مبادرات إندونيسية.. كيف تصنع من الفسيخ شربات؟!

 

ليست البراكين وحدها التي تنفجر في إندونيسيا، فإذا حالفك الحظ وتجولت في شوارع “مالانغ” سوف تفاجئك العديد من الألوان الزاهية التي لا تزعج العين.

لفترة طويلة كانت قرية “كامبونغ وارنا- وارني جوديبان” kampung warna- warni jodipan

في مالانغ – شرق جاوة، والتي تطل على نهر برنتاس قرية فقيرة ملوثة تكافح من أجل البقاء، فالظروف المعيشية كانت صعبة بما فيه الكفاية وكان سكان القرية على وشك الإخلاء.  حتى قرر 8 طلاب من جامعة مالانغ المحمدية في عام 2016 أن تكون جوديبان هدفهم، وتوصلوا الى فكرة منح جوديبان “لمسة” تعيد الروح للقرية من جديد.

المبادرة

تعاون الطلاب مع بعضهم البعض وجمعوا ثلاثين رساما وفناناً محلياً وتم التبرع لهم ب 6000 رطل من الطلاء الملون، وقد وثق أصحاب المنازل في الطلاب وتركوا لهم منازلهم ليبدعوا فيها ويرسموا جدرانها.

وعلي مدي أربعة أشهر قام الطلاب برسم حوالي 230 منزلاً ، وقاموا أيضا برسم حوائط القرية كلها، والممرات الضيقة بألوان مختلفة ورسومات نابضة بالحياة، معظم الألوان المستخدمة هي الألوان الأساسية مثل الأصفر، الأخضر، الأحمر، الأزرق، البرتقالي، وقاموا بعد ذلك بتزيين القرية بالفوانيس والأقنعة والمظلات الملونة، ثم قاموا بتنظيف النهر من القمامة بعد أن كان السكان يلقون القمامة فيه.

ووضعوا صناديق للقمامة في كل مكان، وبنوا عددا من المراحيض العامة وموقفا للسيارات. وأعطوا للقرية مظهراً جديداً وأطلق عليها قرية “قوس قزح”.

وبفضل هذا الوعي قدمت حكومة مالانغ التمويل الى مناطق مختلفة في المدينة للمساعدة في تحسين الصرف الصحي وتوفير مياه الشرب العذبة.

مبادرة الجامعة المحمدية
ثلاثية الأبعاد

وفي الجهة المقابلة لقرية قوس قزح توجد قرية كامبونغ تريدي ، والتي تعني” القرية ثلاثية الأبعاد”

وكانت في نفس حالة قرية قوس قزح حتى قرر رسام محلي يدعى “إيدي سوبريانتو” أن يفعل الشيء نفسه في الحي الذي يعيش فيه ويرسم مكاناً به لوحات ثلاثية الأبعاد يمكن للزائرين بالتفاعل معها.

وفي عام 2017 قدم “إيدي سوربانتو” فكرتة الى الرئيس المحلي وحصل على الموافقة على المشروع مع تبرع سخي من شركة “ديكوفريش” للطلاء وهي شركة طلاء محلية.

وقام برسم لوحات جدارية ضخمة على جدران القرية تصور اشخاصا مشهورين وحيوانات مفترسة مثل الأسود وأسماك القرش والكثير منها ثلاثية الأبعاد، ليعطي للقرية لمسة وهوية مختلفة ومن هنا اشتق إسم القرية .

يربط بين القريتين جسر زجاجي طوله 25 مترا وعرضه متر وربع المتر، الجزء السفلي من الجسر عبارة عن زجاج وهو مصمم لاستيعاب 50 شخصاً ويقوم السكان المحليون بتنظيم تدفق الزوار، الذين يأتون خصيصا لرؤية القرية من أعلي الجسر وإلتقاط صوراً بانورامية مميزة برسم دخول 3000 روبية إندونيسية لكل شخص (حوالي 0.21 دولار)

كامبونج بيرو
القرية الزرقاء

وتقع قبالة القرية ثلاثية الأبعاد قرية “كامبونغ بيرو أريما” Kampung Biru Arema ” أي” القرية الزرقاء”

وكانت هذه القرية أيضا من الأحياء الفقيرة والمتهالكة، حتى تم تحويلها من قبل رئيس بلدية مالانغ لتكون على غرار قرية قوس قزح والقرية ثلاثية الأبعاد ولكن هذه المرة بلمسة زرقاء بالكامل ليس فقط الجدران والأرضيات والسقوف إنما الشارع بأكمله، الممرات وكل شيء مطلي باللون الأرزق.

ويرمز اللون الأرزق للقرية الي فريق نادي “أريما إف سي” لكرة القدم في مالانغ، وزينوا الحوائط برسم شعارات متعلقة بكرة القدم في أنحاء القرية مستخدمين حوالي 15 طنا من الطلاء لتغيير حوالي 500 مبني .

العامل الأساسي في الموضوع هو” الإبداع” و”التفكير خارج الصندوق “الذي حول قرية معدمة الى حي سياحي شهير.

وهكذا تحولت صفوف البيوت المكدسة الكئيبة إلى قوس قزح من الألوان الجذابة وأصبحت المدينة اليوم مكاناً خلاباً بفضل فكرة وإخلاص بعض الطلاب ولمساتهم الفنية وإرشادهم لأهل القرية الذين تغيروا بالكامل وأصبحوا يحافظون على القرية نظيفة.

القرية الزرقاء

 

أماكن جذب

لقد جلبت الألوان الإهتمام المحلي والعالمي فأصبح يتوافقد عليها المحليون والسياح من كل مكان ونتيجة لزياراتهم وشرائهم الطعام والشراب والهدايا التذكارية، وأدى الى إيجاد فرص عمل للشباب عن طريق إدارة موقف السيارات والمراحيض العامة، وإرتفع مستوي المعيشة وتكاتف أفراد المجتمع على مواصلة وتحسين القرية بمشاريع منها تحسين الصرف الصحي. وأصبحت جوديبان واحدة من أهم مناطق الجذب السياحي في جزيرة جاوة.

إن النهوض بالمجتمعات لا يحتاج إلا لروح المبادرة، فهذه الروح قادرة على أن تصنع من الفسيخ شربات.

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه