر، فالرئيس المصري أدرك منذ بداية تعامله مع أردوغان، الذي كان يشغل منصب رئيس الحكومة التركية آنذاك، أنه أمام شخصية تختلف تماما عن شخصيات باقي المسؤولين الأتراك الذين سبق له الالتقاء بهم والتباحث معهم.

لقاءات اضطرارية وبروتوكولية

 صحيح أن مبارك لم يرتبط مع أحدهم بصداقة قوية مثل تلك التي ربطته بالرئيس الأمريكي جورج بوش الأب مثلا، أو الرئيس الفرنسي جاك شيراك، لكن علاقته بالمسؤولين الأتراك ظلت ودودة في المجمل، ولم تظهر على ملامح وجهه أنه يحمل لهم ضغائن أو كراهية من أي نوع، الوحيد الذي شذ مبارك في تعامله معه عن تلك القاعدة كان أردوغان.

أتذكر في إحدى  زيارات مبارك لأنقرة عام 2004، وكان أردوغان يشغل منصب رئيس الوزراء، وزعيم حزب الأغلبية في البرلمان التركي، وقفنا خارج قصر الضيافة انتظارا لنتائج الاجتماع بين الاثنين، وكنت وقتها مراسلة لإحدى الفضائيات، وتراهن الزملاء الإعلاميون الحاضرون على أن اللقاء بينهما سيستغرق وقتا طويلا بحكم منصب الرجلين، إلا أن المفاجأة أن أردوغان خرج بعد حوالي خمس عشرة دقيقة، ليصرح بأن اللقاء كان فقط للترحيب بالضيف، ولم يتم التطرق إلى أي موضوع ولا طرح أية قضية، الأمر الذي أثار استغراب الإعلاميين ودهشتهم، خصوصا وأن ملامحه لم تكن ودودة بالمرة، وفتح شهيتهم للتساؤل والتخمين حول طبيعة علاقة الرجلين وأسباب سرعة إنهاء لقائهما، حتى وإن كان اللقاء بينهما يأتي في إطار بروتوكولي كما صرح أردوغان.

يفضل عبد الله غول

ورغم أن الرئيس عبد الله غول ينتمي لنفس أيديولوجية أردوغان السياسية، وارتوى من ذات النبع، فإن مبارك كان يميل أكثر للتعامل معه بكل ود وترحيب، إذ استقبله كثيرا حينما كان وزيرا للخارجية.

 كما تمت دعوته أكثر من مرة لزيارة مصر بعد أن تولى منصبه رئيسا للجمهورية التركية، رغم أنه كان منصبا شرفيا حينذاك، كما وافق على طلبه الخاص بإقامة منطقة صناعية حرة لتركيا في مدينة السادس من أكتوبر، والتي قام غول بافتتاحها أواخر العام 2007، وهي المنطقة التي تضم أكثر من 300 شركة تركية، تحمل أسماء كبرى الماركات التركية المنتجة للمواد الغذائية والمنسوجات والسجاد والملابس، التي يتم تصديرها إلى دول في أفريقيا وعدد من الدول الآسيوية والأمريكية.

في حين لم تتم دعوة أردوغان لزيارة مصر خلال فترة حكم مبارك على الاطلاق، رغم أنه كان يشغل منصب رئيس الوزراء، ويعد الحاكم الفعلي لتركيا قبل إلغاء المنصب وفق التعديلات الدستورية الأخيرة، كما شغل منصب رئيس الجمهورية.

طموح أردوغان السبب

مبارك استطاع أن يدرك، منذ الوهلة الأولى لتعامله مع أردوغان، أنه شخصية طموح، ولديه رغبة جامحة تدفعه دفعا إلى السعي من أجل إحداث تغييرات شاملة داخل محيطه الجغرافي، بهدف الارتقاء بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لشعوب المنطقة، والخروج بها من عباءة التبعية التي فرضتها القوي الاستعمارية على تلك الدول، وتحقيق استقلالية قرارها، واستعادة مكانتها التاريخية التي سُلبت منها.

 وهو طموح يدرك مبارك  أنه لن يستطيع التجاوب معه ولا دعمه، لأن ذلك معناه من وجهة نظره السماح له بسحب البساط من تحت قدميه، فهو يريد ان تبقى مصر القوة الإقليمية الأولى، وألا يخرج الأمر من بين يديه، ولا يريد تقاسم تلك المكانة مع أية دولة أخرى في المنطقة مهما كان حجمها، حتى وإن كان ذلك لصالح تعظيم الدور الدولي لها،  فالأهم أن يظل وحده القائد الذي يتم اللجوء إليه في حال وقعت نزاعات إقليمية، أو تفاقم حجم الخلافات القائمة، خصوصا وأنه كان النموذج المرحب به دوما على موائد المباحثات الدولية في كل شأن يخص المنطقة، حيث كان يجيد تهدئة الوضع، ويحول دون انفجاره، ودون تقديم حلول عملية أو منطقية تُنهي الأزمات وتزيل الخلافات، كما لم يكن مدافعا عن الحقوق المهدرة ولا مطالبا بتحقيق العدالة.

ورغم المحاولات التي بذلها أردوغان ومساعدوه لإزالة مخاوف مبارك، والتأكيد على أن التعاون بين مصر وتركيا، وتوحيد مواقفهما يصب في صالح مكانتهما الإقليمية والدولية، فإن سياسة مبارك ظلت من دون تغيير، ولم يُقدم على فعل يرتقي بالدور الدبلوماسي لمصر لا إقليميا ولا دوليا، فالرجل ليس لديه أي طموح، وبالتالي لا يريد أن يتحرك، مفضلا أن يبقى الوضع على ما هو عليه، مكتفيا بالمشاهدة، وتثبيط الهمم، منتظرا من الجميع أن يحذوا حذوه.

وهو الأمر الذي من المستحيل إقناع أردوغان به، لذا اتسمت علاقة الرجلين بالكراهية والرفض، فأردوغان كره تخاذل مبارك ورغبته في الانكفاء على نفسه، والحد من دور مصر إقليميا ودوليا، بل والتصدي لأية محاولة من شأنها إحداث تغييرات حقيقية في أوضاع المنطقة، وسعيه الدائم لقمع التيار الإسلامي داخل مصر عبر عمليات اعتقال عشوائية طالت الشباب والشيوخ، الذين قبعوا داخل السجون لسنوات من دون محاكمات عادلة، ومن دون ارتكاب جُرم حقيقي يمكن أن يعاقبوا بسببه اللهم إلا إذا اعتبرنا كونهم ينتمون للإسلام جريمة تستوجب العقاب.

 كره مبارك  في أردوغان طموحه ورغبته في إحداث تغييرات جذرية داخل الدول الإسلامية بما يلبي طموحات شعوبها ويعيد إليها مكانتها، إلى جانب تطلعه إلى توحيد الجهود الدبلوماسية لمصر وتركيا، والعمل معا من أجل تحقيق الرخاء والاستقرار واستقلالية القرار لدول المنطقة، والابتعاد بها عن الانصياع لأوامر الغرب الذي يسعى لضمان استمرارية خضوعها له للاستيلاء على ثرواتها وإفقار شعوبها.

وهكذا مرت سنوات حكم مبارك، ولم يزر أردوغان مصر إلا بعد ثورة 25 يناير، حيث تم استقباله استقبالا شعبيا مهيبا من جانب شباب الثورة، الذين احتفوا به حفاوة تليق بمكانته في قلوبهم.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه